الدخان الاسود يتصاعد في سماء إيران

الدخان الاسود يتصاعد في سماء إيران

استمرار التداعيات السلبية للانتخابات الرئاسية الإيرانية بنفس الصورة التي تنقلها اخبار الفضائيات ووكالات الانباء كانت غير متوقعة. ومعظم المراقبون والمحللون السياسيون، كانوا يتبارون في نقاشات وجدل ساخن حول الحدث الانتخابي نفسه، وتحديدا حول فرص فوز الرئيس محمود احمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية، ولم يلتفت احد لما يشهده الشارع الإيراني من احتجاجات مفتوحة على كل الاحتمالات.

مسألة فوز نجاد كانت متوقعة ايضا، ولكن الشيء المفاجئ في الانتخابات، هو حصوله على نسبة كبيرة فاقت ثلثي اصوات الناخبين، ليختصر بذلك الطريق إلى سدة الرئاسة من الجولة الاولى دون الحاجة إلى جولة اعادة ثانية توقعها الكثير من المراقبين. وحصل منافسه الرئيسي الاصلاحي مير حسين موسوي على ما نسبته (75ر33% )، والذي كان اعلن بعيد اغلاق صناديق الاقتراع فوزه بالانتخابات بفارق كبير، واعطى بذلك الضوء الاخضر لانصاره للقيام بحملة احتجاجات مستمرة.

ولا شك ان استمرار عملية الاحتجاجات وتطوراتها في الاتجاه السالب من شأنه اضعاف الجبهة الإيرانية الداخلية التي بدت متماسكة طيلة السنوات الاربع الماضية في مواجهة الضغوط الخارجية، ، والاهم انها ستقدم خدمة جليلة لكل من يشعر بالقلق حيال سياسة النظام الإيراني في المنطقة، لان النظام الإيراني سيجد ما يشغله داخليا، ويحد من طموحاته المشروعة وغير المشروعة في المنطقة.

لقد وجد النظام الإيراني نفسه في سباق مع الزمن لاكتساب نفوذ اقليمي وسط ظروف عدها مواتية. ورغم سياسات العزل والعقوبات الاممية والتهديدات الأمريكية- الاسرائيلية بضرب منشآته النووية، خرجت دبلوماسية طهران بنجاح منقطع النظير، مستفيدة من سلسلة الاخطاء والحروب التي تبنتها الادارة الأمريكية في المنطقة ضد ما تسميه بالارهاب.

وفشلت كل المحاولات لكبح جموح السياسة الإيرانية التي مثلها خير تمثيل الرئيس نجاد، وبالتالي فقد نظر إلى مسألة فوزه بولاية رئاسية ثانية خيار سيئ بكل تأكيد، وهناك من اعتبر فوزه مجددا، سيعني استمرار نفس السياسة الإيرانية المتبعة منذ اربع سنوات على الاقل، بل ربما الاسوا من ذلك، من خلال اتباع نجاد سياسة متشددة اكثر ، مدفوعا بجنون العظمة التي انتابت كثير من الزعماء.

ومع ان التغيير الذي تأتي به الانتخابات الرئاسية في إيران لا يحمل جديدا للكثيرين، نظرا لوجود المرشد الاعلى للجمهورية أو ما يعرف ب"ولي الفقيه"، والذي تعود اليه كافة الصلاحيات لاتخاذ القرارات الاستراتيجية داخليا وخارجيا، وهو لا ينتخب. فهذا الاخير ايد نجاد خلال الحملات الانتخابية، ووصف فوزه ب"العيد الحقيقي"، وهو ما عنى للمراقبين، بقاء نفس السياسة الإيرانية اذا لم يطال التغيير بنية النظام السياسي.

وما من شك في ان احتجاجات الشارع الإيراني التي لم تأخذ صيغتها النهائية، مخلفة قتلى وجرحى ، لم تكن لتعبر على مسألة وجود تزوير في نتائج الانتخابات فحسب، بل كانت تشير إلى مشكلة عميقة في بنية النظام السياسي الإيراني، والديمقراطية المغلفة ب"ولاية الفقيه".

لقد استفادت إيران بشكل كبير من سياسة "الفوضى الخلاقة" التي اتسمت بها الادارة الأمريكية السابقة، نظرا لامتلاك ساسة إيران مشروع، قد نتفق أو نختلف مع مضامينه ، وبسبب غياب المشروع العربي، واليوم فان احتجاجات الاصلاحيين، تنذر بتصاعد الدخان الاسود في سماء طهران، وكل الخيارات والاحتمالات رهينة بما سوف تأتي به التطورات من هناك.

[email protected]