رئيسية

نص إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أمام مجلس الأمن

في أول إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، أعلن أنه سيعرض خلال شهرين مقترحاً لاستئناف مفاوضات الحل في اليمن ودعا للاستماع إلى مطالب الجنوبيين.
وأكد المبعوث في احاطته الأولى إلى مجلس الأمن الدولي قدمها اليوم ويعيد نشوان نيوز نشر نصها، أن الحل السياسي متاح بالفعل لكنه أعرب عن القلق من التصعيد العسكري.
وفيما يلي نص إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن في أول جلسة يحضرها في مجلس الأمن:
السيد الرئيس،
لقد توليت مهمتي بصفتي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن في 11 آذار/مارس؛ تبوأت هذا المنصب مع امتناني للسيد الأمين العام للأمم المتحدة على ثقته، وشعرت بالامتياز لأن الفرصة قد أُتيحت لي للقيام بشيء لركون هذه المأساة الكبرى إلى نهاية متأخرة. يقترن هذا الامتياز، هذا ما آمله، بالتواضع الواجب في مواجهة التعقيد والتحدي المُلح.
ومنذ حينها، هذه المشاعر الحقّة، حيثما وجدت، أضحت أقوى. كان من دواعي سروري أن التقي وان استرشد بثروة اليمنيين المتأتية من جميع الأطراف ومن العديد من المنظمات المدنية، ولقد اخذت جزء من وقت القادة واستمعت بكل اهتمام إلى وجهات نظر الأقل حظاً. وكما هو الحال دائما من واقع خبرتي الخاصة، فقد كانت النساء هُّن اللواتي كثيرا ما تحدثن بأكبر قدرٍ من الوضوح وبإسهاب عمّن يخشونه ومن يقدمون الدعم اليه.
فالرأي العام بشأن اليمن، كما هو الحال في أي مأساة دولية أخرى، زاخر وللأسف في كثير من الأحيان يتسم بالانتقاد. فالخطاب عن اليمن، ربما من المفهوم السائد، يتسم بعدم التسامح والقسوة. أنني اعلم، كما تعلمون أنتم، أن السلام يصبح ممكناً عندما نرى الخير في خصومنا على الرغم من أننا نستطيع أن نرى بوضوح وحشية الحرب.
إنّ تركيزي على الاستماع إلى اليمنيين وإشراكهم يسمو فوق جميع الأولويات الأخرى، فذلك ليس بقرارٍ عديم الجدوى. نحن نعلم أن حل الصراع في اليمن يمكن ان يأتي فقط من خلال اتفاق يُبرم بين قادتها على تنحية خلافاتهم جانباً والاتفاق فيما بينهم على التعاطي مع بعضهم البعض ليس من خلال الاقتتال بل عِبر الحوارِ والنقاش. لذلك، إن وضع اليمنيين أولاً ليس بمجرد نهج سليم وصحيح فحسب، بل انه السبيل الوحيد الذي سيؤول بنا إلى السلام.
ففي تجربتي في محاولة حل الصراعات، تعلمتُ ان أصدق ما يأتي على لسان الناس من خلال كلامهم، وإيلاءهم الثقة - نعم - ولكن أيضا بمعية التحقق من ذلك. يجب أن نثق في التأكيدات التي نسمعها حتى وإن كنّا نعلم أن الاختبار النهائي لذلك يكمن فيما سوف يقدمونه عملياً. لذلك فأنني عندما أسمع كلماتٍ إيجابية من قائد أو آخر، وغالباً ما يكون ذلك موضعاً للسخرية والتشكيك من الجانب الآخر، فإن مساري هو: دعونا نأخذ الكلمات الجيدة تلك ونستخدمها بنحوٍ جيد.
إن تقريري الذي أقدمه لكم اليوم، سيدي الرئيس، هو تقريرٌ أولي. سأقول لكم ما أعرفه، وما أخشاه ايضاً. وسوف أحاول أيضاً تحديد بشائر الأمل. وان خطتي هي أن أعرض على هذا المجلس خلال الشهرين القادمين إطار عمل لإجراء المفاوضات.
السيد الرئيس،
هناك أخبارٌ جيدة وأخرى سيئة، وانني أعتذر عن هذا الوصف، لكنه الحقيقة. الأخبار الجيدة - وهذه هي رسالتي الرئيسية إلى أعضاء هذا المجلس اليوم - هي أن الحل السياسي لوضع حد لهذه الحرب هو فعلياً متاح. فالخطوط العريضة لهذا الحل ليست بالأمر المكنون: إنهاء القتال، وسحب القوات وتسليم الأسلحة الثقيلة في المواقع الرئيسية، بمعية الاتفاق على تشكيل حكومة تتسم بالشمولية وتجمع الأطراف فيما بينها على توافق في الآراء لبناء السلام.
وذلك يمكن القيام به؛ فكل الذوات الذين تحدثت إليهم، من أوسع مجموعة من الطيف السياسي اليمني، أخبروني أنهم يريدون ذلك، وأنهم يريدونه بسرعة، وأنهم سوف يعملون مع الأمم المتحدة لتحقيق ذلك، وأنهم يدركون العواقب، وكما هو الحال في جميع الاتفاقات بين الخصوم، ستكون التنازلات المتبادلة مطلوبة. إنما دعوني أؤكد أن التوصل إلى نتيجة ناجحة للمفاوضات لا يمكن أن يكون مضموناً ويستدعي التحلي بالصبر والاجتهاد وحسن النية بين الطرفين.
لقد توصلت إلى هذا الاستنتاج العام عبر الاستماع إلى قادة الأحزاب. ولقد أكدت لهم أن ما يريده الأمين العام للأمم المتحدة وما يطلبه هذا المجلس هو ذات ما يريده كل اليمنيين: اليمن المستقر والآمن مع حكومة مسؤولة أمام مواطنيها.
وأنني ممتن للرئيس هادي على وقتهِ وصبرهِ واستعدادهِ لوضع هموم شعبه في الصدارة. فحكومتهِ لم تدخر جهداً لضمان فهمي لمواقفها واحتياجاتها واستعدادها للانخراط. أنني أعول على دعمهم، وهو أمرٌ ضروري لنجاح هذه الجهود.
لقد شجعني لقائي مع قيادة حركة أنصار الله في صنعاء. لقد أكد لي أن حركته تريد إنهاء هذه الحرب وأنها سوف تتعاون مع الأمم المتحدة لتحقيق ذلك. ولقد تكررت هذه الرسالة على مسامعي في العديد من اللقاءات الأخرى التي كانت لي ميزة اجرائها مع كبار قادة أنصار الله. وهذا الموقف البنّاء يشجعني كثيراً.
كما أنني سمعت لوجهات نظرٍ مماثلة من قادة تشكيلة واسعة استثنائية من الأحزاب السياسية اليمنية. وأنا ممتن لهم أيضا.
وإنني لم أزرْ الجنوب بعد، لكنني بدأت ألتقي بالمجموعات الجنوبية. كما تعلمون، لقد أحدث الصراع تغييرات رئيسية على الأرض في المحافظات الجنوبية، وجعل إحباطات وتطلعات الجنوبيين الطويلة الأمد أكثر وضوحاً.  فلن يكون هناك سلام في اليمن إذا لم نستمع أيضا إلى أصوات الجنوب ونتأكد من تضمينها في الترتيبات السياسية التي تنهي الحرب.
السيد الرئيس،
ليس من المستغرب أن وقف الحرب ليس على نفس القدر من بناء السلام. وعليه فمن البديهي في اليمن، ان يتعين علينا في المقام الأول تحويل طاقاتنا صوب العمل لوقف هذه الحرب. فالأطراف الضرورية لهذه المهمة المحددة هي التي يمكن أن تُسهم قراراتِها في إنهاء هذه الحرب. لقد كنت متسقاً في إيصال الرسالة عينها إليها. إن التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق الحوار الشامل بين اليمنيين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع اليمني ومعالجة الأزمة الإنسانية القائمة. ولهذه الغاية، يتعيّن على جميع أطراف الصراع التخلي عن الشروط المسبقة لإجراء المحادثات ومنح مكتبي إمكانية الوصول دون قيود ودون شروط إلى جميع أصحاب الشأن المعنيين، كما أكد هذا المجلس في بيان رئاسي في وقت سابق من هذا العام.
إن بناء السلام سيكون مهمة أكبر، تستند إلى سوابق مختلفة ومشاركةٍ أوسع. وسيكون الحوار الوطني، بسجله ذي الشمولية والمشاركة المدنية مبعث الإعجاب، سابقةً حاسمة. وسيكون هذا جدول أعمال الانتقال، ليشمل: المصالحة، وهو ما يتطلّب اهتماماً كبيراً من جانبنا بعد نهاية الصراع؛ والمراجعة الدستورية، وإعادة الإعمار وإعادة بناء مؤسسات الدولة. هذا ما يتعلق بتحويل الدولة.  يستدعي تحقيق هذا العمل مشاركة كاملة من المجتمع المدني لضمان أن تتجاوز هذه العملية جانب السياسة وتعكس تطلعات جميع اليمنيين.
