
تتصاعد الازمات اليمنية إلى الاعلى دون وجود مؤشرات تحدها عند سقف معين. وباستثناء عنصرين يتم التعويل عليهما من قبل اطراف فاعلة في الداخل، وان كانت حالة التعبير عنهما تختلف من فريق لاخر، فان مبدأ الايمان بالقدر خيره وشره يبدو حاضرا بقوة عند اليمنيين في هذه المرحلة.
اما العنصرين الاخرين، فهما السياسات الداخلية، وهواجس التدخلات الخارجية.
في صعدة التي نعيش تدشين حربها السادسة، والجنوب الذي قال عنه النائب الاسبق علي سالم البيض بأنه بات على مرمى حجر من الاستقلال، وكذلك المواجهة الامنية مع القاعدة التي تبشر بياناتها بقادم أسوأ، تبدو المتاهة اليمنية والمعضلة الحقيقية وغياب الحكمة المعروفة.
فالحلول التي تدعيها السلطة لم تعكس نفسها ايجابيا على ارض الواقع، بل العكس، ومؤشرات الاسبوعين الماضيين تؤكد مسألة تنامي الازمات.
وبينما تقدم المعارضة هذا الواقع امام المراقبين والمهتمين كدليل اثبات على فشل السلطة والنظام الحالي في ادارة البلاد. تتوجه انظار الطرفين، أي السلطة والمعارضة، كما الاطراف الاخرى، وان بنسب متفاوتة، إلى الخارج باعتباره احد العناصر الحاسمة.
وتحت تأثير هاجس التدويل، تتناقض رسائل الاطراف الفاعلة في الداخل بشدة. ففي الاسبوع الماضي، جرى توجيه عدة رسائل في هذا السياق، فالناطق الرسمي لاحزاب اللقاء المشترك، قال ان "الجامعة العربية أو أي دولة أو شخصية عربية تريد خير اليمن مدعوة للقيام بجهد من أجل إعادة اللحمة إلى الشعب اليمني، الذي تهدده أخطار التدخل الدولي في شؤونه." وكان يتحدث عن اهمية اجراء حوار فوري وسريع بين مختلف الفرقاء في الساحة.
ومثله، تحدث رئيس الكتلة البرلمانية بالتجمع اليمني للاصلاح عبد الرحمن بافضل، الذي قال انه "ما لم نقف مع أنفسنا وقفة جادة ومسؤولة سلطة ومعارضة ونحل مشاكلنا بأنفسنا فإن الأمم المتحدة ستتدخل لفصل جنوب اليمن عن شماله سلميا وحينها ستتعقد الأمور أكثر ولا نستطيع عمل شيء."
وبحسب ما يرى الامين العام للحزب الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان في مقال سابق، فان خطورة تجاهل المشاكل اليمنية، وطريقة التعامل معها، ان البلد سيتحول إلى لعبة تقرر مصائره الاستراتيجيات الدولية ومصالح الدول العظمى المتناقضة.
وفي الاسبوع الماضي ايضا، اشارت معلومات إلى خلاف ما تتمناه السلطة من الخارج. فقد ذكرت مصادر اعلامية مختلفة بأن لجنة حقوق الإنسان الخاصة بالبرلمانيين في اتحاد البرلمان الدولي خاطبت مجلس النواب بشأن النائب يحيى الحوثي واسرته، وكذلك النائبين الناشطين في الحراك الجنوبي ناصر الخبجي وصلاح الشنفرة.
يأتي ذلك، فيما كانت مصادر دبلوماسية اوروبية بصنعاء قد ذكرت بأن اتحاد البرلمان الدولي يجري تحقيقات حثيثة في شكاوى اربعة نواب يمنيين تعرضوا للانتهاكات. ولم تشر المصادر الاعلامية إلى أي اجراء مماثل بخصوص النائب احمد سيف حاشد. لكن ذات المصادر اكدت بأن لجنة حقوق الإنسان الخاصة بالبرلمانيين في اتحاد البرلمان الدولي طلبت من مجلس النواب اليمني تقديم معلومات واقعية حول وضع النائب يحيى الحوثي وأسرته.
