[esi views ttl="1"]
رئيسية

وثائق ندوة "الوحدة اليمنية.. أبعاد التاريخ والمستقبل" بجامعة إب

أوصت ندوة "الوحدة اليمنية.. أبعاد التاريخ والمستقبل" المنعقدة بجامعة إب، جنوب غرب اليمن ، بضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية بتثبيت أسسها وتمتين قواعدها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال التمسك بالتنمية الشاملة، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وتطوير النظام التربوي والعناية بالشباب وبالمرأة.

وأكدت الندوة على أهمية التمسك بالمنهج الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية والحياة البرلمانية والقيام بالإصلاحات الديمقراطية المستمرة كآلية عمل لبناء المجتمع كضمانات أساسية للحفاظ على الوحدة اليمنية.

وكانت الندوة قد ناقشت جملة من الموضوعات المتصلة بتاريخ ومستقبل الوحدة اليمنية، حيث استعرض الدكتور ناجي يحيى الصفاري تاريخ الوحدة اليمنية في التاريخ القديم، وناقش الأستاذ الدكتور عبدالوهاب آدم العقاب خطوات إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بعد قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وفيما تناول الأستاذ الدكتور/ محمد الأدهمي الأبعاد الوطنية والقومية للوحدة اليمنية فقد تطرق الدكتور مصعب الراوي إلى المخاطر التي تواجه الوحدة وسبل الانتصار عليها.

ومن جانبه قدم الدكتور محمد فاضل الفقيه رؤية أولية لإشكالية الداخل والخارج في المشهد اليمني، وعرض الدكتور فؤاد البعداني رؤية موجزة عن ضمانات حماية الوحدة، وفيما استعرض الباحث/ بشير عبدالكريم جملة من منجزات الوحدة فقد ناقش الباحث فكري الرعدي الموقف العربي والدولي من الوحدة اليمنية..

وقد رفع المشاركون في الندوة برقية شكر إلى فخامة المشير علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية عبروا فيها عن تهانيهم الحارة بالعيد الوطني التاسع عشر للجمهورية اليمنية، مؤكدين مساندتهم المطلقة لكافة قراراته الحكيمة التي تستهدف حماية السيادة الوطنية والحفاظ على الوحدة اليمنية.

هذا وقد حضر الندوة الأستاذ الدكتور عبدالشافي صديق محمد عميد كلية الآداب، والدكتور عبدالله الزرقة مدير أمن جامعة إب، وعدد من أعضاء هيئة التدريس وطلاب وطالبات كلية الآداب والمهتمين.

"نشوان نيوز" سوف ينشر النص الكامل لأوراق الندوة..

أعد المادة للنشر/ فكري الرعدي

الوحدة اليمنية في التاريخ القديم

الدكتور/ ناجي يحيى الصفاري كلية الآداب بجامعة إب

مثل قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 حدثاً تاريخياً كبيراً في حياة الشعب اليمني في تاريخه المعاصر، لكونه انجاز مهمة وطنية كبرى ناضل من أجل تحقيقها طويلاً، امتدت إلى عقود متعددة من الزمن، حيث تمكن من الإجهاز على التمزق والتفتت والتشطير والقضاء عليها.

وقد شكلت ثورة 22 مايو 1990 المرحلة الثالثة من مراحل الثورة اليمنية، بما تمثله من نقلة ثورية وحضارية كبرى على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية لشعبنا.

وعلى الرغم من عهدها القريب، إلا أنها ارتكزت على قاعدة شعبية عريضة وموروث نضالي كبير يعود إلى قرون عديدة من تاريخ اليمن القديم، أي حينما كانت اليمن تعج بتجمعات سكانية متفرقة قامت على أساس قبلي وكانت تسمى ممالك، [أي ممالك قبائل]، وقد كانت تلك الوضعية نتاجاً للأحوال والظروف الطبيعية للبلاد وتضاريسها.

وكان يحكم معظم تلك التجمعات، إن لم يكن كل واحدة منها في مراحلها المبكرة حاكم محلي، وكان يلقب بلقب ملك.

ومع تضخم وزيادة قوة بعض تلك التجمعات القبلية [الممالك] كما حدث لسبأ مثلاً التي تمكنت من إخضاع التجمعات أو القبائل الصغيرة وملوكها، وهكذا ظهرت الكيانات السياسية الأكبر في تاريخ اليمن القديم، وكان ظهور تلك الكيانات نتيجة حتمية لعملية التطور التاريخي ومنطقها، والتي أدت إلى توحيد ممالك القبائل في إطار كيان سياسي أكبر، وظهرت نتيجة لذلك دولة سبأ وقتبان وحضرموت ومعين وأوسان.

ومع النجاح الذي تحقق والمتمثل في بروز كيانات سياسية كبيرة في اليمن، إلا أن هدف إقامة كيان سياسي مركزي واحد لليمن كله، ظل هدفاً ومهمة أساسية تحضى بأولوية سياسية كانت تسعى إلى تحقيقها كل دولة من الدول المذكورة أعلاه.

وبعد حروب كرب إيل وتر [الملك المكرب] السبئي الشهير، وتمكنه من القضاء على دولة أوسان بعد أن تكون تحالف أو حلف عسكري شمل [سبأ وحضرموت وقتبان] قد أدى إلى حدوث تطور في أشكال النظم السياسية في الدول المتحالفة يحث تم إسناد الصلاحيات الواسعة لرئيس الدولة ممثلاً بالملك.

واعتباراً من القرن الثاني وحتى نهاية القرن الثالث الميلادي شهدت المنطقة اليمنية صراعاً عسكرياً عنيفاً شمل دولة سبأ على مستواها الداخلي من جهة، وكذلك صراعاً بين سبأ وحمير، وصراعاً بين حضرموت وقتبان من جهة أخرى، بالإضافة إلى مواجهة القوى الأجنبية مثل الرومان والأحباش.

وقد أصبح ذلك الصراع العسكري العنيف طابعاً للفترة كلها، وازداد حدة وتشعب بصورة مذهلة، وأصبح الكل ضد الكل، وقد استمرت هذه الحالة حتى تم توحيد دولة سبأ وحمير [ذو ريدان] والتي تمت بشكل نهائي وعلى أسس سلمية تحت قيادة ياسر يهنعم وابنه شمر يهرعش في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي، أي في حوالي عام 275 م تقريباً حيث يفهم من نقش موسوم [إرياني 14] من أن أصحاب النقش وهم ياسر يهنعم وابنه شمر يهرعش ملكي سبأ وذي ريدان يتحدثان فيه عن تقديمهما القربان للإله ألمقه تهوان بعل أوام، حمداً له لكونه أوفاهما بكل التوقعات الحسنة التي كانا قد علقاها عليه بمناسبة انطلاقهما من القصر [ريدان] في مدينة ظفار إلى مأرب لتسلم العرش في القصر [سلحين] الذي كان يعتبر رمز وحركة الدولة السبئية، كما طلب الملكان من الإله ألمقه دوام سلامة وصحة أسياد قصورهما سلحين وريدان.