السيد الرئيس،
لقد قلت إن هناك أخبارٌ جيدة وأخرى سيئة. هناك قول مأثور بأن أحلك ساعات الليل سوادًا هي التي تسبق الفجر. دعونا نأمُل أن يكون هذا هو الحال. لن يكون الخبر اليكم أن الحرب، أدنى ما يقال عنها، انها أضحت أكثر ضراوةً وأكثر إلحاحاً إبان الأسابيع القليلة الماضية.
إن العدد المتزايد للصواريخ الباليستية التي تم إطلاقها باتجاه المملكة العربية السعودية والعمليات العسكرية المكثفة في محافظة صعدة هي من أبرز التطورات وأكثرها ضرراً. كما استمرت المواجهات العسكرية والضربات الجوية في العديد من المناطق الأخرى في اليمن، بما في ذلك محافظات صنعاء وتعْز والجوف ومأرب والحُديدة وحجة والبيضاء ولحْج.
تستمر الاشتباكات من دون تغييرات كبيرة على الخطوط الأمامية، ولكن مع ورود تقارير مزعجة تفيد بسقوط ضحايا بين صفوف المدنيين، نستمع ايضاً إلى تقارير غير مؤكدة تُفيد بأن حركات القوات في اليمن آخذة في التزايد وأن الآفاق الرهيبة للعمليات العسكرية المكثفة في الحُديدة، التي لوح عنها منذ فترة طويلة، قد تكون وشيكة.
قلقنا يكمن في ان أيٌ من هذه التطورات قد تفضي إلى أخذ السلام بعيداً عن الطاولة. أنني مقتنع بأن هناك خطرا حقيقيا جراء ذلك. نحن جميعاً بحاجة عاجلة وبنحوٍ ابداعي لإيجاد سُبلٍ لتقليل فرص الأحداث التي قد تغيّر قواعد المسار وتحيدها وتزعج الآمال الحقيقية للأغلبية العظمى من اليمنيين.
السيد الرئيس،
إن الشعب اليمني في أمسّ الحاجة إلى بوادر أملٍ بأن هذه الحرب سوف تنتهي قريباً. فإلى جانب الحاجة العاجلة إلى الوصول غير المحدود إلى المساعدات الإنسانية، التي سيتناولها دون شك مارك لوكوك بعد قليل، هناك إجراءات أخرى قد توفر بعض الأمل. نحن نعمل، على سبيل المثال، وبتشجيع من القادة السياسيين من جميع الأطراف، على فتح مطار صنعاء مرة أخرى امام الحركة الجوية وحق اليمنيين في السفر والالتحاق بأسرهم. ونحن حريصون ايضاً على ترتيب إطلاق سراح السجناء. لقد قال لي الجانبان إنهما يرغبان في رؤية السجناء يُطلق سراحهم. لقد شجعني ذلك، وسوف نعمل كل ما في وسعنا لتحقيق ذلك. وسوف أطلعكم بأي تقدّم يُحرَز في هذا المجال. كما أننا قلقون للغاية بشأن الاعتقالات على جميع الأطراف. نحن نعلم من التجربة أن الاحتجاز التعسفي والواسع النطاق للمدنيين في الصراع المُسلح يعتبر إساءة مروعة وإنما أيضاً عائق أساسي للركون إلى مجتمع مستقر.
هذه هي القضايا المهمة. والأهم من ذلك هو العمل البطولي الذي تقوم به الوكالات الإنسانية في اليمن بقيادة مارك لوكوك وصديقتي العزيزة وزميلتي السيدة ليز غراندي.
السيد الرئيس،
إن السادة أعضاء هذا المجلس يعلمون بنحوٍ أفضل مني مدى الأهمية الاستراتيجية للاستقرار في اليمن. وهذا شأنٌ ذو أهمية قصوى لشعب اليمن ولجيرانه وللمجتمع الدولي على نطاق أوسع. فلا يمكن تحقيق ذلك دون ضمان استقرار اليمن، حيث يُمحق أخيراً النشاط الإرهابي وحيث يمكن وقتها الاعتماد على سلامة ممراته البحرية. يتطلب تحقيق ذلك تضافرًا فعالًا بين الوساطة وهذا دوري، والدبلوماسية وهو دوركم.
فالوساطةِ من دون وجود دعمٍ دبلوماسي يسندها تؤول إلى الإخفاق. سوف نعمل كل ما في وسعنا بغية إيجاد اتفاقيات فعالة بين اليمنيين. ولكن بالنسبة لأعضاء هذا المجلس وغيرهم من الدول الأعضاء، يتعين بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالأُخْرَى، ان يضعوا قوة الرأي الدولي ظهيراً لهذه الاتفاقات. وحدتكم وعزمكم سيكونان الحاسمين.
شكراً.
زر الذهاب إلى الأعلى