[esi views ttl="1"]
arpo28

رداع: "القاعدة" والحوثيون والقبائل... ثالثهما

لم يمضِ أسبوعان على سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على مدينة رداع، وسط اليمن، حتى عادت المدينة إلى صدارة الأحداث اليومية، وذلك من خلال الهجمات التي تستهدف مسلّحي الجماعة بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة أو الهجمات الخاطفة.

وتبدو المدينة صورة لعنف أهلي، يخشى اليمنيون أن يطول أمده أو يتمدد إلى محافظات أخرى، في ظل غياب دور حاسم لأجهزة الدولة.

وتُبعد رداع نحو 130 كيلومتراً عن العاصمة صنعاء، وهي من المدن التاريخية الشهيرة الغنية بالمواقع الأثرية، إذ كانت عاصمة للدولة الطاهرية (1451 1517)، وقد خاض الطاهريون معارك طويلة ضد دولة الأئمة، الذين يعتبر الحوثيون أنفسهم امتداداً لهم.

وتشتهر رداع بقلعة تاريخية بناها أحد ملوك التبايعة (مملكة التبّع)، شمّر يهرعش، في القرن الثالث الميلادي. كما تشتهر بمسجد العامرية المبني مطلع القرن السادس عشر، والذي أبهر الهولنديين وخصصوا مبالغ كبيرة لترميمه، وضمّه لقائمة التراث العالمي.

وتبعد رداع عن مركز محافظة ذمار (غرباً) 50 كيلومتراً، لكنها ووفق التقسيم الإداري، تابعة لمحافظة البيضاء. وتُعدّ رداع مركزاً شبه متجانس، يضمّ سبع مديريات وهي: رداع، والعرش، وصباح، والرياشية، والشرية، والقريشية، وولد ربيع.

ويُقدّر عدد سكان هذه المديريات بنحو ربع مليون مواطن، وهي منطقة ذات أغلبية سنيّة، مع تمتع الحوثيين بمناصرين وحلفاء فيها بنسبة لا بأس بها. وتدور المواجهات الأخيرة في ثلاث مديريات، وهي رداع (المدينة)، وولد ربيع، والقريشية، وهما مناطق انتشار قبيلة قيفة، التي تقف في واجهة المعركة ضد جماعة الحوثي.

كما ينتسب آلاف من المهاجرين في الولايات المتحدة وبريطانيا والخليج، إلى مديريات رداع، التي ارتفع مدخولها في العقود الأخيرة، بسبب عائدات المغتربين وعائدات القات، الذي اتّسعت رقعة زراعته، بنسب كثيرة. ومعروف عن قبائل رداع اعتمادها "الأخذ بالثأر" كعادة قديمة. غير أن "الثأر ليس سبباً مباشراً في الحالة التي آل إليها الصراع، بل إن المواجهة مع الحوثيين صارت عامل توحيد لبعض القبائل". بحسب أكثر من مصدر من أبناء رداع ل "العربي الجديد".

ولا تكمن أهمية رداع في كونها ساحة أساسية من ساحات الصراع اليمني فقط، بل شهدت تصاعد نشاط تنظيم "القاعدة" في الأعوام الثلاثة، لتُوصف كأحد أهم معاقل "القاعدة". وكان القيادي في التنظيم، طارق الذهب، أحد وجهاء قبيلة قيفة، النواة التي جعلت من منطقة المناسح في رداع، مركزاً لجماعة "أنصار الشريعة"، الفرع المحلي ل "القاعدة"، مستغلاً الأحداث السياسية التي عصفت بالبلاد ضعف خلالها أداء الدولة. ويظهر الذهب في تسجيل على شبكة الإنترنت، وهو يبايع زعيم التنظيم أيمن الظواهري عقب مقتل أسامة بن لادن، في أحد الأسواق.

وقد نفّذ التنظيم العديد من الهجمات ضد المواقع العسكرية والأمنية، أسفرت عن سقوط العشرات من الجنود، وفي المقابل نفّذ الجيش فيها حملتين عسكريتين، الأولى سعت لتحرير رداع، في مطلع العام 2012، أما الحملة الثانية فكانت أوسع، وذلك في أوائل 2013، وشاركت فيها مختلف التشكيلات العسكرية والطيران الحربي، لكنها فشلت في استئصال التنظيم.

في فبراير/شباط 2012 قُتل طارق الذهب وشقيقه قايد وابن شقيقه أحمد، في اشتباكات داخل الأسرة نفسها. إذ قُتلوا على يد حزام الذهب، شقيقهم الأكبر، الذي ما لبث أن قُتل بدوره على يد أنصار أخيه طارق في اليوم التالي.