وقد تم ذلك التوحيد في عهد الملك السبئي نشأ كرب يهامن يهرحب الثاني، وبذلك الخطوة الكبيرة والهامة اختتمت مرحلة من مراحل التاريخ اليمني القديم حيث تحققت بالفعل صفة اللقب المزدوج [ملك سبأ وذي ريدان] بصورة نهائية وقاطعة، وبالتالي انتهت مدينة مأرب كعاصمة سياسية لسبأ وحلت محلها مدينة ظفار.

وبعد أن تمت عملية التوحيد للكيانين السبئي والريداني، بدأ شمر يهرعش بالتطلع إلى حضرموت بعد إنفراده بالحكم، وذلك لكون دولة حضرموت كانت هي الدولة الوحيدة التي لازالت قائمة في المنطقة اليمنية إلى جانب دولته.

وقد تمكن شمر يهرعش بالفعل من ضم حضرموت إليه عام 294م، في عهد الملك الحضرمي [يدع أب غيلان]، وبتلك الخطوة اتخذ شمر يهرعش اللقب المركب [ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة]، وكانت عملية ضم حضرموت تعتبر بمثابة شهادة الميلاد لدولة التبابعة الشهيرة التي وحدت اليمن كله في كيان سياسي مركزي واحد.

وبعد استكمال خطوة ضم حضرموت تواصل النهج الوحدوي للتبابعة حتى تمكنوا من ضم تهامة والمرتفعات في عهد أبا كرب أسعد، وعند ذلك أصبح اللقب الملكي هو [ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة وأعرابهم في الطود وتهامة].

وعلى العموم كانت عملية توحيد اليمن كله في إطار كيان سياسي واحد قد استغرقت فترة طويلة من الزمن نشبت فيها صراعات وحروب متعددة ومتشعبة سميت بحروب الثلاث مئة عام.

وقد استمرت الدولة اليمنية الموحدة [دولة حمير] فترة زمنية شملت القرن الرابع والقرن الخامس الميلاديين، ومع نهاية القرن الخامس الميلادي وبداية القرن السادس الميلادي بدأت عوامل الضعف والتفكك تدب في جسد الدولة الموحدة مما أدى إلى انهيارها، وقد تم ذلك بفعل عوامل سياسية واقتصادية وصراعات دينية متعددة.

خطوات إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بعد قيام الثورة

أ.د/ عبدالوهاب آدم العقاب. الأستاذ المشارك بقسم التاريخ بجامعة إب

مقدمات المسار التاريخي للوحدة اليمنية 1967 1972.

إعادة الوحدة اليمنية وليدة فكرة تنظيمية متعددة الاتجاهات الفكرية الوحدوية..والسؤال الذي يفرض نفسه؛ كيف اتجه نظامي صنعاء وعدن إلى التفكير بإعادة الوحدة اليمنية؟ ..نلاحظ أنه عندما غادر المحتل البريطاني "عدن" في أواخر نوفمبر 1967، تشكلت أول حكومة للجبهة القومية، وضمت الحكومة في تشكيلها، وزارة الثقافة والإرشاد وشؤون الوحدة اليمنية، وكان يقابلها في صنعاء وزارة شؤون الوحدة، وكانت حكومة الإرياني تعاني من هجمات القوات القبلية المساندة للنظام الملكي بدعم سعودي مما دفع الجبهة القومية إلى إرسال قوات مقاتلة لمساندة صنعاء في حروبها القبلية، والتحقت القوات الشبابية الجنوبية بالقوات الشمالية، وناضلوا جميعاً في خندق واحد، وحتى تم فك حصار صنعاء الذي استمر سبعون يوماً.

ومن الملاحظ أنه في شهر فبراير 1969 أصدرت وزارة خارجية صنعاء، بياناً تضمن مسألة الوحدة اليمنية، وضرورة إعادتها، كان ذلك رداً على تصعيد عسكري ترعاه اليمن الجنوبية ضد حكومة صنعاء، نتيجة مذبحة أغسطس 1968 التي أقيمت في صنعاء، وتصفية بعض الرموز الشبابية التي ناضلت من أجل صنعاء.

وكان البيان ينبئ بحدة السلوك الذي اتجهت إليه حكومة عدن، وأن حكومة صنعاء سلكت كل الطرق لإرضاء حكومة عدن، وأبرز ما تناوله البيان هو أن حكومة صنعاء قدمت اقتراحاً يقضي بأن يكون للأمم المتحدة ممثل واحد في شطري اليمن، وتكون بعثة الخبراء والتطوير التابعة للأمم المتحدة واحدة، ومن أجل التخطيط الاقتصادي لليمن الواحد يتم استحضار لجنة اقتصادية من الأمم المتحدة، وإنشاء فرع في عدن للبنك المركزي اليمني بدلاً من أن يظل الاقتصاد هناك حكراً على بيوت أجنبية، والبدء في توحيد المصالح والمؤسسات، وكذلك إقامة مؤتمر وطني يضم ممثلين عن الشطرين تنبثق عنه حكومة ومجلس وطني تشريعي واحد.

ويضيف البيان أن حكومة عدن حاولت خلق معارك جانبية واستفزازات، والالتجاء إلى سياسة التسويف والمزايدات، حيث قامت بغزو مسورة وقتل المواطنين وهدم البيوت وسلب الأموال، واعتقال المواطنين وسجنهم، كل ذلك من أجل تعميق الانفصال، وخلق الخلافات وافتعال المعارك، ويبدو أن مسألة القبول بالوحدة كانت غير منطقية على اعتبار أن الطرح في ذلك الحين لم يمر عبر قنوات شعبية، وإجراء حوار بين جميع الفئات والقوى الوطنية، وإذا كانت تلك الاقتراحات قد قدمت للشطر الجنوبي من اليمن في ذلك الحين كمشروع وحدوي، فإن الضرورة تقتضي دراسة كل ما طرح من مقترحات وتناول جميع الآراء، واستنتاج ما يلزم الاتفاق عليه وفق آلية مشتركة وخطط مبرمجة.

ورداً على بيان صنعاء، أصدرت حكومة عدن بياناً في فبراير 1969 جاء فيه: إن حكومة عدن والمسؤولين فيها تعمل من أجل تحقيق الوحدة اليمنية، واعتبار الوحدة مطلباً أساسياً وهدفاً من أهداف الشعب اليمني، وعبّر البيان عن ترحيب حكومة عدن باستكمال الوحدة على أسس ومضامين سليمة، وأن لن يستفيد من جر شطري اليمن إلى الصدام إلا أعداء الشعب اليمني وفي مقدمتهم القوى الرجعية والإمبريالية والاستعمار، وأن حكومة عدن لن تنجر إلى مهاترات ومعارك كلامية أو غيرها قد تدفع بها أجهزة الإعلام في الدول المعادية لليمن بشطريه، وأنه ليس هناك شك في أن الظروف التي يمر بها شعبنا اليمني في الشمال والجنوب تتطلب اليقظة تجاه المخططات والمؤامرات التي تحاك ضد أماني الشعب وأهدافه في التحرر والاشتراكية والوحدة.

