[esi views ttl="1"]
رئيسية

لماذا يتعامل النظام اليمني مع مصالحه كقطاع الطرق؟

شاكر أحمد خالد

كثرت المقارنة بين اليمن والصومال خلال الاونة الاخيرة. وهذه المقارنة لاتوجد في ثنايا التقارير الغربية وتحذيرات الخبراء والمهتمين فحسب، بل في تصريحات وحديث المسؤولين اليمنيين، واخرهم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الدكتور عبد الكريم الارحبي، الذي لجأ في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، ونشرته الاسبوع الماضي، إلى اجراء مقارنة تحذيرية بين الاوضاع في الصومال ووضع اليمن.

قالت الوكالة الفرنسية ان الارحبي تكنوقراطي في السادسة والخمسين، ما يجعل حديثه عن الاوضاع في اليمن يبدو ذو دلالة شديدة الاهمية. اما خلاصة حديثه، فهو طالب من العالم النظر إلى مخرجات الازمة الصومالية، قائلا "انظروا إلى الصوماليين: عددهم ثلاثة ملايين ويثيرون مشكلات للعالم باسره." مضيفا ان "اليمنيين 24 مليونا وهم محاربون اشداء، ومثل الصوماليين، ليس لديهم ما يخسرونه."

وفي ذلك اشارة واضحة إلى طبيعة التحديات التي تواجه اليمن خلال المرحلة المقبلة، فأغلب التقارير المحلية والدولية لاتتوقف فقط عند ثلاثة تحديات باتت معروفة للجميع نتيجة التكرار، كتحدي القاعدة والحوثيين في صعدة واحتجاجات الجنوب. والسبب ان الازمة الاقتصادية تبدو هي التحدي الاصعب امام اليمنيين خصوصا بعد التداعيات والاثار التي خلفتها الازمة المالية العالمية وهبوط اسعار النفط من 147 دولار للبرميل إلى 40 دولار حاليا.

وكون اليمن بلد يعتمد على 90% من صادراته على النفط، كما ان اكثر من 70 % من موارد الموازنة العامة للدولة تأتي من قطاع النفط، فهذا المؤشر يثير الرعب لدى الخبراء والمختصين حين يتطرقون للازمة اليمنية في شقها الاقتصادي، والتي عادة ما تكون مصحوبة بتحذيرات اخرى مشابهة، كالنمو السكاني المتسارع مقابل شح الموارد، ونضوب النفط والمياه وغيره.

ولذلك، فان الاجراءات الحكومية لمواجهة الازمة الاقتصادية المقبلة من خلال اعلان سياسة "التقشف" بدت مفهومة إلى حد ما. لكن السيء في هذه التحركات- بحسب مسؤول حكومي- هو استجداء المساعدات عن طريق الابتزاز والتهديدات الفاضحة. يقول هذا المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته نظرا لحساسية الموضوع لـ"الناس" ان "النظام اليمني اصبح يتعامل مع مصالحه بنظام قطاع الطرق، فبدلا من اصلاح وضعه الداخلي بمسؤولية والاستفادة من القروض والهبات الممنوحة له من الخارج، يوظف في معظم الاحيان موقعه الاستراتيجي ومخرونه البشري بطريقة خاطئة وغير عصرية."

مؤكدا انه من الاهمية بمكان التفات الاخرين، وبالذات دول الجوار لحقيقة الاوضاع المتدهورة في اليمن. غير انه شدد على ان اليمن بحاجة اكثر في وقتنا الحالي إلى جهود اخرى تستبدل منطق التهديد والوعيد بسياسة المصالح المتبادلة وتهيئة اجواء الشراكة مع الاخرين.

ورغم تردد تصريحات التهديد من قبل مسؤولين في الحكومة خلال السنوات الاخيرة. لكن غير المعتاد هو ان تصدر هذه المرة عن الوزير الارحبي ، والذي ترددت معلومات اخيرة حول وجود خلاف عميق بينه ورئيس الحكومة على خلفية عدم الاستفادة من اموال المانحين في مؤتمر لندن 2006م.

يرى الارحبي ان المساعدة الخارجية تشكل في الوقت الحاضر الوسيلة الوحيدة لانقاذ اليمن، قائلا "اننا في حاجة إلى مزيد من المساعدات العامة للتنمية." لكن هناك تقارير عديدة تشكك بالمدى الذي وصلته اليمن في سبيل الالتزام بشروط المانحين في مؤتمر لندن، والذي حصلت الحكومة اليمنية بموجبه على وعود بالمساعدة قيمتها 7ر5 مليارات دولار.

وفي الاسبوع الماضي، اشار احد الخبراء لوكالة الصحافة الفرنسية ان 20% فقط من تلك الوعود تحققت بعد مضي اكثر من سنتين. وكشفت مصادر دبلوماسية اوروبية لموقع "نيوز يمن" ان سبب تأجيل الاجتماع التشاوري الثالث لمتابعة نتائج مؤتمر لندن الذي كان مقررا عقده في صنعاء نهاية الشهر الماضي، يعود إلى الاعتراض الدولي على إهمال الحكومة التزاماتها في وثيقة أجندة الإصلاح الوطني.

وتتضمن الوثيقة التي أعلنتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي في أكتوبر 2006، خطة شاملة للحد من الفساد وتعزيز الشفافية وتطبيق الإصلاح القضائي وفصل السلطات والمزيد من الاجراءات لدعم حرية الصحافة.

وذكرت المصادر ان المانحين "نصحوا وزارة التخطيط والتعاون الدولي تأجيل المؤتمر حتى لاتتعرض لإحراجات من المانحين جراء عدم تنفيذ الحكومة التزاماتها في تلك الوثيقة."