وتعكس عمليات القتل حجم الصراع داخل الأسرة المتزعمة للقبيلة، وهو الأمر الذي تجلّى أيضاً، خلال المواجهات الأخيرة مع الحوثيين، حين انشق ماجد الذهب، عن مقاتلي قبيلته وسهّل سيطرة الحوثيين على بلدته المناسح قبل نحو أسبوعين، وما لبث أن قُتل بسيارة مفخخة، مساء اليوم، الذي أعلن فيه انضمامه للحوثيين. وقد خلف طارق في قيادة التنظيم شقيقاه عبد الرؤوف الذهب، ونبيل الذهب.

ونفّذت طائرات أميركية بدون طيار عدداً من الغارات الجوية في البيضاء، أهمها الغارتان اللتان استهدفتا مدنيين وتسببتا بردود فعل ساخطة. قُتل 12 مدنياً في الثاني من سبتمبر/أيلول 2012، في غارة قيل إنها كانت تستهدف قادة في "القاعدة" وأخطأت هدفها. كما قُتل 17 شخصاً، جميعهم مدنيون، في الغارة الثانية، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2013، بعد استهداف الطائرات الأميركية موكب زفاف في رداع. وأدت الغارتان، على ما يبدو، إلى استيلاد التعاطف القبلي مع "القاعدة".

وبدأ مسلّحو "القاعدة" منذ أشهر عدة، عمليات ملاحقة عناصر من جماعة الحوثي في رداع وقتلوا العديد منهم. وأثناء التصعيد الأخير للجماعة في العاصمة صنعاء ومحيطها أواخر أغسطس/آب الماضي، بدأ التنظيم، بقيادة عبد الرؤوف الذهب، بنسج تحالفات مع القبائل واستقطاب مسلحين لمواجهة الحوثيين، مستغلاً خوف الأهالي من سيطرة الجماعة. وقد عُقدت اجتماعات لوجهاء قبائل تعهّدوا فيها بصدّ جماعة الحوثي، إذا ما قرّرت التوسع نحو رداع.

في المقابل، بدأ الحوثيون استعداداتهم منذ وقت مبكر، لخوض معركة مع "قاعدة" البيضاء، وقاموا باستقطاب شخصيات من أبناء قبيلة قيفة إلى جانب قبيلتي ريام ووادي ثاه، اللتين تعاطفتا مع الحوثيين منذ الحرب الأولى في صعدة، منتصف العام 2004، حسب ما يلفت الكاتب مفتاح الزوبة، أحد أبناء رداع، ل "العربي الجديد".

وبعد التفجير الانتحاري الذي نفذته "القاعدة" في ميدان التحرير بصنعاء، مخلّفاً أكثر من 40 قتيلاً، توجه الحوثيون لتفجير المعركة في رداع. لتدور معارك استمرت نحو أسبوعين، وانتهت بسيطرة الجماعة على المدينة وانسحاب مسلحي القبائل و"القاعدة" إلى مواقع في الضواحي ومديريات أخرى، تحت ضغط قصف مدفعي من مواقع تابعة للجيش وجوي من طائرات أميركية بدون طيار رجّحت كفة الحوثيين. ونفى الحوثيون مشاركة طائرات أميركية، على الرغم من تأكيدات المصادر المحلية، فالجماعة تعرّف "القاعدة" بأنها "صنيعة الاستخبارات الأميركية".

وثمّة من يربط بين الضربات الأميركية الأخيرة على رداع، والإجراءات الاحترازية التي أعلنتها جهات أميركية قبل أيام قليلة، عن عزم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" تأمين عملية إجلاء لموظفي السفارة بصنعاء، خشية تعرضها لهجوم مشابه لما حدث في مدينة بنغازي الليبية. إلا أن آخرين يربطون الإجراءات الأميركية بمسألة العقوبات التي فرضتها واشنطن على (الرئيس السابق علي عبد الله) صالح واثنين من قيادات جماعة الحوثي.

ولا تتوفّر إحصائية رسمية لضحايا المواجهات والتفجيرات منذ انفجار المواجهات المتقطعة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غير أن تقديرات مصادر محلية متطابقة، تشير إلى سقوط نحو 400 قتيل أغلبهم من الحوثيين، إلى جانب سقوط العديد من أبناء القبائل وعناصر "القاعدة" بينهم قيادات، وسقط جزء منهم بالضربات الجوية لطائرات أميركية بدون طيار.