وفي العاشر من أبريل 1969 أكد البيان الوزاري لحكومة الفريق حسن العمري في صنعاء، على أن قضية إعادة الوحدة بين شطري اليمن اتجهت نحو إعادة النظر في تغيير الدستور في الشمال، والذي منح السلطة التشريعية حق مراقبة الحكومة وتسييرها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة من العام 1968 والأولى من العام 1969 عدة أحداث دامية بين حدود الشطرين داخل أراضي اليمن الشمالي، وكانت اتهامات صنعاء الموجهة إلى قحطان الشعبي رئيس اليمن الجنوبي بأنه يعمل على الزحف نحو صنعاء، وجمعت صنعاء كل النازحين الجنوبيين رداً على عناصر المقاومة والمسرحين من الجيش، والذين تدفعهم اليمن الجنوبية بعمليات انتقامية على شكل حرب العصابات، وسقطت الوديعة من أراضي اليمن الجنوبي بيد المملكة السعودية في معركة فاشلة، بعد أن تحصلت على منطقة الشرورة عام 1961 هدية من حكومة الاحتلال البريطاني بعدن، وبالتالي السعودية التهمت أهم منطقتين بتروليتين في شمال جنوب اليمن، إضافة إلى إقليم عسير ونجران الذي تقدر مساحته بـ250 ألف كيلو متر مربع، وسقط قحطان الشعبي عام 1969، وابتهجت صنعاء لسقوط الشعبي وسميت تلك الحركة بالحركة التصحيحية، وعلى إثر استيلاء الجناح اليساري على السلطة بعد تصفية قحطان الشعبي ورفاقه، بدأت مرحلة المصالحة بين حكومتي صنعاء وعدن.

وفي أواخر نوفمبر 1970 قام رئيس اليمن الجنوبي بزيارة رسمية لليمن الشمالي، والتقى برئيس اليمن الشمالي في مدينة تعز، واتفق الطرفان على البدء في اتخاذ إجراءات وحدوية على شكل اتحاد فيدرالي يجمع بين دولتين، وفي الأول من ديسمبر 1970 تم تغيير تسمية اليمن الجنوبي إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وأعلن سالم ربيع علي رئيساً لمجلس الرئاسة في بيان وجهه للشعب، بأن هذا التغيير جاء استجابة للإرادة الشعبية، وأن هذه التسمية الجديدة الخالية من أية نظرة تثبت التجزئة وإنما تؤكد على يمنية المنطقة.

وتدهورت العلاقات بين شطري اليمن نتيجة للسياسات الغير متوافقة أيديولوجياً فعلى الرغم من اتفاق تعز يومي 25و26 نوفمبر 1970 بين قيادتي الشطرين على أساس البدء على إقامة اتحاد فيدرالي بين حكومتي عدن وصنعاء، إلا أن إطلالة عام 1971 شهدت توتراً في الموقف من جديد حيث استقبل اليمن الشمالي شخصيات معارضة من اليمن الجنوبي، وفي نفس الوقت استقبل اليمن الجنوبي عناصر معارضة من الشمال، بسبب ما قام به شطرا البلدين من تصفية للعناصر المناوئة لكل منهما والتي لم يكن من المقبول بقاؤها في الداخل، لذلك عمد كل من النظامين إلى تطهير عناصره إيثاراً وإرضاءً لأنظمة خارجية لا تقر فاعلية هذه العناصر وبقائها.

وأخذت ممارسات الحرب الإعلامية في التصاعد مع إعلان كل من صنعاء وعدن تبعية أجزاء معينة من منطقة حريب، وتفجر الموقف في صدام مسلح بين شطرين، على مناطق حدودية منذ بداية شهر فبراير وحتى نهاية مارس 1972، واتسع نطاقها أيضاً في سبتمبر من العام نفسه.
وفي سبتمبر 1972 انعقد مجلس الجامعة العربية في دورته العادية فتقدمت الجمهورية العربية اليمنية إلى مجلس الجامعة بشكوى للنظر في الموقف الناتج عن تدهور العلاقات بين الدولتين العربيتين، باعتبار أن كلاً منهما عضو من مجلس الجامعة العربية، وأصدر المجلس توصيته بأن يقوم الأمين العام مع لجنة خاصة مكونة من ممثلي "الجزائر، سوريا، الكويت، ليبيا، ومصر" من أجل تحقيق المصالحة بين الدولتين اليمنيتين، وتسوية خلافاتهما حول مناطق الحدود، وتم تشكيل لجنة مكونة من وزارة خارجية الدول العربية الخمس المذكورة، وبرئاسة الأمين العام للجامعة العربية، واجتمعت هذه اللجنة في نيويورك أثناء انعقاد الدورة السابعة والثلاثين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي الرابع من أكتوبر 1972 استمعت اللجنة إلى المذكرات المقدمة من وزيري خارجية شطري اليمن، ومن ثم دعت اللجنة الحكومتين المتنازعتين إلى الإسراع بوقف إطلاق النار وسحب كل منهما قواتها إلى وراء المناطق الحدودية ودعت اللجنة إلى قيام ممثلين عن الجامعة العربية بزيارة منطقة النزاع كخطوة أولى لتسوية الخلاف.

وفي صنعاء؛ صرح رئيس الوزراء محسن العيني، بقوله: إننا نعتبر الجنوب والشمال دولة واحدة، وإذا كانت الظروف قد جعلت من اليمن حكومتين، فإننا نرجو أن تكلل جهود المخلصين من أبناء اليمن في الشطرين لإعادة الوحدة الطبيعية التي هي هدف كل يمني ونحن أحرص ما نكون على التعاون والتنسيق في كل مجال مع الجنوب، بل ونذهب في ذلك إلى أبعد مدى يذهب إليه الإخوة في الجنوب، وسنبذل كل جهد وسنرحب بكل مسعى فيه خير ومصلحة للشعب اليمني الواحد.

وأعلنت حكومة عدن موقفها على لسان وزير خارجيتها، محمد صالح العولقي، الذي طالب بضرورة عقد لقاء بين الجانبين لمعالجة المشاكل المشتركة، وكانت تصفية كل معسكرات التدريب في اليمن الشمال، وسحب كل جانب قواته المسلحة من الحدود، وإعادة التجارة بين البلدين إلى ما كانت عليه، وعدم السماح بأي نشاط سياسي لأي تنظيمات تعمل من داخل اليمن ضد اليمن الديمقراطي، والسير في طريق الوحدة اليمنية.
وفي الثالث عشر من أكتوبر من نفس العام، أصدرت لجنة التوفيق العربية بياناً رصد فيه ما قامت به اللجنة أثناء زيارتها لكل من جمهوريتي اليمن ومدى استجابة البلدين لقرارات اللجنة ودعت إلى استشعار المسؤولية لقادة البلدين الشقيقين تجاه الأمة العربية التي تؤمن بوحدة التراب اليمني وطالبت اللجنة باستمرار وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العسكرية نهائياً ووقف الحملات الإعلامية وكذلك انسحاب قوات الجانبين إلى ما وراء الحدود، ومنع أية حشود عسكرية قد تؤدي إلى تجديد الاشتباكات.

