[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

من يملك قرار إيقاف الحرب في اليمن؟

بات اليمن أبرز بؤر التوتر التي تتدفق منها الأحداث بصورة يومية، وبعد شهور على الحرب الأوسع في تاريخ البلاد (22 آذار/مارس 2015)، تزداد وطأة الأزمة الإنسانية كل يوم، بينما تتمسك القوى السياسية بمواقفها المتصلبة تجاة الحلول التوافقية.

وفي كلمات تختصر المشهد اليمني تقول بلقيس ويلي،-باحثة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، في تصريح: إن “الوضع الحالي في اليمن مؤسف للغاية، إذ إن المواطن اليمني هو الخاسر الأكبر في الحرب الحالية، التي أثبتت جميع الأطراف فيها أن حماية المواطن اليمني ليست أولوية لها.

وإذا لم تثبت الأطراف المتحاربة نيتها وتتبع مبادئ وقواعد الحرب الدولية، فسنشهد سقوط ضحايا مدنيين أكثر في الأشهر والأسابيع القادمة.”

وعلى الرغم من الاختلاف في التشخيص الذي يقدمه كل طرف لجذور الأزمة الراهنة، إلا أن من الواضح، أن الأزمة التي وصلت إلى الحرب مؤخراً، لم تكن إلا مضاعفات لأزمات تاريخية وأسباب متدرجة، ابتداء بمخلفات تقسيم اليمن، إذ توحدت البلاد عام 1990، وتصاعدت بعدها أزمة بين شريكي الوحدة (حزبي المؤتمر والاشتراكي)، وصلت لاحقاً إلى حرب أهلية في عام 1994. كما شهدت البلاد تجربة ديمقراطية محدودة كانت خطوة متقدمة على مستوى المنطقة، غير أن الصراع السياسي بين الأحزاب المهمة في البلاد ساهم بإضعاف الدولة.

مع انطلاق ما عرف ب “الربيع العربي” عام 2011، كان اليمن أحد خمس دول عربية شهدت انتفاضات شعبية للإطاحة بأنظمتها الحاكمة. وتدخلت دول مجلس التعاون الخليجي وقدمت مبادرة تنحى على إثرها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ليصل نائبه عبدربه منصور هادي إلى السلطة. وخلال المرحلة الانتقالية عُقد “مؤتمر الحوار الوطني” الذي أقر “الفيدرالية” ومدد المرحلة الانتقالية، بعد ما كان من المقرر أن تنتهي في شباط/فبراير 2014.

[b]توسع الحوثيين[/b]

حتى أوائل 2014 كان الحوثيون حركة متمردة تسيطر على محافظة صعدة شمالي البلاد. لكن الحركة توسعت لتسيطر على العاصمة صنعاء 21 أيلول/سبتمبر 20114، مستفيدة من الصراع السياسي بين الحزبين الرئيسين (المؤتمر والإصلاح)، بالإضافة إلى صراعات الرئيس هادي مع أجنحة أخرى في السلطة.

بالنسبة لدول الخليج، السعودية على وجه التحديد، والتي ترى إيران خصمها الإقليمي الأول، فإن سيطرة الحوثيين المتهمين بتلقي الدعم من طهران، على صنعاء تعتبر تهديداً يستدعي التدخل العسكري؛ وهو ما حصل بالفعل، عندما أطلقت السعودية حملة عسكرية بتحالف مع دول عربية، اعتمدت فيها على الحكومة كواجهة شرعية للحرب.

مُنذ انطلاق عمليات التحالف الذي تقوده السعودية، تغيرت الكثير من الأمور في البلاد، إذ ليست هناك سلطة حقيقة تسيطر على البلاد، فحكومة الرئيس هادي أقرب إلى الرمزية، والحوثيون وحلفاؤهم يتحكمون بالعاصمة صنعاء وعدد من المحافظات المهمة، وجنوباً تتوزع السيطرة بين المجموعات المسلحة الموالية للحكومة وبين مجموعات تابعة لتنظيم “القاعدة”، الذي يسيطر على مركز محافظة حضرموت شرقي البلاد. ورغم هذا أن الخارطة السياسية بين القوى اليمنية تبدو على هذا الشكل، إلا أن مفاتيح الصراع اليمني يبقى في يد الأطراف الإقليمية.

