[esi views ttl="1"]

العرب والبحث عن القطة السوداء

وقعت عيني صدفة منذ أيام على المثل الصيني الطريف الذي يقول: "لا أصعب من البحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة.. لاسيما إذا لم تكن هناك قطة"، سبق لي أن قرأت هذا المثل أو بالأحرى مررت عليه أكثر من مرة ولم يثر بمفارقته العجيبة في نفسي ما أثاره في قراءتي له هذه المرة، وفي هذه الظروف المثيرة للقلق على ساحة الوطن العربي. فقد وجدت فيه صورة كاريكاتورية تعكس حالة العرب اليوم وهم يبحثون عن حلول عملية لواقعهم المريع في الغرف المظلمة، وقد سبق لي أن تحدثت عن حلول تم التوصل إليها في قاعات مضاءة لكنها لم توضع موضع التنفيذ وهي الآن تستريح على أدراج مكاتب المسؤولين، وفيها الكثير الصالح ليكون حلاً عاجلاً للمشكلات الراهنة وحلاً آجلا لما يحتمل الانتظار من هذه المشكلات.

العرب لا تنقصهم الحلول الجاهزة، ولا ينقصهم الكلام الكثير والكبير عن قضاياهم الثقيلة الوزن، كما لا تنقصهم السوية ومعرفة ما يجوز وما لا يجوز، لكن ذلك كله يظل معلقاً في الهواء ولا يهبط إلى الأرض، ولا يتحول في حالة واحدة إلى تطبيق عملي يلامس واقع الناس وتعمل نتائجه على تغيير في حياتهم. وما أحوجهم إلى بحث في الفضاء الطلق وتحت نور الشمس والقمر عن حلول واقعية عملية لا عن أفكار وتمنيات وتصورات مستقبلية على الورق، أجل، ما أحوجهم إلى ذلك الآن، وبعد أن ساءت صورتهم وتشوهت محلياً وعالمياً، وزاد من تضخم هذا السوء وذلك التشويه استغلال أعدائهم لما وصلت إليه أوضاعهم، ولا جديد في القول بأن أعداءهم من الكثرة بمكان، وهم يتزايدون بتزايد الضَعْف العربي ولا يتناقصون .

لقد مرت السنوات الطويلة والبحث جارٍ عن حلول مُرْضية ومُقْنِعة لكل الدول العربية منذ تشكلت باسمها منظمة جامعة في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وتواصل البحث في الخمسينات والستينات والسبعينات وإلى وقت قريب، وفي كل مناسبة تبدي الأنظمة الموقرة استعدادها للمشاركة في البحث عن الحلول المطلوبة، وكلما توصلت إلى تلك الحلول التي تاهت في الغرف المظلمة، وحين لا يتم العثور عليها يبدأون من جديد في البحث عنها أو ترك المعضلات للزمن بوصفه الكفيل بحلها، علماً بأن الزمن لا علاقة له بإيجاد هذه المعضلات ولا بإيجاد حلول لها، وهي ليست من صنعه وإنما من صنع الإنسان، وهو وحده الذي بيده الحل المناسب إن أراد ودفعت به مسؤوليته إلى استعادة إرادته الضائعة المضيعة، والتي بدونها لا أمل في الخروج من الغرفة المظلمة حيث تنام الحلول في أدراج يعلوها الغبار ويأكلها الصدأ.

إن الواقع العربي الراهن أخطر بما لا يقاس مما كان عليه في عقود ماضية، بل هو أخطر مما كان عليه قبل خمس سنوات، وخطورة هذا الواقع تزداد استفحالاً بمرور الأيام وما كان في مقدور العرب مواجهته بصعوبة بالأمس القريب، صارت مواجهته اليوم أكثر صعوبة، وما يمكن أن تحققه المواجهة الصادقة اليوم سيكون من المستحيل تحقيقه غداً.

زر الذهاب إلى الأعلى