آراء

مفارقات جائزة نوبل

حسن العديني يكتب عن مفارقات جائزة نوبل


لا تثير جائزة نوبل للطب والفيزياء والكيمياء وحتى للاقتصاد لغطاً يماثل ما يحصل احياناً مع نوبل للأدب وكثيراً نوبل للسلام .
في الأدب تثار شكوك على أن الاختيار في بعض المرات ينطوي على مغزى سياسي كما في حالة الروسي المنشق " الكسندر سولجينتسين " أو لأن مبدعين كباراً تفوتهم فيما تذهب إلى من هم اقل شأناً .
وفي تاريخها لم يحدث أن قسمت نوبل للأدب بين أكثر من شخص على منوال ما يجري مع شقيقاتها .
ولقد يطول انتظار كثيرين ، بعضهم يدخل اسمه في قائمة المرشحين ، ثم يمضي بهم العمر دون أن ينالوها في حين أن هناك من اقبلت إليهم فولوا وجوههم عنها ، الكاتب الايرلندي الساخر" برنارد شو " والفيلسوف الفرنسي " جان بول سارتر " والكاتب الروسي " بوريس باسترناك " .
والأخير رفضها تحت ضغط الحكومة السوفيتية في 1958 وانتظر ثلاثة عقود ليتسلم قيمتها في 1989 بعد أن ارخت بيرسترويكا " ميخائيل جورباتشوف " قبضة الحزب الشيوعي وساهمت في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفيتي .
ولعله لهذا السبب وحده حصل جورباتشوف على نوبل للسلام في تجسيد واضح لواحدة من حالات الريبة بمقاصد الجائزة وتوجيهها لأغراض غير خدمة السلام . فلقد أدى سقوط الاتحاد السوفيتي إلى اتساع نطاق الحروب على مستوى المعمورة بإطلاق يد الولايات المتحدة لتشن حروباً مباشرة على دول صغيرة ، إما منفردة أو تحت لواء الناتو أو في عباءة تحالف دولي .

لكن المثال الصارخ على سوء القصد منح نوبل مناصفة بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الحكومة الاسرائيلية مناحم بيجيين في 1978 ، وكذلك توزيعها بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات والإسرائيليين اسحاق رابين وشيمون بيريز .
ولم تكن لجنة الجائزة غافلة عن سجل بيجين الارهابي أو عن أن الشرق الأوسط لم ير السلام بعد ، وما كان باديا سوى رحلة السادات الاستعراضية إلى القدس بما يفهم أنها رسالة تشجيع له على ان يمضي فيما سار فيه بالفعل نحو كامب ديفيد ليرفع يد مصر عن الصراع العربي الاسرائيلي في سبيل استرداد سيناء خالية من السلاح . ذلك في النهاية جعل السلام مستحيلاً في المنطقة .
وأما في طريقها إلى بيريز ورابين فقد تجاهلت أن الاول هو أبو القنبلة النووية الاسرائيلية والثاني كان رئيساً لاركان الجيش الاسرائيلي عند قتل الاسرى المصرين في 1967 وهو نفسه صاحب نظرية تكسير عظام اطفال الحجارة في انتفاضة 1987 .
قبالة هذا الوجه البائس لم تصل نوبل ولم تقترب من أعظم رموز السلام في القرن العشرين " المهاتما غاندي " أو رفيقه " جواهر لال نهرو " كما إلى اخرين عملوا من اجل السلام أكثر مما عمل هنري كسنجر أو الرؤساء الأمريكيين الأربعة الذين فازوا بها .
بالرغم من ذلك فإن نوبل في مرات عديدة لم تضل طريقها ولم تخطئ هدفها فأخذتها الام تريزا ونيلسون مانديلا ومارتن لو ثر كنج .. وهذه المرة " نادية مراد " و " دينيس موكو يغي " في 2018 .
استحقت نادية الايزيدية العراقية التكريم لأنها كشفت عن إرادة نادرة المثال في تخطي المأساة والعلو بالكرامة الانسانية على ما أرادته الذئاب البشرية وصمة عار في جبينها .
كذلك فإن دنيس شريكها في الجائزة جسد النبل الإنساني في تفانيه لعلاج نساء تعرضن للاغتصاب خلال الحرب الأهلية في بلاده الكونغو التي شهدت منذ ما يقارب ست عقود مصرع ثاني امين عام للأمم المتحدة " داج همرشولد " و أحد اثنين من الامناء العامين للمنظمة الدولية حصل على نوبل للسلام ، الأخر كوفي عنان .
بقيت مفارقة لطيفة وهي حصول رئيس وزراء بريطانيا الأشهر " ونستون تشرشل " على جائزة نوبل للأداب ، وليس للسلام ، سنة 1948 هو الذي قاد بلاده في الصمود في وجه النازية خلال الحرب العالمية الثانية لكن ذلك السياسي الداهية كان ايضاً كاتب مقالات ومؤرخاً وكاتب سيرة ذاتية أوصلته إلى نوبل بفضل ما اعتبرته لجنتها دقة الوصف التاريخي والسيرة ، ولكن ليس لهذا فحسب بل ولبلاغة و ادهاش خطبه.. هكذا بررت لجنة نوبل .

زر الذهاب إلى الأعلى