ويوضح الزوبة، أن "الصراع في رداع دائم منذ فترة طويلة، وتتغيّر أطرافه في شكل متحرّك. في هذه المرة قرر الحوثيون أنفسهم القضاء على فرع القاعدة بمحافظة البيضاء في عقر دارها (المناسح)، وتمّ لهم دخول المنطقة، لعوامل عدة تضافرت، منها دعم الجيش لمليشياتهم، تنفيذاً للبند الثامن من بنود اتفاق السلم والشراكة، الذي يُلزم السلطة بدعم الحوثيين ضد القاعدة في محافظة البيضاء".

وتعليقاً على عودة هجمات "القاعدة" بضراوة بعد نحو أسبوعين من سقوط المناسح، يلفت الزوبة إلى أن "الحوثيين أفاقوا على واقع جديد وأرض معركة، غير تلك التي حاولوا رسمها. فتنظيم القاعدة كائن هلامي، لا تستطيع أن تمسكه بطرف، إضافة إلى وجود بُعد جديد، تمثّل في رفض قبليين أي تواجد للحوثيين واعتبارهم قوة من خارج المنطقة تحاول السيطرة على مناطق قيفة كما فعلت في عمران والجوف".

ويوضح أن "رجال قبائل عديدين انضموا للقتال إلى جانب القاعدة، ليس إيماناً بنهجهم، ولكن امتعاضاً من تواجد الحوثيين المستفز لهم. وبذلك، أصبح يواجه الحوثيون والجيش، القاعدة وأبناء القبائل". ولا يلغي ذلك وجود قبليين متعاطفين أو مشاركين مع الحوثيين.

ويعتقد الزوبة، الذي كتب مرات عدة في هذا الشأن، أن "الحوثيين ارتأوا مواجهة القاعدة بأنفسهم، وهنا النقطة الأهم في الموضوع، فلو أوكلوا الأمر للجيش ودعموه، لوجدوا مناصرين لهم ومقاتلين بجوارهم من القبليين المنتمين للمنطقة". ويتابع "هذا التقبل القبلي (للجيش)، لمسناه في الحملة العسكرية التي توجهت إلى المنطقة مطلع عام 2013، حين ساند أبناء القبائل جهود الجيش، وأوصلوا قواته إلى مناطق استراتيجية، لا يزال الحوثيون يضحّون بالعشرات من مسلحيهم للوصول إليها".

وأشار إلى أن "أبناء القبائل قاموا بتأمين طريق الإمدادات للمواقع التي استحدثها الجيش، في حين يصوبون نيران أسلحتهم على الحوثيين المتمركزين في المواقع نفسها". ويختم الزوبة أنه "بناء على المعطيات على الأرض، فلا أعتقد أن المعركة ستنتهي قريباً، بالقدر الذي أجزم بأنها ستمتد إلى مناطق أبعد من تلك التي تدور عليها".

من زاوية أخرى، يرى متابعون أن العمليات المسلّحة التي يواجهها الحوثيون في رداع، مؤشر على ما يمكن أن يتكرر في أكثر من منطقة، خصوصاً في المحافظات التي لا يتمتعون فيها ب "حاضنة شعبية" مهما تمكّن لهم من نسج تحالفات مع بعض الوجهاء.

الأمر الذي يُنذر بصراعات مصغّرة أهلية ومذهبية، من الصعب التكهّن بحدودها، وهو ما دفع العديد من المراقبين لمطالبة الدولة بسرعة التحرك ووضع حد للصراع الآخذ في التطور.

يُذكر أن خطابات الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتصريحات وزير الدفاع الجديد محمود الصُبيحي، أكدت كلها على ضرورة أن تقوم الدولة بواجبها في ملاحقة "الإرهاب" وعلى أنه لا يحق لجماعة الحوثي أن تخوض أي مواجهات بذريعة "القاعدة"، وذلك لأن "مواجهة الإرهاب" هي مسؤولية الدولة، غير أن هذه المواقف السياسية لم تترافق معها خطوات جدية تمنع مزيداً من المواجهات.

ولا يتوقع الناشط الإعلامي في رداع، عمار التام، أن "تنتهي المواجهات قريباً، حتى وإن كان هناك حسم فسيكون حسماً مؤقتاً". ويشرح أن "القبائل تعتمد على أسلوب حرب العصابات القائم على مبدأ، اضرب واهرب. وسيقودون الحوثيين إلى معركة استنزاف طويلة، ويتعاظم خطرها عليهم، فيما لو حاولوا الانتشار لترويض العمق القبلي، فتمددهم سيسهل على القبائل ضربهم في كل مكان وبأبسط الأساليب".

زر الذهاب إلى الأعلى