[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

السفر عبر منطقة اشتباكات

الكاتب جمال حسن العديني يكتب عن السفر في مناطق الاشتباكات في اليمن


اخبرنا السائق، انه سيسير في طريق فرعي بعيدة عن منطقة الاشتباكات، واكتشفنا الكذبة حين لم يكن امامنا مجالاً للعودة؛ كنا على وشك اختراق منطقة حرب.
كنا في طريقنا من عدن إلى صنعاء، وبسبب المعارك أُغلقت الطريق من قعطبة إلى صنعاء.
حين اكتشفنا انه لا وجود لطريق فرعي بعيداً عن منطقة الاشتباكات، اول شيء فكرت به رصاصة تفجر رأسي، داهمتني الفكرة. والتفت لصديقي بسام، اي مصيبة حملتنا اليها؛ اومئ بيديه وهو يقول بأنه لم يكن يعرف. إنها مغامرة لم نخترها، كما الحياة نفسها لم يخترها احد فينا، غير ان اليمن تسير بتلك الوتيرة، هناك من يحملك باستهتاره ومطامعه الصغيرة في مركبة الهلاك، وكلعبة النرد ترتسم حياتك.
ظل السائق يكرر كذبته امام كل نقطة نتجاوزها؛ هناك طريق فرعي، وفي اسوأ الاحوال فكرت بمخاطر ان يكون خطراً، لإنه سيسير في تخوم منطقة اشتباكات. ثمة طقم يرفرف فوقه علم الجنوب، وجنود مراهقين يبتسمون ويمازح احدهم سائقنا المتهور، الذي يرغب في تجاوزه.
إنهم يذهبون نحو الجبهة، كانت نفس طريقنا، واتخذت سكة ملتفة، وبدأت اشكال الغبار تحمل لنا ملامح اكثر اضطرابا. كل شيء مختلف، ربما انعكاس لافكارنا. والأغاني الرائجة من مقام الكرد مازالت في المسجل.
بعض النقاط لم يكونوا مهتمين بنا، لم يسألونا ابداً؟ بعد لحظات ظهر الطقم نفسه دون الراية الجنوبية.
وفي ذلك الطريق الممتد من صنعاء إلى عدن تظهر كثير من الأسقام التي نعيشها، الهوة التي احالتها السياسة رماداً من الاقتتال المستمر.
كنت مازلت افكر بأنواع الأخطار المحتملة، تُرى هل هناك رصاصة ستفجر رأسي.
لم يعد هناك مجالاً للعودة ابداً، تنفست كما لو اني سأغطس في صفحة ماء. لأن العودة تعني الأسوأ.
هناك ايضاً في حدود التماس بين المتقاتلين، اخذت الحركة شكلاً مغايراً مثل الاشياء الساكنة، الهضاب والجبال بمخزونها من المفاجآت مرسومة امامنا. والجنود الذين كانوا يتمازحون اصبحت ابتساماتهم تنذر بوعود المكان.
الوجوه تبدو على عجل. والجندي في اخر نقطة كان اكثر حدة، كانوا جنوداً من الضالع، وقال انه سيفتش شنطنا، ثم علينا الالتفاف والعودة. مع هذا، سمح للسيارة الأخرى التي يقودها زميل سائقنا بالعبور.
كنا امام خيارين امر من بعضهما؛ فالعودة تعني اننا سنسجن في الطريق لأن النقاط التي عبرناها لن تسمح لنا بالعودة، بعذر اننا شماليون. حتى لو فعلاً تراجعنا فعل اندلاع المعارك.
في تلك اللحظة، تخيلت نفسي في فيلم، تنقطع فيه فجأة الأصوات، وتختنق موسيقى بضخ ايقاعي مكظوم يتباطأ ويتمزق، محيلاً كل شيء فراغ. فقط خط اسفلتي، ولا شيء امامنا.
رفيقنا في السيارة الأخرى كان قد اختفى. مجرد صمت وهواجس، دبابة على يميننا مخفية بجانب كومة، وماسورة قذائفها إلى الاعلى في زاوية حادة. هناك حيث تأتي نيران اخرى.
بالفعل حقق الحوثيون تقدماً كبيراً في تلك الجبهة، واصبحوا على مشارف الفاخر وقعطبة، وايضاً الضالع.
كان كل شيء مختلفاً، حتى السماء الزرقاء بدت دخانية، وكأن لا طير في السماء، لم ار حتى كلب في الطريق. فقط سيارتنا وهناك مركبة عسكرية تتخفى، احجار، واشجار بلا ملامح. كنت كما لو اني اغطس، وفي مظهر الصمت اصوات لامرئية وشبحية.
السائق الطائش، شعر بالخوف، وكأنه ادرك فجأة ما يمكن ان يحدث. اتصل لرفيقه لينتظرنا في الطريق، وعندما ظهرت مركبة متوسطة تسير ببطء، تنفس الصعداء: الحمد لله؛ قال بمعنى ان الطريق آمنة.
كنا تجاوزنا حدود التماس المرسوم بخط رمل واحجار، وهناك بعض الثكنات، حاجزين رمليين صغيرين التف منهما السائق بصورة حلزونية، لولا انها لم تتكرر. وشاهدنا جنوداً يسيرون نزولاً في الاتجاه المعاكس بهدوء. كانت الجبهة هادئة، لكن رؤوسنا كانت تحت رحمة روليت لا مرئي.
ظهرت السيارة الأخرى البيضاء لرفيقنا، الذي سيسلك طريق اخر ناحية بعدان، وبقينا وحيدين في طريق محتمل للموت. الطريق الحاضر في كل زاوية من اليمن، وإن تخفى بمظاهر الحياة.
في وحشة المكان، تصادقت مع الخوف، وحين ضحكنا كنا هستيريين نوعاً ما، نحاول ترويض هلعنا.
ماذا لو سمعنا صوت طائرة في السماء، ربما كنا اهدافاً متحركة. في ذلك الوقت تحول ادرينالين الخوف ممتعاً بعض الشيء، لأنني تخليت عن التفكير بالاحتمالات المخيفة. وانفعل احدهما، بينما ظل الآخر يتحدث دون توقف ضاحكاً لينفض غبار الخوف.
مع ذلك؛ ماذا إن سمعنا صوت فرقعة نارية، صوت انفجار بعيد، اي صوت يوحي بالقتال أو فعل طائش منه؛ لم اكن لأثق بشجاعتي. لأني فكرت ايضاً، اين سأرمي بجسدي إن حدث شيئاً ما.

زر الذهاب إلى الأعلى