[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

إساءة استخدام الأطفال وفقدان الحماية

( التهريب، الاستغلال، العمل، فقدان الرعاية )

د.عبدا لواسع بن سعيد هزا ع المخلافي

    لقد كفل الشرع الإسلامي والقوانين والأنظمة المحلية والإقليمية والدولية حماية الطفل التي هي جزء من حقوق الإنسان ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1989م، التي يعد اعتمادها بمثابة تتويج لما يزيد على ستة عقود من العمل على تطوير وتدوين القواعد الدولية المعنية بحقوق الطفل، وتحظى اتفاقية حقوق الطفل بما يشبه الإجماع العالمي في كل دول العالم ماعدا الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا السياق تقوم منظمة اليونيسيف بجهود مشكورة لحماية الأطفال في العالم وبخاصة من الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال ذكوراً وإناثاً.  ويعرف الطفل وفقا لهذه الاتفاقية بأنه: كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.
         وعلى الدول الأطراف احترام وضمان الحقوق الموضحة في الاتفاقية، واتخاذ ما يلزم من التدابير لإعمالها، وعليها أن تتخذ هذه التدابير فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والسياسية والمدنية والحماية للأطفال إلى أقصى حدود مواردها المتاحة، وحيثما يلزم، في إطار التعاون الدولي. ويجب علينا أن نعمل معاً من أجل طفولة آمنة، وأسرة مُستقرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الظاهرة العالمية أصبحت من الأمور التي تؤرق المجتمع الدولي، والمعالجات والحلول لها ما تزال محدودة لا ترقى إلى المستوى المطلوب. علماً أن التقارير الدولية الصادرة عن الخارجية الأمريكية، ومنظمة العفو الدولية، وبيت الحرية(أمريكا) وغيرها غالباً ما تتسم بعدم الدقة وخلط الأوراق ويستندون إلى مصادر مجهولة الهوية أو معارضة ذات بعد أحادي، واختلاق وقائع لا وجود لها وبعضها مكررة وقد سبق تناولها في تقارير لأعوام سابقة، إضافةً إلى أن معدي هذه التقارير لا يفرقون بين أحكام القضاء في الجرائم المخالفة للقوانين وبين ما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل إن بعض التقارير الأمريكية انتقائية وتعد استهدافاً سياسياً أكثر منه شيئاً آخر، والمتتبع لمجريات الأحداث يعرف ذلك بسهولة.  
     وبالنسبة لحقوق الطفل في اليمن، تشير بعض التقارير الدولية؛ إلى أن هناك جهات غير رسمية في اليمن تهرب الأطفال إلى الخارج لغرض استخدامهم في التسول وغيره من الأعمال التي لا تتطلب مهارات أو يتم توظيفهم إجبارياً كباعة على جوانب الطرق، وقد يستغل بعض هؤلاء الأطفال جنسياً، وفي نسبة أقل يتم تهريب النساء والبنات الشابات، بهدف استغلالهن أيضاً جنسياً وفي أعمال لا تليق بالمرأة، وهناك عصابات إجرامية تتاجر بالأعضاء البشرية وقد تم ضبط بعضها في الخارج، وليس ذلك فحسب، بل إن اليمن تستقبل نساء من عدة دول منها: أثيوبيا، واريتريا، والصومال، والفلبين للغرض نفسه.
     وهناك تهريب داخلي من الريف إلى المدن الرئيسة في اليمن مثل: صنعاء، عدن، تعز، المكلا وقد كشفت دراسة ميدانية حول ظاهرة عمالة الأطفال أن في اليمن ما يزيد على 28% من الأطفال العاملين يقضون أوقاتاً أطول في العمل وبخاصة من يعملون في المهن الشاقة، كما بينت الدراسة أن 15% من هؤلاء يتعرضون لإصابات عمل مختلفة تصل في بعض الأحيان إلى الإعاقة الحركية، فيما يشكو 9% من الأطفال من انخفاض الأجور، فضلاً عن تعرضهم للمضايقات والعنف البدني والنفسي من قبل أصحاب العمل. (جريدة الشرق الأوسط، الأحد 18/10/1426ه -20/11/2005م، العدد9854)
وجاء في الدراسة التي أعدها الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن التي شملت 1900 عينة عشوائية من الأطفال أن 43% منهم تتراوح أعمارهم ما بين 12و14 عاماً، و19% ما بين 15و18 عاماً، كما أن 3% منهم أميون، وأوضحت الدراسة أن27% من الأطفال يعملون كباعة جائلين، و22% يعملون في ورش إصلاح السيارات والنجارة، و14% يعملون في محلات بيع التجزئة، و7% يعملون في المطاعم، و6% يعملون في المهن الزراعية، و4% متسولون.
