[esi views ttl="1"]
الفكر والرأي

هكذا يغادر الكبار

في لحظة فارقة كان ينتظر ميلادها شباب الثورة قبل غيرهم, وفي وقت كان اليمنيون في انتظار قرارات شجاعة تلبي أهداف الثورة الشبابية التي قاموا بها, جاءت قرارات الرئيس هادي لتطمئن الشباب على ثورتهم وتعيد اليهم نشوة انتصاراتهم المباركة التي بدأت منذ انطلاق الثورة.

كان الحدث الأبرز والأهم في تلك القرارات هو إزاحة نجل صالح من منصبه, وتعيين اللواء علي محسن الأحمر مستشاراً للقائد الأعلى للقوات المسلحة لشؤون الدفاع والأمن, وكان اهم من الحدث ذاته هو ترحيب اللواء علي محسن الأحمر بالقرار وتأييده لكافة القرارات الأخرى, باعتبار تلك القرارات تخدم أهداف ثورة الشباب الشعبية السلمية وتسهم في بناء الدولة المدنية الحديثة.
لقد اختتم اللواء علي محسن تاريخه المشرف وكتب اسمه في سجل الأبطال, وساهم في إعادة الجمهورية التي كادت قاب قوسين أو ادنى من تحويلها إلى ملكية, وأصبح اسم علي محسن يرتبط بالثورة ارتباطاً وثيقاً , مثلما أصبح اسم " صالح " يرتبط بمفردات البلطجة والقتل والفساد.. ولعل مشيئة الله شاءت أن تختم مسيرة الرجلين باتجاهين مختلفين , فلعقود طويلة من الزمن كان " صالح " هو صانع الانتصارات , والقائد المحبوب , وفارس العرب , وباني اليمن, وهلم جراً من عبارات الزيف والتطبيل , بينما ظل الرجل الذي قضى حياته في ميادين القتال , متنقلاً من جبهة إلى أخرى ومن معركة حقيقة إلى أخرى مصطنعة, ظل بعيداً عن الأنظار وعدسات الكاميرا وبريق الشعارات, وقصارى ما يعرفه الكثير عنه انه رجل المهمات الصعبة الذي يبرز عند كل معضلة كرجل إطفاء لحرائق النظام.

كانت مذبحة " جمعة الكرامة " التي نفذتها كتيبة المهمات الخاصة في الحرس الجمهوري وبعض من وحدات الأمن المركزي بمساندة بلاطجة محسوبين على الحزب الحاكم حينها, قد أثارت استنكار اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية, بحكم أنها مجزرة بشعة توفرت فيها كل أركان الجريمة , ولم يسبق لها مثيلاً في اليمن باستثناء أحداث يناير التي جرت بين الطغمة والزمرة عام 1986م , وبعد يومين من وقوع تلك المجزرة استفاق اليمنيون في صبيحة يوم الاثنين 21 مارس على صدى خبر جلجل في سماء اليمن, رفع على وقعه شباب التغيير هتافاتهم بالتكبير, وتعالت زغاريد الفرح من أصوات أمهات وزوجات الجرحى والشهداء, بينما احتفلت به " القبائل " على طريقتها الخاصة بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء, وفي اعتقادي انه لم يفرح اليمنيون برحيل " صالح " بقدر فرحهم بذلك الخبر الذي حمل إليهم بشرى تأييد الجنرال الأقوى في الجيش إلى ثورتهم, وما تلاه من انضمام قادة وضباط وسفراء إلى الثورة, وكان هذا الموقف كفيلاً بانتقال الثورة إلى مرحلتها الأشد حرجاً بالنسبة للنظام.

كان يوم 21 مارس حدثاً تاريخياً عزف فيه اليمنيون أروع الحان المحبة والسلام, وتبادلوا أروع آيات التهاني, وسيظل يوماً تاريخياً يتذكره اليمنيون كلما ذكرت ثورة الشباب الشعبية السلمية التي يعتبر يوم الجيش أو يوم 21 مارس يوماً من أيامها الخالدة, ويوماً من الأيام المشهودة التي نقلت الثورة من محيطها المحلي إلى افقها الإقليمي والدولي الأوسع, وأصبح اليمنيون يحاورون ويناورون على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه, وأصبح للثورة والثوار ممثليها السياسيون والعسكريون الذين تشد إلى مكاتبهم الرحال بهدف الخروج باليمن إلى بر الأمان.

ما بين جمعة الكرامة وجمعة النصر صنع الثوار المعجزات ووقف الجيش وقادته درعاً حصيناً أمام كل ما يحاك للثورة من الدسائس والمؤامرات, وتعرض قادته لعمليات الاغتيال مراراً وتكراراً واطلق الإعلام الموالي للنظام المخلوع اكبر حملة لتشويه ذلك التاريخ الجميل لقائد انصار الثورة, وبرغم هذا وذاك ظل قائد انصار الثورة عند حسن ظن الثوار به, وانتزع لهم دولة مدنية من فك ديكتاتور وبدأت الأحلام تتحقق على الأرض شيئاً فشئاً، لأن هناك من اؤتمن على تلك الأحلام، فكان صادقاً في أمانته وقاد سفينة الثورة إلى شاطئ النصر والتي توجت بجمعة النصر.

شكراً لك أيها القائد الذي قدمت للثورة ما عجز عنه الآخرون, شكراً لك يا من أعدت البسمة إلى وجوه الصغار وأمهات الشهداء وزوجاتهم بعد تحقيق حلم الشهداء في إقالة العائلة من الجيش, لقد دخلت هذه الثورة عظيماً وغادرت منصبك السابق عظيماً, وتصرفت كما يتصرف الكبار, ونحت تاريخك العظيم على صخرة العز وجعلت من سيرتك حديث الأيام والليالي , أبهرت الجميع بعظمتك وأجبرتهم جميعاً على احترامك والانحناء احتراماً أمام مواقفك المشرفة التي لا ينساها التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى