[esi views ttl="1"]

جذر المعضلة

في الرؤية الموضوعية، ما يؤكد تماثل البيئة الحاضنة لمراحل نشوء وانتشار جماعات الإسلام السياسي في السعودية واليمن والإمارات والأردن والكويت وإلى حد ما مصر – وإن كانت بلد المنشأ – وهكذا يجوز القياس على بقية بلداننا العربية

لكل حكومة خليجية من مقومات الإرادة السياسية الموحدة والإمكانات الاقتصادية الكبيرة ما يجعلها أفضل حالاً من اليمن.. لكنها – فرادى أو مجتمعة – تشاطر فقراء السعيدة كثيراً من السياسات سواء (بوضع السيف في موضع الندى) أو من حيث القفز على الأسباب والتعاطي مع النتائج.

وفي أحايين شتى لم تكن تلك النتائج المثيرة للامتعاض غير حصاد طبيعي لأخطاء شاركنا فيها دون تبصر أو تغاضينا عنها لتقديرات آنية لم يحالفها التوفيق.

لكم هي الحاجة ملحة للوقوف أمام معضلة ما وإخضاعها لدراسة علمية محايدة وبحث عقلاني معمق.. كيف بدأت ومن أي زاوية كان فهمنا إياها وبأي القواعد جرى التعامل معها – مذ وهلتها الأولى – وهي تحبو بين ظهرانينا وتتمدد من بلد إلى آخر.. حتى إذا ما بلغت مطافها الأخير وصارت ثعابين تسعى وبؤر حرائق تشتعل حتى ذاك نبدأ التعرف عليها وتستيقظ في وعينا الباطن مقولات الأمن القومي العربي، فنسمع الحكومات ترفع عقيرتها للتحذير من الخطر ولسان حالها: (وما تلك بيمينك يا موسى)!

سيقال وما حاجتنا في اليمن وأشقائنا خليجيين وعرباً لتقليب المواجع والتنقيب عن الأسباب ومعرفة كل منا حصته منها طالما تحقق الوعي المطلوب وأخذت الجهود طريقها الصحيح..؟ وسيقال أيضاً ها نحن بدأنا وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي!! وسيجد المشتغلون في دوائر السياسة والتوجيه الديني وأصحاب الوفرة المالية المتفلتة مخرجاً للتنصل من مسؤولياتهم السابقة عن المقدمات وإلقاء العبء – كل العبء – على المؤسسات الأمنية التي ينوء كاهلها بحمولات أسفار مضت وتبعات مدخلات فاقت كوارثها توافقات الساسة وتجاوزت حسابات الممولين وربما لم تدر في خلد معظم الوعاظ على منابر الدعوة.

وبحسن نية أو بدونها سوف ينسحب سياسيون وعلماء دين ورجال أعمال وقادة رأي من خارطة الأسباب وبعض هؤلاء سيلتزم الصمت تحيناً لنتائج النتائج!! والبعض الآخر سوف يقرر القفز إلى قلب الحدث والأخذ بمنهج القمم العربية في التنديد والشجب ولن يقصر في إحالة المجتمع على اليقظة الأمنية من غير أن يقدم أحد هؤلاء (المعتزلة) و(المرجئة) وسعه أو يفصح عن شيء مما يقع في نطاق تجربته.. لكأنهم بدؤوا تهيؤاتهم للمستقبل القريب بصورة نمطية تستبقي الخطر قائماً واستثماراته ممكنة!!

وتداعياته الفاجعة رهناً لقراءات البسطاء وانحيازاتهم العفوية بين خياري القبضة الأمنية ومسوح القرابين.

مهم وملح وضروري أن تخوض منظومات الحكم في بلدان الجزيرة العربية تجربة البحث في الأسباب، المرغوب منها أو المزعج ، السيئ أو الحسن!! مرة واحدة نستحثها على إطلاق أدوات المعرفة واختبار قدرتها على مواجهة ظواهر التطرف والغلو وكوارث الاستغلال السياسي للدين والأيدلوجيا والوطن.

الحق أن جزءاً محدداً من عوامل نشأة الظواهر السياسية المنحرفة تستدعي الحكمة تأجيل حيز من أسرارها ريثما تنضج الظروف المواتية لدرسها، لكن الجانب الأهم من تلك الظواهر يتطلب قدراً من التركيز والتمحيص والبحث بما يعادل وتيرة الاهتمام المكرس صوب النتائج المروعة لهذه الظاهرة أو تلك..

في الرؤية الموضوعية ما يؤكد تماثل البيئة الحاضنة لمراحل نشوء وانتشار جماعات الإسلام السياسي في السعودية واليمن والإمارات والأردن والكويت وإلى حد ما مصر – وإن كانت بلد المنشأ – وهكذا يجوز القياس على بقية بلداننا العربية باستثناء الحالتين العمانية بما يكتنف وضع وطبيعة مناشط الجماعة فيها من غموض.. وقطر بمجازفاتها الماراثونية التي يعجز أخصائيو علوم الاجتماع والتحليل السيكولوجي والنفسي عن فهم مسوغ انغماسها في الترع الآسنة بدلاً عن السباحة في الشواطئ الخليجية الدافئة.

لا جدال أن التعاطي الموضوعي مع المقدمات يحد من تهور الهواة ويقلص مساحة الرقص على الحبال الواهنة والمؤكد أن استدعاء شواهد الماضي القريب خاصة منها ما يتعلق بدعم جماعات الإسلام السياسي لا يرمي إلى نصب المحاكمات ولا تبادل الاتهامات لكنه يساعد على الإلمام بجذر المعضلة.. أما الوقائع المروية فتظل محكومة بظروفها الزمنية إذ المعلوم سلفاً أن مشاركة الأنظمة في مجرياتها كان نتاج عاطفة دينية تتوخى الحرص على إبلاغ الدعوة ونشر القيم الإسلامية الفاضلة وتشذيبها من البدع وتنقيتها من شوائب الخرافة والكهنوت ناهيك عن اعتبارات سياسية غذتها رياح الحرب الباردة وعززتها محارات الخطاب اليساري النزق..

ها هي السياسة تنتحي جانباً ومصالح الشعوب تتغلب على ما عداها من اعتبارات.. لم يعد الأمر ما كان وليس ما تتخاطره الهواجس من تبعات.. المياه جرت في نهر الحياة لكن الطحلب ما برح عالقاً واستمراره يمنع شعوبنا من الارتواء فمتى يُكشف الغطاء عن أماكن العطن.. ومتى تؤدي شموس المعرفة دورها في تجفيف محاضن التطرف..؟
ما من وسيلة للتعافي من أدواء الظواهر السيئة أكثر نجاعة من المكاشفة بالأسباب وفتح الملفات الشائكة وتمكين مجتمعاتنا من معرفة الحقائق بوصفها المهاد المنطقي الذي يساعد على مواجهة الأخطار المحدقة بشعوبنا.

المؤسسات الأمنية الخليجية التي يكتب سمو الأمير محمد بن نايف، وزير داخلية المملكة عناوينها الرئيسة بحنكته الذائعة تدخل منعطفاً جديداً في موضوعاته وترتيباته والمضاعفات المحتملة بصدده.

ثمة مياه غزيرة جرت وطحلب مركوم على ضفاف النهر.. ولسوف تتدفق ينابيع الحياة وتحدياتها لكن فروقاً جوهرية تنتظر بلدان شبه الجزيرة والراجح أن طفحاً من الرواسب والترع الملوثة سيعكر صفو مجتمعاتها.. فهل حان وقت المكاشفة؟ أم تظل أيدينا تقرع الأجراس بينما تهيئ الغابة كائناتها.

أي وجهة هزلية هذه التي لا تميز بين العقل والتطرف فتحارب المعرفة بدوافع الحرب نفسها على التطرف وثيروقراطية التداين بالأسلحة في مجتمع مسلم حتى النخاع.. ويا أشقاءنا ابحثوا في المقدمات وستجدون الإكسير المناسب لمواجهة النتائج!

زر الذهاب إلى الأعلى