[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

قناة "الجزيرة".. أين الحقيقة؟

من الإنصاف بداية – القول بان قناة الجزيرة قد حازت على إعجاب الكثيرين منذ انطلاقتها خصوصا لدى أولئك المتعطشين لنسمات حرية الكلمة والتعبير المفقودة حينها، وتقبل الرأي والرأي الآخر، والذين رأوا فيها أيضا متنفسا للتعبير بشكل مختلف عما عهدوه من الإعلام الهلامي الرتيب، فظهرت الجزيرة وكأنها منحازة للتعبير عن توجهات تجيش بها صدور الكثيرين في عصر لم يعد بالإمكان تغطية الحقيقة وشمسها بغربال مع التطور الاتصالي والثورة المعلوماتية التي شهدها العالم مع نهاية القرن الماضي.

أنا شخصيا وكإعلامي متابع.. لا اخفي إعجابي الشديد لسنوات عديدة بالأداء المهني العالي للجزيرة، وما تمتلكه من الكوادر والخبرات والإمكانيات الكبيرة والتقنية المهنية العالية فضلا عن موضوعية التحليل في تناول الأحداث وتغطيتها، وإشباعها لنهم المهتمين والمتابعين لجرعات من المعلومات...

كما لا اخفي في ذات الوقت – مع ما أحدثته "الجزيرة" من جدل لدى الرأي العام العربي خصوصا – دفاعي المستميت عن هذه القناة في مواقف ومناسبات كثيرة ولقاءات ونقاشات تقيم عمل وأداء الجزيرة طبعا بدافع مهني بحت بعيدا عن المواقف السياسية، والاتفاق أو الاختلاف في وجهات النظر والتحيز الذي يعد مثلمة في التقييم الموضوعي والعلمي الصرف، والدفاع والإشادة بالأداء المهني الراقي وهي كانت إشادة مستحقة للقناة بكل أمانة.

وللحقيقة وبدون مواربة وكما أكدت – وانطلاقا من وجهة نظر مهنية بحتة – فقد سردت ما سبق بشكل أمين ومنصف.. لأنني تابعت الجزيرة منذ انطلاقتها، وأحببتها لدرجة العشق الذي كان يلومني عليه كثير من الزملاء والجلساء... لأنني كنت أجد في متابعتها على مدار الساعة لا أقول ما يشبع نهم متابعة الأحداث والأخبار والتحليلات والآراء فقط – بل أجد فوق ذلك لذة ومتعة وارتياح نفسي وفكري لا يمكن استشعاره ووصفه إلا من ذوي الاهتمام و الارتباط المهني العلمي، وعاشقي مهنة المتاعب ومنتسبي بلاط صاحبة الجلالة، وصحيح ليس هذا الوصف للأداء الإعلامي للقناة يصل لدرجة الكمال.. بل كانت تظهر بعض الهنات والسلبيات.. كنا نغفرها للجزيرة بمجرد عبورها.. حريصين أن تظل الصورة مرتفعة، والنظرة إليها لا تشوبها شائبة، ( مع التحفظ على لغز ما يزال مبهما ولم يستطع احد القطع في تفسير جوانب عدة حول العلاقة مع الكيان الصهيوني الغاصب للأرض والمقدسات العربية ).

ولأني كنت استقبل الجزيرة، وأحتضنها كما يحتضن العاشق معشوقته.. وهي تمنحني المزيد من المتعة ولذة العطاء المعرفي والمعلوماتي والفكري أحيانا... خصوصا في تلك الفترات التي كانت هي العين الوحيدة الراصدة لكثير من الأحداث من حولنا وفي عالمنا، وكانت تتصدى للمسافات البعيدة لتقرب المشاهد من وقائع الأحداث.