في أعقاب ذلك تبلور الموقف عن تقديم مقترحات كمشروع للوحدة اليمنية، وتقدم الشطران بمشروعين، ففي أواخر أكتوبر 1972 ناقش المشروع الجنوبي مسألة الوحدة اليمنية، على اعتبار أنها مطلب جماهيري وقضية مصيرية للشعب اليمني، ويرى المشروع أن التجزئة مرفوضة مهما كانت وتحت أي اسم لأنها المدخل الأساسي لشل حركة التقدم في الوطن كله، فالوحدة ليست أمل بقدر ما تكون قضية حضارية وخطوة أولى نحو الوحدة العربية كلها، ومن حيث المبدأ لابد من توحيد أراضي اليمن كلها من عسير حتى المحافظة السادسة من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في دولة واحدة أساسها الحرية والعدالة.

ويضيف المشروع أن إيمان حكومة عدن بالوحدة جعلها تلغي قانون الجنسية القديم، وتقوم بتوحيد الجنسية اليمنية، وحدد المشروع الفترة الانتقالية من أجل تهيئة الظروف المناسبة لشعب اليمن في ممارسة حقه الديمقراطي في زل حريات عامة، وناقش المشروع الإجراءات التفصيلية في مسألة اللجان الأساسية والفرعية التي يوكل لها المهام الإجرائية الدستورية والتشريعية مع توحيد المؤسسة العسكرية وتأسيس منظمات سياسية ونقابية ومهنية وتوحيد السياسة التعليمية والصحية والثقافية، وتوجيه الشعب نحو تحقيق الوحدة اليمنية.

وناقش المشروع المقدم من حكومة صنعاء قضية اندماج الكيانين في كيان واحد، أي دولة يمنية واحدة ذات علم واحد مع دمج كل المؤسسات ببعضها كالجيش والأمن والسلطة التشريعية والتنفيذية في إطار واحد، وكذلك دمج المؤسسات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والخدمات، والأخذ بمبدأ الديمقراطية الواسعة وبالوسائل العملية لتحقيق الوحدة على أن تكون لجان مشتركة لدراسة توحيد الكيانات القائمة وتشكل لجان متعددة كل لجنة لها مهام مؤسسية تعمل بانتظام مع الجهة المعنية حتى تنتهي من مهامها كاللجنة الدستورية واللجنة الاقتصادية وغيرها وحدد عمل اللجان بفترة زمنية لا تزيد عن ستة أشهر، ويعهد بإدارة الأعمال في البلاد من كلا الشطرين إلى حكومة مؤقتة ووفقاً للآتي:

تعليق الدستور، واعتبار كل حكومة مستقلة، وتشكل حكومة انتقالية، ومن ثم يتم الإعداد للاستفتاء على الدستور من قبل الشعب تحت إشراف الجامعة العربية.

في الثاني والعشرين من أكتوبر 1972 أصدرت لجنة التوفيق العربية بياناً يقضي باتفاق وحدوي بين شطري اليمن، وعقد رئيساً وزراء شطري اليمن اجتماعاً موسعاً تحت سقف الجامعة العربية وبحضور أعضاء لجنة التوفيق العربية، ناقشا خلال اجتماعها الحيثيات التي تبنى عليها قضية الوحدة اليمنية، واتفق الجانبان على الآتي:

على أن الوحدة اليمنية هي حاجة أساسية لتوطيد دعائم الاستقلال السياسي وبناء اقتصاد وطني مستقل، وهي ضرورة قومية كونها تشكل خطوة جادة نحو تحقيق وحدة الأمة العربية كلها، وعملاً بأحكام المادة [9] من ميثاق جامعة الدول العربية فقد اتفقت الحكومتان على قيام دولة موحدة تجمع شطري اليمن شماله وجنوبه، تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد، وقيام دولة يمنية واحدة، يكون للدولة الجديدة علم واحد وشعار واحد وعاصمة واحدة وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، ويكون نظام الحكم في الدولة الجديدة نظام جمهوري وطني ديمقراطي، ويضمن دستور دولة الوحدة جميع الحريات الشخصية والسياسية والعامة للجماهير كافة، وتضمن دولة الوحدة جميع المكاسب التي حققتها ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر قمة لحكومتي الشطرين للنظر في الإجراءات الفورية لإتمام الوحدة، وتم الاتفاق على تسمية اللجان الفنية المشتركة من عدد متساوي من ممثلي الدولتين لتوحيد الأنظمة والتشريعات القائمة في كل منهما، وفي حالة موافقة الشعب على الدستور يمكن قيام الدولة الجديدة ويتم العمل بأحكام الدستور الجديد فور إقراره.

وفي الفترة من 2628 نوفمبر 1972 انعقد اجتماع قمة في طرابلس بين رئيسي شطري اليمن، وانضم إليهما العقيد القذافي، واتفقا الرئيسان على ضرورة الإسراع في تنفيذ اتفاقية الوحدة التي عقدت في القاهرة في أواخر أكتوبر من نفس العام واتفقا على الآتي:

1) أن يقيم الشعب العربي في اليمن دولة واحدة تسمى "الجمهورية اليمنية" وعلم واحد.
2) أن تكون صنعاء عاصمة للجمهورية اليمنية.
3) تعتبر اللغة العربية اللغة الرسمية للجمهورية اليمنية.
4) تهدف الدولة إلى تحقيق الاشتراكية العربية القائمة على العدالة الاجتماعية.
5) أشار البيان إلى الاتفاق بين الجانبين على أن يكون النظام وطني ديمقراطي، على أن ينشأ تنظيم سياسي موحد.
6) تشكل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي للتنظيم السياسي ولوائحه.

وفي نهاية الاجتماع اتفق الرئيسان على تشكيل لجان مشتركة تنفيذاً للمادة [6] من اتفاقية القاهرة، وهي لجنة الشؤون الدستورية، ولجنة الشؤون الخارجية، الاقتصادية، المالية، التشريعية،
القضائية، والتربية والثقافة والإعلام والشؤون العسكرية والصحة والإدارة والمرافق العامة.

مما سبق نلاحظ أن هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ النضال الوحدوي قد أسس المرجعية الفعلية للوحدة الاندماجية التي تمت عام 1990.
والله ولي التوفيق.

الوحدة اليمنية حتمية تاريخية ومواجهة مصيرية

أ.د/مصعب حسون الراوي

العرب أمة واحدة في النسب واللغة والأرض والتاريخ والثقافة، ثم أتم الله نعمته على هذه الأمة بالإسلام فتعززت وحدتهم ، وقويت شوكتهم، وبنوا دولتهم ، ونهضوا برسالتهم لتنير وجه الإنسانية، إلا أن الأعداء والسياسة كانوا السبب في فرقتهم، وتمزق دولتهم المركزية إلى دويلات وكيانات، وشواهد التاريخ على ذلك أكثر من أن تحصى، فيما ظل أبناء الأمة، بوصفهم أصحاب المصلحة الحقيقية بوحدتها، يجاهدون السياسة المفرقة، والأعداء، من أجل استعادة تلك الوحدة كلاً أو جزءاً .