     وأوضحت الدراسة أن أبرز أسباب انخراط الأطفال في سوق العمل يرجع إلى اتساع نطاق الفقر وحاجة الأسر لعمل الأطفال لتغطية جزء من المصروفات، وبخاصة هناك أسر غير قادرة على الإنفاق وتنتج من الأطفال بلا حدود، يضاف إلى ذلك تسرب الأطفال من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية وتزايد الأعباء المعيشية نتيجة لعدة أسباب منها سياسات تحرير الأسعار والتوجه نحو اقتصاد السوق، وهذا أحد معوقات التنمية الرئيسة في بلادنا. (جريدة الشرق الأوسط، الأحد 18/10/1426ه -20/11/2005م، العدد9854)
    وتتبنى الحكومة اليمنية سلسة برامج للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال وإساءة استغلال النساء في أعمال لا تليق بالمرأة وتمتهن وتنتقص من كرامتها بالتعاون مع منظمة اليونيسيف ومنظمة العمل العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعد أن تنامت ظاهرة تشغيل الأطفال بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث تشير الإحصاءات إلى وجود 400 ألف طفل عامل في اليمن يعملون في مهن لا تتناسب وأعمارهم، إلى جانب وجود مليوني طفل لا يدرسون ومنهم نسبة عالية من الأيتام، الأمر الذي يمكن أن يرفد ظاهرة تشغيل الأطفال بالمزيد من المنخرطين في سوق العمل ويعزز من ذلك التركيبة السكانية فنحو 79% من السكان هم من الأطفال والشباب تحت سن 24 عاماً، ومن ثم فإن أطفال الشوارع أيضاً عرضة  للانخراط في سوق العمل في مهن لا تناسبهم ولا تليق بطفولتهم. وهنا نطرح سؤالاً من المسؤول عن الانفجار السكاني في بلادنا؟
          ومن المساهمات اليمنية لاجتثاث هذه الظاهرة التنسيق القائم بين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومثيلاتها في المملكة العربية السعودية من جهة ومع المنظمات الدولية ذات العلاقة من جهة أخرى، ومن ذلك فقد تم تجهيز مأوى لاستقبال الأطفال ضحايا التهريب من أجل إعادة تأهيلهم لضمان عدم تكرار الإساءة لهؤلاء الأطفال، وقد تم إنشاء عدة مراكز لكفالة ورعاية الأيتام في المحافظات وأمانة العاصمة.
      وهناك أعمال لجمعيات ومراكز خيرية تطوعية غير رسمية مثل: "مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية" ومقرها بالعاصمة صنعاء، وفرعها في تعز باسم " مؤسسة الوفاء للتنمية الإنسانية "، وقد نقلت الفضائية اليمنية الحفل الخطابي والمهرجان الكرنفالي الذي أقامته المؤسسة بمناسبة اليوم العالمي لليتيم وذلك يوم الأربعاء الموافق1/4/2009م، وأثلج صدورنا مشاهدة الأطفال الأيتام ذكوراً وإناثاً وهم في سعادة غامرة يسرحون  ويمرحون في هذه الدار وقد أخذت لهم لقطات وهم في سكن لائق نظيف متضمن غرف النوم والمعيشة والمرافق الصحية والألعاب...إلخ، ومما شد انتباهي الكلمة التي ألقتها الأخت الفاضلة الأستاذة/ رحمة عبدالله الحجري، مديرة المؤسسة، حيث قالت إن المؤسسة ترعى الأيتام ذكوراً وإناثاً رعاية كاملة وفق الضوابط الشرعية والقيم والعادات اليمنية الأصيلة منذ دخولهم في المؤسسة حتى تخرجهم من الجامعة، بل تبحث لهم المؤسسة عن العمل المناسب واللائق بإنسانيتهم، ومما تطمح إليه افتتاح فروع في عدة محافظات بالذات ذات الكثافة السكانية والنائية، ويسعدنا أن نسجل كلمة شكر وعرفان للأخت الكريمة وزميلاتها الرائدات في العمل الاجتماعي الخيري الإنساني.   
    وهذا عمل جيد _ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون _ ولكنه غير كاف، ومن أجل إيجاد الحلول المناسبة للحد من هذه المشكلة ولهذه الاعتبارات فلابد من القيام بعدة إجراءات منها التالي:
- إجراء الدراسات الإستراتيجية للسكان وبحوث التخطيط للأطفال بصفة مستمرة وبشكل دوري .
- توسيع دائرة الادعاء والإدانة للضالعين في جرائم تهريب البشر، والاتجار فيهم، ولاسيما  من تكرر منهم ذلك، مع تأكيد الجرائم الجنسية عامة وبخاصة لأغراض تجارية.
- تحسين ورفع مستوى الحماية وخدمات الدمج المجتمعي المتوافرة لضحايا الاتجار في البشر بهدف الاستغلال الجنسي التجاري.
- منع حجز وحبس ضحايا الاتجار في البشر، وإيجاد آلية رسمية للتعرف على الضحايا، وإحالتهم إلى حيث تتوافر خدمة الحماية.
- تفعيل القوانين والأنظمة التي تحارب هذه الظاهرة، ورفع سقف الجهود المبذولة لمعاقبة المهربين والمتاجرين في البشر وذلك خلال الفترة المحددة للإبلاغ عن ذلك بالرغم من وجود مواد في القانون اليمني تجرم وتعاقب على هذا النوع من الجرائم؛ وهذه المواد تحديداً هي (248) من قانون العقوبات والمادة (161) من قانون حقوق الأطفال.
- تفعيل دور الإعلام المرئي والمقروء والمسموع للتوعية بأخطار التهريب وعمل الأطفال.