[b]ماذا يحصل في اليمن[/b]

التناقضات الكثيرة والعداء التاريخي، الناتج عن ست حروب شنها نظام صالح على الحوثيين في الفترة ما بين 2004 و2010، لم تؤثرعلى التحالف بين صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام مع الحوثيين، إذ يُتهم صالح بأنه المسؤول المباشر عن بتسهيل دخول الحوثيين إلى صنعاء.

في الجهة المقابلة، هناك قوات التحالف العربي والمكونة من عشر دول بقيادة السعودية، الداعمة لشرعية هادي وبتأييد أحزاب يمنية، كحزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الإشتراكي والحزب الناصري ومكونات الحراك الجنوبي، وغيرها من القوى السياسية بما فيها قيادات انشفت عن حزب المؤتمر الذي يرأسه صالح.

الصحافي في الرئاسة اليمنية، مختار الرحبي، يؤكد لأن ما يحصل في اليمن عبارة عن انقلاب على الشرعية من قبل جماعة الحوثي المسلحة والرئيس السابق علي عبدالله صالح، إذ استولوا على المدن والعاصمة صنعاء، وخاضوا حروباً في معظم المحافظات.”

أما من يعرقل الوصول لتسوية، فيرى الرحبي أنهم “الإنقلابيون”، ويضيف “لدينا قرار دولي صادر من مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع، لكن الإنقلابيين للأسف يرفضون تنفيذ القرار، وهو ما يعرقل الوصول إلى حل سلمي، ناهيك عن الانقلاب على كل الاتفاقيات السابقة التي كانوا طرفاً فيها”.

من جانبه، يرى الناطق باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح، أحد أبرز الأحزاب الداعمة لحكومة هادي أن “ما يحدث هو استمرار من قبل الحوثيين وصالح في حربهم على اليمن واليمنيين، واستمرار بالمقابل لمقاومة شعبية مسلحة، ومعارضة سياسية من مختلف القوى الرافضة لانقلاب صالح والحوثي على السلطة والشرعية واجتياحهم المسلح للبلاد وسيطرتهم على مؤسسات الدولة بقوة السلاح.”

شمسان يواصل حديثه بالقول “إن خمسة أشهر مُنذ اندلاع عمليات دول التحالف العسكرية ضد صالح والحوثيين ومنذ صدور القرار الأممي 2216، والحوثيون يرفضون التعاطي مع القرار 2216 ويتجاهلون كل النداءات الداخلية والخارجية. وبالرغم من أن الحكومة أعلنت موافقتها على المفاوضات المباشرة مع الحوثيين واشتراطها اعترافهم العلني بالقرار الأممي، إلا أنهم لا يزالون يرفضون ذلك.”

من جانب آخر، يرى محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين أن مايجري في اليمن عبارة عن “معركة استقلال وشرف وحرية ودفاع عن الوطن”، ويواصل حديثه في لقاء أذيع على قناة الميادين “أن ما يحصل هو مؤامرة على الشعب اليمني، الذي ليس في صالحه أن تستمر الحرب والمعارك.”

محمد علي يؤكد على عدم نية الحوثيين العودة مجدداً إلى عدن، وأن كل المناطق التي يتواجدون فيها عبارة عن خطوط دفاعية فقط، والتوجه الحقيقي سيكون إلى داخل العمق السعودي، حسب قوله.

يشير الحوثي إلى أن الاعتماد على الخارج لن يوقف الحرب، التي لن توقفها سوى إرادة اليمنيين من خلال الحوار السياسي الذي لا مناص منه.

ويضيف “هؤلاء كلهم كما نقول دائما ليسوا إلا أدوات لأمريكا، أمريكا هي من تمانع أمريكا هي من ترفض الحل في اليمن.”