ولأن المجال لا يتسع في مثل هذا المقال الموجز لاستعراض شواهد التاريخ القديم والوسيط مما يتصل بعوامل وحدة الأمة ومظاهرها، وبمؤثرات الفرقة والتشرذم والتمزق وآثارها، فسأكتفي بالحديث عما يتصل بأوضاع العرب بعيد انهيار الدولة العثمانية وما تبعه من توسع استعماري للغرب تمثل في تجزئة الوطن العربي على وفق اتفاقية سايكس بيكو، واغتصاب فلسطين وإعطائها لليهود ليقيموا عليه دولتهم المسخ على وفق وعد بلفور المشؤوم.

لقد قسم الوطن العربي بضوء تلك السياسة الاستعمارية إلى دويلات قطرية ورسمت لها حدود وهمية لتكون حائلا أمام وحدة الأمة وتوحدها، غير أن روح التوحد المعبرة عن أصالة هذه الأمة والمجسدة لحقيقة وجودها التاريخي ظلت المحرك الأكثر تأثيراً وأهمية في نضالها ضد التخلف والاستعمار والتجزئة، وهكذا فقد شهدت الساحة القومية منذ منتصف القرن الماضي ظهور مشاريع وتجارب وحدوية نظرت لها الأمة على أنها تعبير أصيل عن هذا التطلع المشروع لاستعادة الكيان القومي الموحد، أو بناء نواة وحدوية يمكن أن تكون بؤرة استقطاب قومي لتوحيد العرب، فكانت وحدة مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة) عام 1958، وهي أول تجربة وحدوية قومية في تاريخ العرب الحديث، غير أن هذه التجربة تعرضت للانتكاس والفشل وحلت جريمة الانفصال التي أعادت العرب إلى المربع الأول .

وبعد فشل وحدة مصر وسوريا طرحت مشاريع وحدوية كثيرة في مشرق الوطن العربي وفي مغربه، في هلاله الخصيب وفي خليجه العربي، بعضها يرتبط بتوجه قومي وحدوي تاريخي أصيل، وبعضها يرتبط بتوجه تكتلي سياسي أو اقتصادي يحاكي ما يشهده العالم المعاصر من تكتلات اقتصادية مثل السوق الأوربية المشتركة، أو تكتلات سياسية إقليمية مثل منظمة الوحدة الأفريقية، لكن هذه المشاريع والتجارب العربية للوحدة والتكتل ذهبت أدراج الرياح، وكان نصيبها الفشل، لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها في مثل هذا المقال .

ولم تكن اليمن، وهي موضوع مقالتنا هذه، بمعزل عن هذا التطلع القومي المشروع نحو التحرر والاستقلال والوحدة، فتاريخها السياسي الحديث يشير إلى احتلال بريطانيا لجزئها الجنوبي، فيما كان الجزء الشمالي يرزح تحت جبروت نظام رجعي محلي تمكن أبناء اليمن الأشاوس من التخلص منه في عمل ثوري رائد في 26 سبتمبر 1962، وجهاد بطولي في الدفاع عن الثورة ومكاسبها ونظامها الجمهوري، وكان لهذا الانتصار صداه في نضال الشعب اليمني من أجل تحرير الجزء المحتل من أرضه فكانت ثورة 14 أكتوبر، ومن ثم انتصار 30 نوفمبر، وصولا إلى بزوغ فجر الوحدة في 22 مايو 1990، فاكتملت حرية الوطن، واستعاد الشعب اليمني وجوده التاريخي الموحد .

من هنا يصح القول إن نضال شعبنا اليمني من أجل وحدة اليمن إنما هو تعبير أصيل عن حتمية تاريخية ترتبط بالأرض والإنسان، وهي في الوقت نفسه تطلع مشروع نحو الرقي والتقدم، ذلك أن الوحدة تمثل وكما قال الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، (ترجمة لأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر)، بل هي، ومن وجهة نظر المشروع القومي الوحدوي التحرري، تمثل آخر التجارب الوحدوية العربية الحديثة، وتعبر عن تطلع الأمة المشروع نحو هدفها التاريخي الخالد.

ولأن الأعداء لا يرتضون لهذه الأمة أي شكل من أشكال التوحد، ولأن الأمة تعيش حالة قلق، بل خوف دائم على التجارب الوحدوية الحديثة يصل إلى حد الفزع بعد سلسلة التجارب الفاشلة للمشاريع الوحدوية، وبعد الذي منيت به المشاريع والتجارب السابقة، فقد مثلت الوحدة اليمنية في قيامها ومسارها بؤرة صراع وترقب وأمل. فهي بؤرة صراع مع الأعداء أيا كان وصفهم، وهي بؤرة ترقب من أهلها وأعدائها على حد سواء لنتائج هذا الصراع مرحلياً واستراتيجياً، وهي بؤرة أمل حقيقي لأبناء اليمن والأمة في أن تكون هذه الوحدة نواة توحد الأمة، ومنطلق استعادة مجدها الحضاري .

والوحدة اليمنية على وفق هذا الفهم تحول تاريخي لمسار الصراع ضد قوى الشر والتخلف والتشرذم، ولهذا فهي كما وصفها الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، نصره الله، (ثمرة وطنية غالية لنضال شعبنا وتضحيات شهدائه الأبرار)، ولأنها كذلك فقد غدت في وجهها الوطني تعبيراً عن مواجهة مصيرية بين اليمن وأعدائه، كما غدت في وجهها القومي تعبيراً عن الصراع بين الأمة وأعدائها، ولهذا الصراع أوجه وأبعاد أساسية نوجزها فيما يأتي:

البعد الأول: البعد السياسي المحلي:

لقد خلقت الوحدة اليمنية ومسيرتها الظافرة واقعاً سياسياً جديداً في التاريخ اليمني المعاصر تمثل في التفاف جماهير الشعب وراء القيادة السياسية التي صنعت الوحدة وحافظت عليها بوصفها مكسباً عظيماً للشعب اليمني وصفه الأخ الرئيس علي عبد الله صالح بأنه (عنوان عزة وكرامة وقوة شعبنا ومستقبل أجياله)، وهذا هو الذي أثار ويثير حقد شراذم من مخلفات التشطير فراحت تتآمر على الوحدة وقيادتها التاريخية مرة تحت شعارات طائفية مذهبية، ومرة تحت شعارات مناطقية أو جهوية، ومرة تحت شعارات سياسية وإعلانية تظهر، في نفاق سياسي وفكري، الحرص على الوحدة، وتبطن العداء لها والسعي المحموم للنيل منها، وبذلك يكون النضال ضد هذه الشراذم، وفضحها وعزلها، نضالاً وطنياً من أجل اليمن مجسداً في وحدته الجغرافية والسياسية، وتمسكاً بهذه الوحدة ومحافظة عليها لتحقق أهدافها المرحلية والإستراتيجية.