وعلمت مصادر صحفية ان رئيس الجمهورية الذي عقد خلال الاسبوعين الماضيين سلسلة اجتماعات مع حكومة الدكتور علي مجور، وجه نقدا حادا للحكومة، على خلفية الازمة الاقتصادية، واحتمال تراجع الاستثمارات والمساعدات الخارجية، قبل خروج الجميع ببيان الدعوة إلى انتهاج سياسية تقشفية في الموازنة العامة، تشمل منع أعضاء الحكومة من السفر إلى الخارج للمشاركة في اللقاءات والمؤتمرات الإقليمية والدولية إلا في حالات الضرورة القصوى، ووقف شراء الكماليات والسيارات والمشتريات غير الضرورية.

وضمن اطار رؤيتها للازمة الاقتصادية، قالت احزاب اللقاء المشترك ان حجم المبالغ التي تعهد بها المانحون لليمن في مؤتمر لندن، مثلت ما نسبته 87% من إجمالي الفجوة التمويلية المقدرة للمشاريع ذات الأولوية في برامج التنمية لبلادنا والبالغة 6.3 مليار دولار للخطة التي أوشكت على الانتهاء.

وذكرت ورقة بهدذا الصدد قدمها الدكتور عبد الوهاب محمود إلى ندوة التشاور الوطني قبل اسبوعين ان إجمالي المبالغ التي تم توقيع اتفاقيات التمويل لها بلغت 1858 مليون دولاراً بما نسبته 34% من إجمالي التعهدات، وأن بلادنا لم تسحب سوى 46.2 مليون دولار من تلك المبالغ الكبيرة.

واوضحت ان الحكومة بذلك أضاعت فرصة ثمينة وارتكبت خطأ فادحاً لإهمالها، وان الدول المانحة قد لا تتمكن من الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها تجاه اليمن خلال العام الجاري والسنوات القادمة لعدة أسباب.

فعلاوة على ان هذه الدول تضررت اصلا من الازمة المالية العالمية. قالت ورقة الدكتور عبد الوهاب محمود أن الدول المانحة وصلت إلى قناعة بأن بلادنا غير جادة ولا قادرة على استيعاب تلك القروض والمساعدات، بدليل أنها لم تتمكن خلال العامين الماضيين من استيعاب سوى مبلغ 46.2 مليون دولار، وبما نسبته 1% فقط من إجمالي تعهدات المانحين.

وفي المقابل، كان تقرير رسمي حول مستوى تنفيذ نتائج مؤتمر المانحين، قد كشف بأن ضعف المتابعة الحكومية للمشاريع المتعثرة، وكذا ممارسة بعض الجهات للمركزية الشديدة في عملية الإشراف والإدارة من أهم العوامل التي اثرت على تنفيذ المشاريع. كما صنف التقرير الصادر عن وزارة التخطيط، وناقشه مجلس الوزراء منتصف العام الماضي، عمل بعض الدوائر الحكومية بتقديم طلب توفير التمويل لمشاريع تم إرسائها على شركات، سواء من خلال المناقصات بنظام التمويل والتنفيذ أو بالتكليف، من أهم المعوقات على التنفيذ ايضا.

وعلى الصعيد الدولي، ظل تقييم الاوضاع في اليمن من جانب عدة تقارير دولية سلبيا إلى حد كبير خلال السنوات الماضية وكان التحسن المرصود مقتصرا على اصدار القوانين وتشكيل الهيئات الرسمية في الوقت الذي ظلت فيه الممارسات الفعلية بعيدة كما هو مطلوب لتحسين المؤشرات الخاصة باليمن في التقارير الدولية.

ويشير احد هذه التقارير الصادرة عن معهد دراسات الشرق الاوسط في واشنطن إلى ظهور طبقة جديدة من المسؤولين ورجال الاعمال، قال انها باتت تمتلك مجموعة خاصة من الحوافز وحجما كبيرا من النفوذ وان الجيل الثاني من هذه الطبقة اصبحوا يتدفقون في الوقت الراهن بشكل صامت إلى مناصب اساسية.

واكد التقرير بانه داخل هذه الطبقة توجد جماعة صغيرة يشعرون بان الوضع لن يستمر طويلا وان عليهم ان يحصدوا الكثير بقدر المستطاع ما دامت الظروف ملائمة قبل ان تتغير. ووصف التقرير هذه الجماعة ب"ناهبي اليمن المعاصر"، لانهم ينظرون إلى الثروات النفطية ومساعدات المانحين على انها وسيلة لاثراء ذواتهم واصدقائهم، وان هذه الجماعة استخدمت سلطتها لمعارضة وتحجيم جهود بناء البلد وخاصة تلك التى تتطلب كبح الفساد المتفشي وعدم الكفاءة.

وبدون النظر إلى حجم الانجازات التي حققتها الحكومة في مجال الاصلاحات الشاملة اومراجعة تنفيذ الالتزامات الخاصة بمؤتمر المانحين على الاقل.

اعتاد مسؤولون في الحكومة خلال السنوات الاخيرة على اطلاق بيانات التهديد والوعيد، محذرين من سوء الاوضاع في اليمن باعتبار ان امنه جزاء اساسيا من امن المنطقة ككل. ويتجنب البعض الدخول في "شيطان التفاصيل"، ليختار سلوك الطريق الاسهل من خلال اشاعة التحذير بالصوملة اواستجداء الدخول في عضوية مجلس التعاون الخليجي بنفس ادوات التهديد.
[email protected]

- صحفي يمني – الناس

زر الذهاب إلى الأعلى