- إنشاء المزيد من دور الرعاية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
- التوسع في قيام المؤسسات والمراكز الخاصة بكفالة الأيتام ورعايتهم.
- إشراك منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، والسلطة المحلية.
- دعم وتشجيع الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية الخيرية وتبنيها من قبل القطاع الخاص.
      وإضافة  إلى ما سبق علينا أن ننتقل من رد الفعل إلى الفعل نفسه ولتفعيل ذلك لا بد من عدة إجراءات مالية وتنظيمية وإدارية منها؛ دمج وإعادة هيكلة بعض الوزارات ذات العلاقة:
- دمج وزارتي حقوق الإنسان والعدل بمسمى وزارة العدل وحقوق الإنسان.
-  إنشاء الهيئة اليمنية لحقوق الإنسان؛ على أن تكون هيئة مستقلة ويكون في عضويتها منظمات المجتمع المدني العاملة في حقوق الإنسان، ومن ثمّ سيكون من المنطقي قبول رد هذه الهيئة على التقارير الدولية، ومن ثمّ ستكتسب التقارير التي تبعثها إلى هذه المنظمات الدولية المصداقية ذاتها.
-  واستكمالاً لذلك ينبغي الفصل بين الشؤون الاجتماعية والعمل؛ ليكون للعمل وزارة مستقلة بمسمى " وزارة العمل وشؤون المغتربين"، وينبغي إعادة النظر في وزارة الشؤون الاجتماعية وهيكلتها لتكون مواكبة لمتطلبات التنمية والاحتياجات الإنسانية ولذلك لعله من الأنسب تسميتها " وزارة التنمية الاجتماعية والأسرية".

  [email protected]
           [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى