[esi views ttl="1"]

طائرة اليمنية.. «أذن السارق تطن»‏

قضية الطائرة التابعة للخطوط الجوية اليمنية التي أسقطت فوق موروني بجزر القمر في ‏يونيو من العام 2009م.. تظهر من جديد على السطح الفرنسي بعد استكمال وضع السيناريو ‏الخاص، كما أوردت ذلك بعض وسائل الإعلام.. رغم متابعة الجانب اليمني للقضية وعلى ‏مستوى حكومي عال، وبعد تولي شركة التأمين للموضوع... ‏

والجميع وخصوصا المتابعين - وأزعم أني أحدهم وبصفتي الإعلامية أدلي برأيي الشخصي ‏‏- وأقول يدركون يقينا القصة - وكيف ظلت القضية تخضع لمراوغات الجانب الفرنسي الذي ‏ظل يناور كسبا للوقت، ومحاولة خلط الأوراق للتملص من شيء ما منذ الحادثة مباشرة، ‏ومعلوم أن منطقة جزر القمر تخضع كليا للسيادة العسكرية الفرنسية وهي وراء كل المشاكل ‏السياسية والاقتصادية التي تعاني منها هذه المنطقة، وهذا أمر معلوم وليس خافيا منذ تقاسم ‏مناطق النفوذ في القارة السوداء وتنافس القوى الكبرى للسيطرة عليها منذ قرون مضت.‏

وبالعودة إلى موضوع إسقاط الطائرة المدنية اليمنية وللتذكير، فمنذ الوهلة الأولى رفضت ‏القوات الفرنسية التي أحكمت السيطرة والإغلاق التام على موقع الكارثة في الوقت الذي كانت ‏تنفذ فيه مناورات عسكرية بحرية في الأرخبيل حينها، وموهت ومنعت أي مشاركة في ‏عمليات الإنقاذ وأعادت فرقا كثيرة من بينها فرق مساعدة أمريكية، وحتى في عملية البحث ‏عن الصندوق الأسود للطائرة ظلت المماطلة واختلاق الأعذار.. حيث مل المتابعون الانتظار ‏لمعرفة الحقيقة وكشفها أمام الرأي العام.. وكانوا يعلنون للمتسائلين أنهم مازالوا يبحثون ولم ‏يعثروا عليه حسب المصادر الفرنسية إلا بعد أسابيع، وللتذكير أيضا رفضوا عروض المساعدة ‏الدولية في عملية البحث عن الصندوق، إلى الدرجة التي كان يدور الحديث لدى المختصين ‏بكيفية إقناع الرأي العام بتقبل حالة اليأس من عملية العثور على الصندوق (على اعتبار آن ‏الأصوات التي يطلقها الصندوق تنتهي بعد فترة محددة من الوقت).. فكان لابد من الإعلان عن ‏العثور عليه، ثم بدأت المماطلة الأخرى حول اقتراحات المكان المناسب لفحص الصندوق وفي ‏أي بلد ؟ وهكذا ظلت المعلومات التي يحتويها الصندوق حبيسة الإرادة الفرنسية، ولم ينشر ‏عنها أية تفاصيل.‏

معطيات كثيرة رافقت الحادثة أعطت إشارات ورسائل.. بعثت على المزيد من التساؤلات ‏ليس على المستوى الوطني فحسب بل على المستوى الدولي، وحينها نتذكر جيدا بعضا من ‏تلك الإشارات والمعطيات، ومن أهمها تصريحات تناقلتها وكالات الأنباء العالمية عن شهود ‏العيان من على الأرض ومشاهداتهم للطائرة المنكوبة وما تعرضت له، إضافة إلى إفادات برج ‏المراقبة في مطار موروني، ومنها أيضا ما تناقلته وسائل إعلام خارجية من تصريحات ‏لمسئولين في جزر القمر عن تنفيذ المناورات وتواجد عدد من القطع البحرية الفرنسية في ذات ‏موقع الحادثة وهو ما أكده حينها سفير فرنسا في موروني، أضف إلى ذلك التصريحات ‏الرسمية الفرنسية والتي صدرت من باريس عقب الحادث مباشرة متضمنة تبريرات سريعة ‏وتفسيرات مسبقة للحادثة قبل أي تحقيق وقبل أن يطلب منهم تفسير أو تبرير وهو أمر أثار ‏استغراب المتابعين بوصفها تبريرات استباقية بعيدة عن الوقائع وحتى عن المنطق حين ‏أعزت السبب لخلل أصاب الطائرة...حيث لا يمكن القطع بالأسباب إلا بعد التحقق والتدقيق ‏الكامل والتحليل للمعلومات في هكذا حوادث بهدف الوصول إلى الحقيقة الثابتة والمقنعة، وهو ‏ما أثار الاستغراب حينها وكأن (أذن السارق تطن) أو كما يقول المثل العربي (كاد المسيء أن ‏يقول خذوني).‏

ويجدر التذكير أيضا بما أعلنه مسئولون في جزر القمر بعد الحادثة مباشرة و بشكل رسمي ‏في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام العالمية عن عدم تعاون تبديه الجهات الفرنسية، وتحدثت ‏عن تمويه متعمد لموقع ومكان سقوط الطائرة أمام الغواصين وفرق الإنقاذ التي هبت لتقديم ‏المساعدة منذ اليوم الأول.. وهناك الكثير والكثير من هذه المعطيات التي حاول الجانب ‏الفرنسي النأي بقواته العسكرية من أن يمسها أي شك أو اتهام.. وثم لماذا كانت التبريرات ‏المبكرة وما شأنها ؟، ثم لماذا عمدت السلطات الفرنسية إلى التحرك السريع لنقل (بهية بكاري) ‏الفتاة الناجية الوحيدة في الحادث إلى فرنسا مباشرة بعد أن أعلن الطبيب المعالج سرعة ‏استعادتها لصحتها ووعيها (وباعتبارها الشاهد الوحيد من داخل الطائرة) وقد جاء هذا التحرك ‏السريع بعد أن تحدثت إلى والدها في باريس ونقلت الفضائيات حينها جانبا من هذه المحادثة ‏التي تضمنت (وقد استمعت شخصيا) تقول إنها سمعت صوت انفجار ثم لم تر شيئا بسبب ‏الظلام، والملفت أيضا أن مسئولا كبيرا بدرجة وزير وصل خصيصا لمرافقة الفتاة إلى باريس ‏‏!.‏

والخلاصة أن معلومات الحادثة ظلت تحت سيطرة فرنسا (العظمى) الأمر الذي دفع بأكثر ‏من مسيرة جماهيرية توجهت نحو رئاسة الوزراء في بلادنا لمطالبة الحكومة اليمنية بالتدخل ‏لدى السلطات الفرنسية للكشف عن ملابسات الحادث وكشف المعلومات الدقيقة حولها. ‏

وبعيدا عن كل ذلك نحن اليوم أمام تعنت لم يعد يمس الناقل الوطني للجمهورية اليمنية ‏‏(الخطوط الجوية اليمنية) فحسب بل إنها إساءة تطال السيادة والكرامة اليمنية، من حيث نبرة ‏تحديهم – حسب ما أتصور – ومن خلال ما نشر- فالفرنسيون حججهم واهية بما أوردوه من ‏سبب للحادثة وهو الخلل في الطائرة مع أنهم يعلمون علم اليقين أن الطائرة الايرباص مصنعة ‏في مصانعهم، وهم من يضع البرنامج الدوري لصيانة ما ينتجونه من الطائرات، كما أنهم ‏يشرفون على أعمال الصيانة لكل طائراتهم من هذا الطراز في كل شركات الطيران التي ‏تتعامل معهم، وفوق كل ذلك هم وفي المفوضية الأوروبية للسلامة لا يمكن أن يسمحوا لأي ‏طائرة تعبر أجواء أوروبا وفيها مجرد شك في صيانتها أو عمرها، وللعلم أيضا أن الطائرة ‏المنكوبة كانت قد عادت في نفس اليوم من رحلة لها في فرنسا عبر الأجواء الأوروبية وبالتالي ‏فكيف لهم أن يشككوا في سلامة الطائرة ويوجهون تهما كما يحلو لهم... بعد كل هذا ! لعمري ‏إنها غطرسة الكبار أمام الدول التي يعدونها عالما ثالثا لا شأن له بكبار القوم وأئمة الحضارة، ‏وعلية البشر ممن يسمون بالخمسة الكبار أو الأعظم !‏

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة اليمنية قد قامت مشكورة قبل فترة بتشكيل لجنة ‏وزارية مكونة من عدد من الوزراء لمتابعة القضية وحفظ حقوق اليمن و"اليمنية" وطرح ‏ملاحظات اليمن على آلية إجراء التحقيقات الخاصة بهذه الحادثة، ومنهم وزير النقل ووزير ‏الخارجية ووزير الشئون القانونية ورئيس الهيئة العامة للطيران بالإضافة إلى مسئولين من ‏الخطوط الجوية اليمنية.. وعلى أساس أن اللجنة سترفع مقترحاتها إلى مجلس الوزراء، ولا ‏تتوفر بعد معلومات حول ما تم التوصل إليه بهذا الخصوص.‏

ومن منظور وطني عام لابد من تذكير الجميع أن الخطوط الجوية اليمنية هي الناقل الوطني ‏الرسمي للجمهورية اليمنية وسفير اليمن الطائر.. تظل محط فخر واعتزاز كل اليمنيين ‏باعتبارها مؤسسة وطنية سيادية الإساءة إلى سمعتها والنيل من قدرات كوادرها الوطنية إساءة ‏تستهدف سيادة اليمن وكرامة اليمنيين.. في ضوء حقيقة -لا يخامرها الشك - يدركها اليمنيون ‏وكل المتعاملين مع (الخطوط الجوية اليمنية) وعبر تاريخها الطويل والعريق... ورغم أنها ‏كانت تمتلك طائرات قديمة الطراز في مراحل عدة من مسيرتها إلا أنها ظلت محتفظة بسجل ‏نظيف من السلامة والأمان - بفضل من الله – ثم بكفاءة وقدرات كوادرها الوطنية المؤهلة من ‏الطيارين والمهندسين والفنيين.. الذين تشهد لهم كافة المنظمات الدولية المعنية بشئون الطيران ‏المدني......فما بالكم واليوم وهي تمتلك أسطولا (متواضعا) من الطائرات الحديثة والمتجددة ‏مما يقطع الطريق أمام ادعاء كاذب لا يمت إلى الحقيقة بصلة.‏

وما يثير حفيظة المتابع اليمني لقضية كهذه وما صاحبها من ملابسات ومعطيات ظلت في يد ‏الجانب الفرنسي وحده ليخرجها بالشكل الذي يتواءم ومصلحته ومكانته (الدولية.....).‏

والأمر الآخر المثير للتساؤل الكبير أسلوب تناول بعض وسائل الإعلام والصحافة المحلية ‏خصوصا لهذه القضية بشكل لا ينسجم وابسط قواعد الإحساس بالانتماء الوطني، وتجد البعض ‏يتحدث عن "اليمنية" كما لو كانت شركة من وراء أعالي البحار، والبعض كما لو كان يتحين ‏الفرصة لتصفية حسابات لا مبرر لها على الإطلاق، ومحاولة النيل منها ومن شخوص إدارتها ‏الحالية بعيدا عن كل اعتبارات المنطق والتناول المهني، واحترام الذات.. فضلا عن احترام ‏مشاعر ملايين اليمنيين تجاه كل ما هو يمني وتجاه كل من ينتمي لليمن هذا العنوان الغالي ‏الذي نفتديه بالدماء والأرواح، وترخص في سبيله التضحية بكل غال ونفيس...‏

زر الذهاب إلى الأعلى