وللحقيقة أيضا.. كم أكبرنا في "الجزيرة" في الفترة الأخيرة مواقفها الداعمة لأحلام الأجيال العربية الجديدة، وكم كان إعجاب المشاهد العربي الحر... شديدا وهو يتابع انحياز القناة الواضح والجلي لتطلعات هؤلاء الشباب العربي المتطلع للحياة الحرة الكريمة على الأرض العربية مغربها ومشرقها.. مع انطلاق الثورة الشبابية والشعبية في تونس ومصر وبعدها ليبيا الثائرة... انحياز قدمت "الجزيرة" في سبيله الدم القاني على ارض ليبيا العربية باستشهاد المصور"علي الجابر" رحمه الله.. أترون كيف هي الجزيرة كبيرة في قلوب الشباب العربي من خلال دور محوري تقوم به....؟

ولكن ماذا بعد أيتها القناة "الحبيبة العجيبة"؟... ها أنت فعلا تخيبين الآمال..! وتبعثين المتابعين على الأسف على سلبهم أوقاتهم، وربما تريدين مريديك والمعجبين بك أن يتساءلوا بشكل تلفهم فيه الغرابة والشك فيما آل إليه وضعك.. لا نحبذ لك هذا.. لكنك وضعت نفسك في مواضع الشبهات بشكل لافت جدا.. انظري!!

أقولها وبكل أسف وبكل ألم لن يعتصر إلا قلوبا هامت فيك عشقا، ورغبت إليك كثيرا رغم صدودك وتلاعبك بمشاعرها وأحاسيسها.. دون أن تدري لفرط حبها الأعمى.. الآن سيدتي "الجزيرة" حصحص الحق.. أتعرفين لماذا نكاد نقضي حسرة منك؟

أكبرناك بعيدة عنا هناك.. وتلاقت مشاعرنا معك هناك.. وتبادلنا معا مشاعر الفرح والحزن هناك متباعدين.. ولكنك حين قرب موعد وصالنا على ساحتي (الوطنية) هنا على ارض اليمن العزيزة الغالية، أقول حين اقتربت "المحبوبة" منا.. "الجزيرة" حين جاءت لتغطي لا أقول أخبار الأحداث في اليمن فقط.. بل ظهر أنها لم تتمكن من تغطية الجانب الآخر فانكشف القناع عن وجهها القبيح والمشوه رغم محاولاتها استخدام مساحيق التجميل وأدوات المكياج.. لكنها العورة والتشوه المزمن ظهر جليا على محياها من خلال تغطيتها البائسة لأحداث اليمن الجارية.

أقول وآسفاه... أنا شخصيا لم أكن أتمنى أن تتغير علاقة العشق اللامتناهي مع المحبوبة عبر سنوات طويلة من الهيام.. أتدرون لماذا أبدي الأسف الشديد؟ ليس لأنني رأيت الجانب القبيح والمشوه من الصورة المنطبعة في الذهن فحسب.. بل لأنني عدت بذاكرتي أيضا وذاكرة الأيام الخوالي بيننا لأكتشف مدى سذاجتي وعفويتي لتصديق كل ما قالته لي وعبرت لي عن نفسها كثيرا (وان كنت لا أرضى بإهدار أحلام السنين) لأقول أن هذا القبح والتشوه المكتشف.. إنما حدث مؤخرا.. أقول ذلك تعزية لنفسي ربما.. – في إطار البحث عن أعذار للمعشوقة "المزيفة" – قد تعرضت لحادث مؤسف شوه جانبا من وجهها الصبوح والمختزن في الذاكرة.. ربما!!

وحين أقول سقوط القناع.. لم أتجن أو أجانب الصواب فقد انكشف الجانب المستور وبجلاء.. من وراء تغطية الأحداث التي تشهدها بلادي اليمن ، وأعايشها شخصيا لأني في موقع الحدث الذي لا يمكن لأحد أن يمنحني معلومات أراها بعين اليقين... لأجد القناة التي اعتمدت عليها طويلا ليس تعجز عن نقل الحقيقة فحسب.. بل تتعداه للتشويه والتحوير الذي تضيع معه الحقيقة التي يبحث عنها الجميع، ولتساعد في تأجيج وضع لا يحتاج للمزيد من ذلك، لتؤدى دورا يبعث على الشبهة ولا يمكن تصوره منها... لتسقط ذلك السقوط المريع حين تتغابى متعمدة وتتغاضى عن نقل الحقيقة التي تدعي وتزعم دائما أنها تسعى إليها بحيادية كاملة.. نعم لقد شوهت الجزيرة حقيقة ما يجري في اليمن... الحقيقة التي أراها رأي العين، ويراها ماثلة للعيان كل يمني حر وشريف في هذا الوطن.

