اهتمامات

تصالح وتسامح لمن؟

بعد غد السبت تطل علينا ذكرى الثالث عشر من يناير تلك المناسبة الأليمة المشؤمة التي أودت بأرواح آلاف الأبرياء دفعوا حياتهم ثمنا لصراع الساسة الأماجد الذين عاشوا بعدها في رغد من العيش سواء في داخل البلاد أو خارجها في الوقت الذي عاش فيه الشعب مرارات كبيرة وضغائن وأحقاد يتم ترحيلها من جيل إلى جيل حتى وصلت آثارها إلى الأحفاد وقطعا سيطول الشرح كثيرا لو غصنا في أعماق تلك الأحداث.
لكن لنترك تلك الذكرى الأليمة ونتحدث عن ذكرى أخرى جاءت في ذكرى تلك المناسبة اريد منها محو تلك الآثار لبدء صفحة جديدة يتعايش بعدها الجميع في امن وامان هذا اولا وثانيا لرص الصفوف وتفويت الفرصة على من اراد استغلال هذه المناسبة لاستمرار ايقاد الاحقاد بين من اكتووا بنارها واذا جئنا للحقيقة فمن اكتوى ليس طرفي الصراع واتباعهما بل عموم الشعب ذاقوا الويلات قبل وبعد يناير ولهذا صار الوطن في ذيل القائمة بالنسبة لمحيطه الاقليمي على اقل تقدير.
ولهذا نشأت فكرة التصالح والتسامح من خلال نخب وطنية متعددة الآراء والأفكار والتوجهات السياسية
هدف الجميع انشاء ثقافة تقضي على اثار الصراعات السياسية السابقة واللاحقة ثقافة لنصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم ثقافة تجمّع ولا تفرّق ثقافة تطالب بالحقوق ولا تهمل الواجبات.
ولهذا رأينا الكثير سار في هذا المسار رأينا اليساري بجوار اليميني ورأينا الليبرالي بجوار الاسلامي و القبيلي وابن الريف بجوار ابن المدينة الكل ينشد ترسيخ هذه المبادئ وتثبيتها كثقافة عامة وقد كان لي شرف المشاركة في تأسيس ملتقى التصالح والتسامح في حضرموت من خلال عضويتي في اللجنة التحضيرية التي انعقدت في المكلا بمنزل المناضل حسن باعوم رغم انني وغيري لم يكن لنا علاقة بطرفي نزاع يناير وهكذا أصبحت الفكرة واقعا وحصل لها صدى واسعا في الداخل والخارج وكانت منطلقا لإبراز القضية الجنوبية واظهارها على السطح بعد ان تكونت من خلال ملتقيات التصالح والتسامح المكونات السياسية التي تبنت القضية الجنوبية ووصلت إلى المسار الذي وصلت اليه فيما بعد.
واصبح الاحتفال بذكرى يناير يسير مسارات أخرى ففي البدء كان المحتفلين يتلقون الرصاص المنهمر من قوات الخوف المركزي وسقط العديد من الشهداء والجرحى وتعرض الكثير للاعتقالات والتشرد.
ورغم جمال الفكرة وسمو أهدافها الا انها ظهرت أصوات تنادي وفي بعض الاحتفالات تصيح بأعلى صوتها لا حزبية بعد اليوم وكانت أصواتهم تعطي انطباعا بثقافة مترسخة قديمة هي التي اوصلتنا إلى يناير و ما شابهها ثقافة ( لا صوت يعلو فوق صوت الحزب ) هذا الصوت النشاز تضايق من تعدد الشخصيات التي أصبحت تسير في مسار ثقافة التصالح والتسامح.
ومضت الأيام واذا بنا نرى هذه الثقافة التصالحية يتم الترويج لها وكأنها حصرية لمنسوبي الزمرة والطغمة لا غير وان ما سواهم ما هم الا دخلاء لا تشملهم رحمة منظري الرفاق ولهذا كانت الهجمة الإعلامية من خلال وسائل التواصل وبعض الكتاب تسير في هذا المسار ويتم تغليفه بأغلفة متعددة وساعدهم في ذلك نجاح الثورة المضادة للربيع العربي في انقلابها على طموحات الشعوب التواقة للحرية والانعتاق من ظلم الظالمين.

فلو أمعنا النظر في ما يتم طرحه في الوقت الحاضر من اذكاء لروح العداء المناطقي و الحزبي ومحاسبة الناس على أفكارهم ومواقفهم السابقة و اللاحقة واضفاء روح البراءة على فصيل معين وتوزيع صكوك الوطنية له ونزعها عن غيره بطريقة ماسخة وقمة في الانتهازية لا تؤسس الا لصراعات لا تنتهي واحقاد لا تنطفئ نيرانها حتى وان خمدت تحت الرماد.
واقعنا مرير ولا يحتاج لمزيد من التشظي ومن سره زمن ساءته ازمان ومن كانت له الغلبة في هذه الأيام لظروف معينة أو دعم خارجي ولحسابات معقدة فقد تنقلب عليه الدائرة فكيف سيكون حاله لو كان الرد انتقاميا وكان الجزاء من جنس العمل.
نحتاج للتصالح والتسامح قولا وفعلا شاملا للجميع لا يستثني أحدا لعل الوطن يتعافى وتشفى جراحه
وننطلق من مبدأ التصالح والتسامح لحمايته والارتقاء به فالصراعات تولد صراعات والفكر المنغلق لا يقودنا الا إلى كوارث لا تحمد عقباها.

زر الذهاب إلى الأعلى