البعد الثاني: البعد السياسي الإقليمي والدولي:

لقد خلقت الوحدة اليمنية كياناً وطنياً وسياسياً موحداً في إطار منطقة تتطلع إلى التوحد والنهوض، وهي في الوقت نفسه تمثل موقعاً جغرافياً واقتصادياً مهماً، بل هي من أكثر مناطق العالم حيوية وتأثيراً في مجريات صراع الأيدلوجيات والقوى السياسية الدولية وتكتلاتها الكبرى، ولأن هذه القوى الوريثة للاستعمار القديم لا ترضى بوجود مثل هذه الكيانات الوحدوية التي تعزز الوطن، وتبني نواة فاعلة لوحدة الأمة وتحررها ونهضتها، فهي تسعى ليل نهار في تآمر محموم متعدد الاتجاهات والمسارات للنيل من هذه الوحدة لضمان سيطرتها على المنطقة، وتحقيق ما يسمى بأمن الكيان الصهيوني، الذي يعني تفوق هذا الكيان وهيمنته على مقدرات المنطقة، فيما يكون الدفاع عن الوحدة اليمنية، والحفاظ عليها، ودفع مسيرتها نحو تحقيق أهدافها كاملة، مظهراً معبراً عن انتصار إرادة الأمة في هذه المواجهة المصيرية الحاسمة، وشرطاً من شروط ديمومة نضالها من أجل التحرر والوحدة والتقدم الحضاري.

البعد الثالث: البعد الاقتصادي:

لا خلاف في أن عالم اليوم هو عالم التكتلات الاقتصادية الكبرى والشركات الدولية العملاقة، وهذا يعني أن المكونات الاقتصادية الصغيرة في عالم اليوم ليست إلا حراشف من السمك الصغير التي يسهل ابتلاعها من هذه الحيتان الضخمة، وهذا ما دفع الكثير من المكونات الجغرافية الإقليمية لتكوين كتل اقتصادية تكون قادرة على التعامل مع حقائق الاقتصاد العالمي المعاصر .

ومع أن العرب من أكثر أمم الأرض حاجة لمثل هذا التكتل الاقتصادي، ومن أكثرها تأهيلا لإقامته، لما تمتلكه الأمة من مقومات بناء هذا التكتل في السكان والثروات والموقع الجغرافي إلا أن واقع العرب اليوم لا يبشر بظهور مثل هذا التكتل رغم مضي عقود طويلة على طرح مشروع السوق العربية المشتركة، ولهذا فإن اشتراطات ديمومة البقاء الاقتصادي للمنطقة عموماً، ولبعض أقطارها على وجه الخصوص، تستوجب قيام كيانات اقتصادية في أطر أقل شمولاً من الإطار القومي لكنها يجب أن تصب في مجرى إقامة التكتل الاقتصادي القومي، وهذا ما تمثله الوحدة اليمنية في بعدها الاقتصادي، إذ إن ما يمتلكه اليمن الموحد من مظاهر التكتل الاقتصادي القابل للنمو، ولموقعه الإستراتيجي الإقليمي والدولي، كفيل ببناء نواة اقتصادية ستكون بإذن الله قادرة على التأثير الإيجابي لبناء تكتل اقتصادي على مستوى الخليج العربي أو على صعيد دول المشرق العربي، بل سيمتد تأثيره ومداه ليضم الدول الأفريقية العربية المحاددة للبحر الأحمر.
وبذلك تكون الوحدة اليمنية خلقاً لظروف إقليمية تخدم الوطن والأمة، وتؤمن الممكن من المكاسب الاقتصادية لصالح الشعب اليمني ولصالح الأمة على المدى الإستراتيجي، وإن التآمر على هذا الكيان الوحدوي إنما هو تآمر على تطلع المشروع لليمن وللأمة على حد سواء نحو بناء النفس في عالم التكتلات الاقتصادية، فيما يكون الحفاظ على هذه الوحدة التاريخية منطلقاً لاقتدار اقتصادي واعد يمكن اليمن من أداء رسالته على مستوى الأمة والمنطقة والعالم، إلى جانب ما سيتحقق للشعب اليمني أولاً وللأمة ثانياً من مكاسب اقتصادية عظيمة تكفل الرقي والازدهار، وإن مقارنة بسيطة بين واقع الاقتصاد اليمني في ظل التجزئة والتشطير وواقعه اليوم في ظل مسيرة الوحدة كفيلة بإدراك ما للوحدة من أثر عظيم على رقي اليمن وازدهاره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي .

واليوم إذ تحل ذكرى هذه الوحدة المباركة في ظل تصعيد محموم لمظاهر التآمر عليها بشعارات ومسميات مختلفة هي في المآل النهائي تنطوي تحت وصف العداء السافر لمصالح الشعب وإرادته في بناء مستقبله الزاهر، يكون من أقدس معاني الاحتفال بهذه المناسبة التاريخية الخالدة أن يزداد إصرار الشعب والقيادة على التمسك بالوحدة بوصفها الخيار الوطني الوحيد لبناء حاضر اليمن ومستقبله، وما يعنيه هذا الإصرار من التزام واع باليمن أرضاً وتاريخاً، حاضراً ومستقبلاً، قيادة وشعباً، وأن ما يحصل هنا أو هناك من تصرفات ومظاهر تتقاطع مع هذا الخيار التاريخي، وبالضد منه، ليست إلا خروجاً سافراً على مصالح الشعب اليمني وإرادته، وتآمرا واضح الخطورة على حاضره ومستقبله، فيما تمثل المواجهة المبدئية لمثل هكذا توجهات معادية للوحدة ضرورة تاريخية للحفاظ على اليمن ووحدته، ولدفع مسيرة الوحدة إلى الأمام .

المشهد اليمني ما بين الداخل والخارج...محاولة للفهم

الدكتور محمد فاضل الفقيه نائب عميد كلية التربية بالنادرة جامعة إب.

