[esi views ttl="1"]
arpo48

مريم.. الزواج المبكر كاد يقودها إلى حبل المشنقة

في احدى القرى التهامية نشأت مريم الطفلة ذات الوجه الملائكي والضحكة البريئة فكانت ‏أشبه بفراشة ‏رقيقة تحلق في أرجاء مزارع الفل العابقة في سهول تهامة .‏ وتمر الايام سريعاً ‏وتكبر مريم رويداً رويداً لتتم ربيعها السادس عشر في العام 2009 ولم تعرف بان ‏هذا العام ‏سيكون بداية لأقسى سنوات عمرها.‏

ففي احدى الايام تتفاجأ مريم بان والدها سيقوم بتزويجها من شخص يفوقها سناً و لديه طفلة. ‏صعقت ‏مريم لهذا الخبر المفجع وبكت وحاولت الاعتراض لكن دون جدوى فمنذ متى كان ‏للفتاة حق تقرير ‏مصيرها في مجتمع جاهل يغشاه الفقر والفاقة وتسوده ثقافة عقيمة لا تسمن ‏ولا تغني من جوع؟ وزفت ‏مريم إلى بيت زوجها حيث تشاركت السكن مع أمه وأخواته ‏وطفلته من زيجة سابقة . وبدأت معاناة ‏مريم في ذلك البيت فلم تقوى على تحمل مسؤولية أسرة ‏وزوج لأنهاأساساً لاتزال طفلة وبحاجة لمن ‏يهتم بها و لكن بالرغم من ذلك حاولت مريم ان ‏تتعايش مع الوضع لكن دون جدوى واخذت المشاكل ‏تتفاقم بينها وبين زوجها من جهة وبينها ‏وبين أسرته من جهة اخرى .‏

كانت والدة زوجها وأخواته يتلذذن بمضايقة مريم وافتعال المشاكل معها وإجبارها على ‏العمل المتواصل ‏داخل المنزل وعندما كانت مريم تشتكي لزوجها كان يقوم بضربها محذراً ‏اياها من المساس بأسرته .‏ ومن شدة الاعياء لم يستحمل جسدها النحيل كل ذلك العذاب فتسقط ‏مغشياً عليها وعندما تفيق تهرب ‏خلسة إلى منزل والدها حيث تتصور انه المكان الامن الوحيد ‏لها وهناك تشتكي له ما تعانيه من زوجها ‏وأهله لكن والدها كان ذو قلب متحجر فقد قام ‏بضربها مهدداً إياها من العودة إلية مجدداً مهما كانت ‏الاسباب فالمرأة كما قال لها لا تخرج ‏من بيت زوجها الا لقبرها!! ويقودها والدها كما يقود الشاة مكرهة إلى بيت زوجها وهناك ‏يستقبلها زوجها بمعركة حامية الوطيس ‏عقاباً لها لأنها هربت بغير علمه .‏

ويستمر الألم والعذاب في نسج تفاصيل حياة مريم بكل لحظاتها فكان من الطبيعي ان تتقوقع ‏على نفسها ‏وتطوي جراحها وأحزانها بين جدران غرفتها لكن كيف لروح طفلة لم تخض ‏معترك الحياة بعد ان تتحمل ‏كل هذا العذاب دون ان تنهار؟ وفعلا انهارت مريم و أصيبت ‏بمرض نفسي وعقلي حيث كانت تتعرض لحالات إغماء وتشنج متكرر من ‏حين لأخر .‏

اليوم المشؤوم
في هذا اليوم عانت مريم من والدة زوجها التي وبختها وانهالت عليها بالشتائم والصراخ فما ‏كانت من ‏مريم إلا ان دافعت عن نفسها وردت عليها الامر الذي أثار حفيظة حماتها فقامت ‏بدفعها إلى إحدى الغرف ‏واغلقت عليها بالمفتاح من الخارج وتصادف ان كانت طفلة زوجها ‏روان ذات الخمس سنوات في نفس ‏الغرفة.‏

أخذت مريم تصرخ بشدة وتبكي وهي تطرق الباب بقوة وتترجى حماتها أن تفتح لها الباب ‏لكن حماتها ‏ردت عليها بانها ستظل حبيسة الغرفة حتى يعود زوجها ( أي زوج مريم ) وينظر ‏في أمرها .‏

كان الوقت لا يزال مبكراً على عودة وزج مريم وحتى ان عاد فلا شك انه سيوسعها ضرباً ‏هكذا فكرت ‏مريم وتخيلت الموقف و تعالت صرخاتها فما كان من روان إلا ان بكت بدورها ‏من حدة الموقف.. واستمرت مريم بالصراخ أكثر حتى انتابتها حالة هيستيرية ولم تشعر ‏بنفسها أو بما حصل لها الا بعد ان ‏رأت روان أمامها جثة هامدة لا حراك بها .‏