لقد استغلت الجزيرة، الأداء الإعلامي اليمني الباهت تجاه الأحداث كما استغلت مكانتها لدى سماحة وعفوية اليمنيين الكرماء لتلعب هذا الدور المشبوه، وتبتعد عن رصد الحقائق والوقائع كما هي على الأرض.. ليس لأنها لا تستطيع ذلك بل إنني اجزم أنها تتعمد مجافاة الحقيقة وعدم نقل الصورة كما هي، وهذا ما يدفع لتفسيرالشبهة لهذا الدور البعيد عن التوجهات المعلنة للقناة، ولا ادري في الحقيقة كيف لها أن تضحي بمكانتها لدى خمسة وعشرين مليونا من اليمنيين من خلال دورها هذا في تشويه الوقائع والانحراف بالحقيقة لتؤجج مكامن الصراع، وتصب الزيت على النار في دور لا يمكن أن يصدر إلا من عدو متربص باليمن واليمنيين..؟!.

وما يزال أمامها فرصة ثمينة لتلافي الخروج من هكذا موقف مشين تجاه اليمن واليمنيين – وفي ظرف حساس كهذا - قد يؤدي بمكانتها إلى قاع الهاوية حيث لا عودة، مع أني أجدها اليوم تتعمد وبإصرار غريب وعجيب إلا أن تستهين بفقد مكانتها وصدقيتها ولا ادري ربما تقوم بذلك أيضا بالمجان لأنه من الصعب حسب علمي شراء صوت أو دور لقناة إعلامية هي أساسا غنية وثرية ومستثمرة " كقناة الجزيرة " بل هي القادرة – لو أرادت - على شراء الآخرين العارضين ضمائرهم في سوق النخاسة الإعلامي الموبوء... أتمنى أن تعيد حساباتها.. لتعيد لنفسها ما تعتقد انه درع الزعامة أو الريادة.. وأقول انه ربما تهاوت عنها في غفلة من الزمن غصبا عنها ولأسباب خارجة عن إرادتها.. لتعتذر لجمهورها عن رداءة التوجه من المصدر...!.

شخصيا لم افقد الأمل في أن تعيد " المعشوقة " حساباتها... ولكل حصان كبوة.. وان تعود لرصد الحقيقة والحقيقة ليس إلا.. وان تعزز الثقة بشعارها الجميل الذي أصبح يتباعد عنها شيئا فشيئا بين حدث وآخر "الرأي والرأي الآخر"، ولعل عملية تجميل بسيطة هي قادرة على تحمل تكاليفها، وتبعات آلامها، كما عرفناها شجاعة جريئة للتخلص من البثور الغائرة والمزمنة، التي شوهت الوجه والصورة الجميلة للجزيرة، ولن تحتاج بعدها لأي نوع من مساحيق التجميل التي تستر الحقيقة مرة ولكنها ما تلبث أن تفضحها مرات ومرات.

اعتقد هذه ليست أمنيتي وحدي، لكنها أمنية الجيل العربي الجديد الذي لا نريد له أن يعيش التجارب بل يستفيد منها بحيث لا يصدم بتشويه الحقائق أمامه ليكتشف في الأخير حجم الغبن والغش الذي يكلفه أثمانا باهظة وتضحيات جسيمة.. تظل تجترها الأجيال المتعاقبة والمذنب الأول والأخير في حقها.. الإعلام المضلٍل... الذي لا يعيش للحقيقة.. والحقيقة فقط.

*إعلامي سابق في الفضائية اليمنية

زر الذهاب إلى الأعلى