إن الوطن العربي يعيش في إشكاليات حقيقية أهمها غياب الحرية والديمقراطية مما فتح المجال للقوى الانفصالية المختلفة لتعزز من فكرتها الضائقة وتعليم الانعزالية، لذلك ثمة ترابط عضوي بين القوى الانفصالية المحلية والقوى الاستعمارية والذي لم يستطع الوطن العربي تجاوزه حتى هذه اللحظة التاريخية المعاصرة.
ومن هذا المنطلق فقد بات ضرورياً العمل على توحيد القوى الوحدوية في الوطن العربي في إطار الوحدة الجدلية بين القوى والفعاليات القومية والوطنية على مستوى الوطن العربي كله، دون القفز من واقع المجتمع العربي وأزمته الراهنة التي تتجلى في مظاهر عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية خاصة مع استعمال الهيمنة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في الوطن العربي بصورة غير مسبوقة من قبل، إلى جانب تعقد أشكال الصراع السياسي والاجتماعي الداخلي المعبرة عن نفسها بأدوات وآليات وصور مشوهة من التفكك المجتمعي والصراعات الدينية والطائفية والإقليمية وكلها تعزز عوامل الإحباط أو الميل نحو الاستسلام كمؤثر صاعد في أوساط جماهيرنا العربية في اللحظة الراهنة يتبدى ذلك بوضوح في ظاهرة الضعف الملحوظ لا التفاف الجماهير حول الأفكار التوحيدية الوطنية والقومية والإنسانية وهي ظاهرة مؤقتة أو مرحلية [مرحلة انتقالية] وليست حتمية، إلا أنها قد تحمل في طياتها مزيداً من أشكال الردة والتراجع إذا لم تتحمل القوى الوحدوية العربية دورها ومسؤوليتها.
وبالنسبة للوطن اليمني، فإنه إلى جانب العمل بما تم إيضاحه سابقاً، فإن برنامج الأخ الرئيس الانتخابي يعد وثيقة تحليلية هامة للواقع اليمني لديها الكثير من المداخل الهامة لحل مشكلات هذا الواقع وخاصة في عملية امتصاص أسباب الاحتقان والصراع وتفريغ ضعف الاحتقان في إطار مشروع السلم المجتمعي الذي يتضمن مداخيل سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية تعمق من خيار الديمقراطية والتنمية وتوفر الظروف المواتية والموضوعية لتعزيز الواقع الجديد، والذي تمت ولادته في 22 مايو 1990 وهو واقع قوامه التسامح ونبذ العنف، وحيث استوعب هذا البرنامج وأولت نصوصه كل المفردات والقيم الأخلاقية التي توصل المجتمع اليمني إلى حالة من السلم مثلى وفي مجالات البناء والتعمير تطوراً استثنائياً، وقد عبر وبشكل واضح عن إيمانه العميق بالوحدة اليمنية والتزامه بالعمل الجاد من أجل تحقيق التضامن العربي والوحدة العربية والإسلامية، وحل جميع الخلافات سواء على المستوى الوطني أو القومي أو العالمي من خلال الحوار والتفاوض ورفض العنف بكافة أشكاله، حيث تبدو لغة التسامح ركناً أساسياً في توجهات البرنامج كقيمة أساسية تزيد حالة الإحساس بالمسؤولية المشتركة ولهذا نجد أن نصوص البرنامج تؤكد على مجموعة من المداخيل كالحفاظ على الوحدة الوطنية والديمقراطية والتدرج الواضح في حل المشكلات التي يواجهها المجتمع اليمني.
ولاشك أن البرنامج الانتخابي يعالج متطلبات اللحظة التاريخية التي نعيشها من خلال تقديمه قراءة للواقع الجديد حيث جعل من السلم الأهلي لازمة من لوازم تقدم المجتمع اليمني حيث جعل من الوحدة اليمنية قيمة تربوية وأخلاقية تتولد من خلالها قيم الحفاظ عليها من خلال إشعار الفرد والمجتمع بالمسؤولية المتبادلة بين مكونات المجتمع اليمني، وكان التأكيد على مبدأ التسامح بأكثر من موقع مدخلاً لمعالجة بؤر التوتر من خلال توليفة عملانية بين ضرورة الوحدة وضرورة تجاوز المعوقات القديمة الجديدة التي تعيق تطورها كنموذج محلي وإقليمي ودولي.

ضمانات حماية الوحدة الوطنية

الدكتور/ فؤاد البعداني أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة إب

إن حماية الوحدة الوطنية في المجتمع اليمني واجب وطني كبير، ومسؤولية جماعية ملقاة على عاتق الجميع على حد سواء، والأمر يتطلب تحديد بعض الضمانات التي تكفل حماية الوحدة الوطنية وصون نسيجها العام، إذ الكلام العام والشعارات الرنانة والخطب العصماء في هذا الموضوع لا تجدي نفعاً، دون أفكار واضحة، وخطوات جادة، وإجراءات حاسمة، تتحول من دائرة التنظير إلى دائرة التطبيق، بعيداً عن المزايدات الإعلامية والسياسية التي قد يكون ضررها أكبر من نفعها.

وعليه؛ فإن الأمر يتطلب الصدق والوضوح والشفافية والموضوعية في تشخيص الوضع، وعرض المشكلات، واستعراض الفجوات التي تكاد تصيب الجدار السميك للوحدة الوطنية اليمنية، واستشعار المسؤولية الدينية والوطنية والأخلاقية إزاء البُنية الموحدة للوطن الكبير والمجتمع الواحد.

وإذا كان الأمر جلل، والخَطب عظيم، والمهمة سامية، والغاية نبيلة، والهم مشترك، والمصير واحد، فإن المطلوب هنا، أن تتكاتف جهود الجميع في سبيل إنجاح ضمانات حماية الوحدة الوطنية وتطبيقها في الواقع العملي، وذلك بإشراك السلطة لجميع القوى الفاعلة في المجتمع، من أحزاب سياسية ومنظمات جماهيرية وهيئات ومنظمات المجتمع المدني ومختلف المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية وجميع وسائل الإعلام الرسمية منها والحزبية والأهلية كلها على حد سواء.

وهذا يتطلب وضع المسائل المتصلة بضمانات حماية الوحدة على طاولة الحوار الجاد والنقاش المخلص والتفاهم المشترك بين جميع القوى الفاعلة والسلطة الحاكمة، بتجرد تام، ونوايا صادقة، والوقوف بحزم ومسؤولية أمام الفجوات التي تعترض مسيرة الوحدة الوطنية اليمنية.

وإسهاماً من الباحث في صون الوحدة الوطنية ووقايتها من أي اختراق أو اختلال، يُقدم في هذه الورقة الموجزة بعض الرؤى والمطالب المقتضبة، التي يراها لازمة وضرورية من وجهة نظره كضمانات حقيقية وفاعلة لحماية وحدة الأرض والإنسان والقيم والمشاعر والأحلام والتطلعات للمجتمع اليمني الكبير.

ويمكن إجمال أبرز هذه الضمانات فيما يأتي:

أولاً: تجريم الدعوات الانفصالية والممارسات التفريقية والأعمال التمزيقية للوطن والمجتمع، مهما كانت مبرراتها ودوافعها، وعدّها خيانة وطنية كبرى.

ثانياً: العمل على محاصرة ثقافة الكراهية واستئصال شأفتها، وإشاعة روح الإخاء وعاطفة الحب بين أفراد المجتمع اليمني، وهذا لن يتأتى إلا بالتضييق على كل التصرفات والممارسات المؤدية إلى تأجيج ثقافة الكراهية في النفوس، سواء أكانت في المجال الاجتماعي أم في المجال السياسي، والعمل على تتبع مسبباتها ومثيراتها، وترسيخ ثقافة المقاومة لها والوقاية منها.

إن خطورة ثقافة الكراهية تتمثل في كونها تنسف العلاقات الاجتماعية بين أبناء الشعب الواحد وتحيلها إلى تجمعات مناطقية وطائفية وقبلية ممزقة ومتطاحنة مليئة بالأحقاد والضغائن.

ويمكن هنا الاستعانة بوسائل الإعلام وخطباء المساجد والمؤسسات التعليمية والجمعيات الخيرية والمنظمات الجماهيرية في نشر قيم الحب والإخاء والولاء والمناصرة وسد منافذ الكراهية والازدراء والتحقير والإساءة لأي سبب كان.

ثالثاً: تضمين مفردات مقرر الثقافة الإسلامية في الجامعات الحكومية والأهلية مفاهيم الوحدة الوطنية في إطار الرؤية الإسلامية ومحاذير تفريق المجتمع وتمزيق الوطن تحت أي مسمى، لكون وحدة المجتمع وترابطه فريضة شرعية وضرورة وطنية، كما وأن فصم عُرى الوحدة الوطنية والأخوية من المحاذير الشرعية، وكذا التوعية عبر مناهج التعليم في كافة المراحل الدراسية بالوحدة الوطنية وأنها أصلُ قامت عليه اليمن قديماً وحديثاً.