واوضحت بأن معلومات وصلت اليها تشير إلى ان النائب الحوثي قد اجبر على النفي في عام 2005 خوفا على حياته. وانتقدت اللجنة وصف أمين عام مجلس النواب اليمني لمعلومات البرلمان الدولي في خطابين سابقين موجهين إليه.
وقالت أن"اليمن طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ونتيجة لذلك فهي معنية بضمان حق الحرية والأمن المحفوظة في مادته التاسعة، بالإضافة إلى حرية التعبير المحفوظة في مادته التاسعة عشرة." وبناء على حيثيات كثيرة، قررت اللجنة"الاستمرار في التحقيق في هذه القضية في جلستها القادمة المنعقدة بمناسبة الاجتماع العمومي الواحد والعشرين بعد المائة لاتحاد البرلمان الدولي في أكتوبر 2009 عندما تأمل أن تقابل الوفد اليمني."
كما طالبت اللجنة من امين عام مجلس النواب "دعوة السلطات البرلمانية مرة أخرى لتقديم وجهات نظرهم وتقديم معلومات واقعية حول وضع البرلمانيين، الخبجي والشنفرة". معتبرة ان طلب السلطات القضائية برفع الحصانة عنهما بتهمة انتهاك الدستور والاضرار بالوحدة الوطنية لا أساس له، وان مطاردتهما " من قبل الأمن والقوات المسلحة في مناطقهما وقراهما بسبب مشاركتهما في مظاهرات سلمية."
ومع استمرار تصاعد الازمات اليمنية، وتوالي التقارير الدولية حول الوضع في اليمن والذي تكرر وصفه بالفشل، فان اللحظة التي طالما تم التحذير منها، وفقا للكثير من المراقبين، باتت وشيكة.
واذا كانت السلطة قد ابرزت على مدى الشهور الماضية بيانات دعم وحدة اليمن وامنه واستقراره، لكن ذلك غالبا ما يمتزج بشكوى رسمية مريرة، من ان الدعم لازال دون المستوى المطلوب. ولكون اليمن يحتل موقعا استراتيجيا هاما، فان تصريحات المسؤولين الرسميين قد حرصت على توصيل رسالة للدول الغربية الكبرى مفادها ان النظام الحالي مازال هو الاقدر على تمثيل وتأمين المصالح الدولية.
ومع تأكيد مصادر معارضة على ان الغرب وصل إلى قناعة تامة بأن مصالحه لا تتعايش في بيئة تحكمها سلطات فاسدة وفاشلة. لكن المعارضة أو بعض مصادرها لاتزال تقدم الغرب احيانا في صورة مشروع ممانع امام ما تعتبره المعارضة مشروعها الكبير الذي يغطي الوطن بكامله.
وواقع الحال، ان التصريحات التي تطلقها الاطراف المختلفة، محذرة من تدويل الازمات اليمنية أو تحت تأثير هاجس التدخلات الخارجية، لم تتحول إلى ورشة عمل للحيلولة دون التدويل أو الحد من تفاقم الازمات وتطوراتها نحو المجهول. بل على العكس، فالبلاد شهدت تصعيدا في قضايا ما تسميه السلطة تحالف الشر بين الحوثيين والانفصاليين والقاعدة، فيما الحوار المفترض بين السلطة والمعارضة لا زال معلقا، وعنصر انعدام الثقة هو السائد بين الطرفين.
وربما في خطوة منها لتبرير العجز داخليا، تردد المعارضة بأن عدم تقديم نفسها بقوة خلال هذه المرحلة، وترك الساحة نهبا لاصحاب المشاريع الصغيرة، حكمة منها، وانه يجب ان ندع هذه السلطة تموت بأخطائها.