كانت مريم تتطلع إلى جثة روان وهي غير مدركة كيف حصل ذلك بثواني معدودة وكيف ‏استطاعت ان ‏تخنق روان بيديها حتى لفظت انفاسها الاخيرة؟ ‏
تم إلقاء القبض على مريم بتهمة القتل العمد لابنة زوجها روان وتم ايداعها السجن المركزي ‏بالحديدة ‏حتى تتم محاكمتها وفي تاريخ 22/1/2011 أي بعد سنتين تم صدور حكم القصاص ‏على مريم .‏ لكن محامي مريم طالب المحكمة باستئناف الحكم وتم قبول الاستئناف لعدة اسباب ‏منها ان المحكمة تأكدت ‏من ان سن مريم وقت الحادثة كان لايزال ستة عشر عاما وذلك ‏بحسب تقرير طبي صادر من مستشفى ‏زبيد كما ان المحكمة تأكد لها ايضا وبالأوراق الرسمية ‏اصابة مريم منذ زواجها بمرض نفسي وعقلي ‏بحسب تقرير طبي صادر من مصحة دار ‏السلام للصحة النفسية بالحديدة .‏

كما قدم ممثل النيابة العامة للمحكمة قرارا طبياً وثلاث صور أشعه من مكتب النائب العام ‏وتحت توقيع ‏طبيب شرعي يفيد بان مريم (في وقت المحاكمة وبعد حدوث الجريمة) قد اتمت ‏سن الثامنة عشرة ولم ‏تكمل بعد سن التاسعة عشرة .‏
كانت تلك الاسباب كفيلة بان تمنح مريم بعض الامل بالذات بعد ان تنازلت والدة روان ‏تنازل أخطياً موثقاً عن حقها بالقصاص من مريم وحقها في استلام الدية لكن موقف الزوج والد ‏روان كان مختلفاً فقد أصر على القصاص من مريم متناسياً أن ‏مريم قد أٌعدمت يوم زفت إليه ‏وهي طفلة.‏

الحكم النهائي ‏
وتوالت جلسات الحكم حتى صدر الحكم النهائي في قضية مريم بتاريخ 19/12/2012 و ‏الذي قرر إلغاء ‏حكم القصاص الابتدائي السابق في حق مريم وذلك لانتفاء المسؤولية حيث ‏كانت لا تزال في سن السادسة ‏عشر كما انها كانت مصابة بمرض نفسي بحسب التقارير ‏المقدمة للمحكمة كما ان تنازل والدة روان عن ‏حقها في القصاص والدية أسقط حكم القصاص ‏الشرعي عن مريم كما أصدرت المحكمة حكماً يقضي ‏بالاكتفاء بالمدة التي قضتها مريم ‏بالسجن كعقوبة لها مع إلزامها بدفع الدية لوالد المجني عليها روان ‏ويخصم منها ما خص والدة ‏روان فقط وهو سدس الدية لثبوت التنازل عنها لتبقى قيمة ما يتوجب على ‏مريم تسليمه كدية ‏مبلغ وقدره (اثنين مليون ومائتين وواحد واربعون الف وستمائة وسبع وستون ‏ريالا) .‏

نهاية مفتوحة
مريم ايتها الطفلة اعذرينا فقد صادروا احلامك البريئة بإكمال الدراسة واغتالوا طفولتك ‏بتزويجك بمن يفوقك سناً ثم حكموا عليك بالعيش معاً لعذاب تحت سقف واحد وماكان لطفلة ‏مثلك ان تحتملك لهذا .‏

قولي لهم يا مريم قبل ان يحاكموك ان يحاكموا والدك الذي زوجك وانت لاتزالين طفلة وان ‏يحاكموا زوجك الذي مارس عليك مع أسرته ابشع صور العذاب .‏

إلى هنا لم تنتهي قصة مريم ولم تنتهي معاناتها فلا تزال مريم تدفع ثمن فعلة ارتكبتها دون ‏وعي منها ‏فقد مرت عشرة أشهر منذ صدور الحكم وهي لا تزال بين جدران السجن الموحشة ‏بانتظار فاعل خير يمد ‏لها يد العون ويدفع الدية المقررة عليها لتنال حريتها و تغادر السجن ‏الذي حرمها أحلى سنوات عمرها ‏السابقة وقد يحرمها كذلك سنوات عمرها القادمة في حال لم ‏ييسر الله لها مخرجاً.‏
فهل نجت مريم من حكم الاعدام لتظل في السجن وتعدم في اليوم الف مرة إلى ما شاء الله؟

زر الذهاب إلى الأعلى