وفي الوقت ذاته، يؤكد الحوثي على أنه بمقدورهم الاستمرار لأشهر طويلة قادمة والصمود حتى النهاية، وأن “معركة صنعاء بعيدة عليهم، فالوضع مطمئن جداً”، ويستبعد خيار الإنسحاب أو تسليم المناطق التي يسيطرون عليها.

[b]اتهامات متبادلة بين أطراف النزاع[/b]

مُنذ أشهر صنفت الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن، بأعلى درجاتها، إذ تقول الإحصائيات إن 80 في المائة (نحو 21 مليون مواطن) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، و20,4 مليون شخص يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، و15,2 مليوناً بحاجة إلى الرعاية الصحية، وحرم أكثر من 1,8 مليون طفل من الوصول إلى المدارس بسبب الحرب، حسب أرقام مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.

وقد رفع من حدة الأزمة الإنسانية قيام طائرات التحالف الذي تقوده السعودية بحصار بحري وجوي، ناهيك عن قصف مرفأ الحديدة الذي تصل إليه المواد الغذائية والوقود في فترات سابقة. بالإضافة إلى قصف الجسور في الطرق الرئيسية التي تربط عدداً من المحافظات؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وحول حياة المواطنين إلى معاناة تزداد يوميا وتنذر بأزمة إنسانية كبيرة بحسب تقارير المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني في اليمن، والتي حذرت أيضا من حدوث كارثة إنسانية في مدينة تعز ناتجة عن نقص مياه الشرب بسبب الحصار المفروض من قبل الحوثي على المدينة.

يقول الصحافي في الرئاسة اليمنية الرحبي، “الوضع الإنساني صعب للغاية، وتفاقم بشكل خطير واليمن بحاجة إلى مزيد من الدعم الإنساني إلى كامل المناطق في اليمن، حيث تنعدم أبسط الخدمات الأساسية، وعلى المجتمع الدولي والدول الشقيقة والصديقة مساعدة الشعب اليمني.”

أما الناطق باسم الإصلاح، فيرى أن “الوضع الإنساني المتفاقم خلق الحوثيون الجزء الأكبر منه، وعليهم أن يتوقفوا-أولاً عن الحرب والدمار، أو على الأقل عن استخدام مقومات الحياة اليومية كورقة ضغط على الحكومة وعلى السعودية ودول التحالف.”
وعن المعاناة الإنسانية يقول الحوثي إن “المسؤول عن الأزمة الإنسانية هو هادي وقوات التحالف، وهناك تواصل دائم مع الأمم المتحدة لإيجاد آلية لدخول السفن وتفتيشها من قبل الأمم المتحدة، وما يجري هو خرق لقوانين الأمم المتحدة ومواثيقها، ويخالف كل الشرائع والقوانين ولا يجوز حصار شعب يعتمد على استيراد 99 في المائة من احتياجاته الأساسية”.

[b]جهود سياسية[/b]

شهدت الفترة الماضية أكثر من محطة رعتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في محاولة للوصول إلى صيغة تنهي الحرب، غير أنها فشلت حتى اليوم، ومؤخراً حصل تقدم بإعلان الحوثيين وحزب المؤتمر الذي يترأسه الرئيس السابق الموافقة على صيغة تتضمن الالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، والذي تعتبره الحكومة شرطاً لإيقاف العمليات العسكرية. غير أن تلك الخطوة لم تكن كفيلة بإنهاء الحرب، إذ طالبت الحكومة بالتزام مباشر ببنود القرار وليس بصيغة المبادئ السبعة التي توصل إليها المبعوث الأممي مع الحوثيين وحلفائهم في العاصمة العُمانية مسقط.

في المحصلة، يبدو اليمن في مأزق في ظل فقدان قوى الداخل للقرار. ما قد يعني إمكانية أن تمتد الحرب لفترة قادمة، أو تفقد القوى السياسية السيطرة، لصالح الفوضى والتنظيمات الإرهابية. ومع ذلك، فإن فرص الحل السياسي لا تزال سانحة بسبب حاجة مختلف الأطراف في الداخل إليها.

زر الذهاب إلى الأعلى