(الرصاص المتدفق ) وتبلد المشاعر !

أمل زاهد

أتساءل ونحن نغمس صباحاتنا بخبز الدم ونحتسي قهوة أوجاع إخواننا المكلومين في غزة، هل تستطيع الصورة أن تنقل لنا تفاصيل المعاناة كاملة غير منقوصة؟! هل استطاعت الصورة أن تنقلنا فعليا إلى أجواء الحروب وأزيز الرصاص وفرقعات القنابل ونحن في أمن غرف معيشتنا؟! هل استطاعت أن تنقل فزع أم على طفلها وقلقها على زوجها وذعرها وهي تشعر أن حياتها على كف عفريت؟!

هل استطاعت صور ومشاهد الدمار في العملية الإجرامية التي أطلق عليها العدو الإسرائيلي (الرصاص المتدفق) بكل ما يتهدل منها من بشاعة وقسوة وعنف ودمار أن تنقل لنا مشاعر طفل مذعور، أو خفقات قلب خائف، أو لهاث هارب من حتفه إلى حتفه ؟! هل تمكنت من إيصالنا إلى ذات الحالة الشعورية التي يشعر بها المعايشون لهدير القنابل وانهيار المباني والأشلاء المتقطعة والجثث المتفحمة وكل العبث والجنون المصاحب للحروب وويلاتها؟!

الصور المتدفقة علينا عبر الفضائيات صادمة ومفجعة وبشعة ولكنها تظل مبتورة وناقصة، فهي تنقل للمشاهد جزءاً صغيراً فقط من المشهد الحقيقي البشع وهي انتقائية لأنها تخضع لأهواء وتوجهات القناة التي تعرضها، بينما يظل الجزء الأكبر من التجربة القاسية عصيا على الكشف والإظهار! والصورة التي تصدمك وتفجعك وتدهشك أول مرة تفقد جدتها وقدرتها على إثارة مشاعرك بالتكرار، والتكرار يبلد مشاعر (الشطّار)! وربما نجد في هذا تفسيراً لتبلد مشاعر المجتمع العربي والدولي تجاه معاناة المحاصرين في غزة من قبل، ومعاناتهم الحالية والسماء تسّاقط عليهم كسفا من الدمار الشامل!

تجربة معايشة الحروب لحظة بلحظة إحدى إفرازات ثورة الاتصالات، وهي تجربة جديدة بكل المقاييس على الوعي الإنساني، ومن المفترض أن تستخدم كوسيلة لإدانة الحروب ورفضها.. والمفارقة العجيبة أنها خلقت نوعا جديدا من التعايش البليد مع الظلم والهمجية والاستبداد!

كاتبة سعودية

المصدر: جريدة الوطن