رابعاً: تحقيق المواطنة المتساوية بين جميع أبناء البلاد على حدٍ سواء. فالمواطنة المتساوية تنتج وطنية متكاملة، وافتقادها يؤدي إلى تفاقم مظاهر النقمة والاستفزاز واللامبالاة بمصير بعض القضايا الوطنية، وكلما زادت مظاهر المواطنة المتساوية ارتفعت درجة الوطنية، والعكس صحيح.

ولن تكون المواطنة المتساوية فاعلة إلا بإرساء معالمها عملياً، وتحقيق الشراكة الحقيقية بين جميع أبناء البلاد بمختلف مناطقها ومحافظاتها، بحيث لا يشعر أصحاب منطقة ما أو محافظة معينة أنهم مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة، أو أن لغيرهم امتيازات لا يحضون بها.

إن المواطنة المتساوية ضمانة حقيقية وأكيدة، كفيلة بحماية الوحدة الوطنية وترسيخها، وإزالة النتوءات التي تصيبها، كما وأنها ستنتج وطنية راسخة.

خامساً: تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك بالعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية في حياة الناس وبين جميع المواطنين، وتحويلها من مجرد مبادئ دستورية ومفاهيم سياسية وشعارات نظرية إلى ممارسات عملية وشواهد فعلية، وواقع ملموس في حياة الناس، وإرساء معالمها في كافة الميادين وعلى مختلف الأصعدة.

فالعدالة الاجتماعية لاشك، تطمين للقلوب، وتسكين للنفوس، وحماية للحقوق، وبناء للأوطان، وتقوية للمجتمعات. والعدالة الاجتماعية هي ضمانة موثوقة من ضمانات حماية الوحدة اليمنية.

سادساً: إيقاف جميع مظاهر الظلم والاعتداء والعبث والاستيلاء على الحقوق وانتزاعها من أصحابها، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، وإرجاع الحقوق المغتصبة إلى أصحابها بسطوة القانون، وقوة الدولة، وهيبة الدستور، فهذا من ضمانات حماية الوحدة الوطنية، والسكوت عن المظالم والانتهاكات والاعتداءات غير القانونية، يعني تمزيق المجتمع، وتأجيج النفوس، وتفاقم الأحقاد والضغائن، وسقوط هيبة الدولة والقانون، وبالتالي النقمة على الوحدة.

سابعاً: إيقاف سطوة النافذين المتجاوزين للنظام والقانون، وتقديمهم للعدالة عند ارتكابهم لأي مخالفة، أو اعتدائهم على أي حق من الحقوق الخاصة أو العامة، ومنعهم من أي تصرف مُخل، أو عمل مفسد، أو تجاوز متهور، أو انتهاك صارخ، بحيث لا يستغلون نفوذهم استغلالاً سيئاً، لأن ما يصنعه هؤلاء يُفسد اللحمة الوطنية ويُفرق الصف الوطني.

ثامناً: استعباد المعايير المناطقية والحزبية والطائفية والعنصرية والقبلية في اختيار المسؤولين لكافة المواقع في جميع المؤسسات الحكومية، واعتبار الكفاءة والتخصص والقدرة وتوافر المؤهلات اللازمة والشروط القانونية، هي المعايير الرئيسة في التكليف الرسمي وإسناد الأعمال الوظيفية المهمة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

تاسعاً: محاصرة الفساد المالي والإداري، وتفعيل دور أجهزة الرقابة والمحاسبة، وتعميم مبدأ الثواب والعقاب، وتقديم الفاسدين مالياً وإدارياً للمحاكمة العادلة، بعيداً عن أي اعتبارات فاسدة أو امتيازات باطلة.

ذلك أن الفساد المالي والإداري مثلما ينهك الدولة ويُفسد خططها التنموية، فإنه كذلك يمزق الوحدة الوطنية، وبمحاربته ومحاصرته والتضييق عليه، نخطو خطوات صحيحة على طريق حفظ البلاد، وصون الوحدة، وحماية المجتمع، والنهوض بالوطن.

عاشراً: تعزيز أجواء الحرية في البلاد، والتي تضمن لكل مواطن ممارسة حقه القانوني والدستوري في ممارسة حريته دون أي حصر لها، أو تضييق عليها، في إطار الضوابط الشرعية والقانونية والدستورية، وبما لا يُخل بمقدرات الوطن وثوابته.
فالحرية قرينة الوحدة، والحفاظ على الوحدة، يتطلب قدراً واسعاً من الحرية، وهذه الثنائية المترابطة تؤكد على أن كل واحدة منهما تُعزز بقاء الأخرى وتصون بنيانها، فمثلما أن الوحدة أرست معالم الحرية وجاءت بكثير من مفرداتها، فكذلك الحرية ضمان للوحدة،

وتعزيز لمبادئها، وتوثيق لروابطها، وسياج يحمي منجزاتها...الحرية والوحدة جناحان يُحلِّق بهما الوطن ويرتقي بهما المجتمع اليمني نحو العُلى. وسيظل هذا الوطن العزيز واليمن السعيد إن شاء الله تع إلى في اتساع أفقي بوحدته، وفي اتساع رأسي بحريته، ما اتسعت عقولنا وقلوبنا لبعضنا، واستعنا بديننا الذي قرن الوحدة بالفريضة الشرعية، وقرن الحرية بالمسألة العقدية، وعلينا أن لا نسمح لأحد باستلاب الحرية بمبرر الحفاظ على الوحدة، لأن الحرية لا تفصم عُرى الوحدة، بل تُقويها. كما أن علينا أن لا نسمح لأحد بالعصف بالوحدة باسم الحرية، وتحت ذريعة المطالبة بالحقوق والحريات.
حادي عشر: العمل على إيجاد حلقات وصل وتواصل بين أبناء المحافظات الشمالية والغربية مع أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، في سبيل ردم الفجوات الاجتماعية، وخلق الألفة الأخوية. ويمكن تحقيق هذا التواصل والترابط عبر الأنشطة الثقافية، وأنشطة المؤسسات التعليمية لاسيما الجامعات، وكذلك تبادل الموظفين والمسؤولين والقيادات الفاعلة بين تلك المحافظات بشكل متماثل، وليس بشكل أحادي.

وأخيراً..هذه بعض الرؤى والمقترحات التي يراها مُعد هذه الورقة لازمة وضرورية كضمانات فعلية لحماية الوحدة اليمنية من أي اختلال أو دعوة حمقاء أو تصرف طائش في أي اتجاه، مما قد يؤدي إلى إلحاق الأذى والضرر بالوحدة اليمنية. والله تع إلى أسأل أن يحفظ وحدة الوطن اليمني ويحميه من أي سوء أو مكيدة.

الأبعاد الوطنية والقومية والإسلامية للوحدة اليمنية

أ.د/ محمد مظفر الأدهمي

يمثل اليمن وحدة جغرافية متكاملة تشكل في إطارها العام جزءاً من الوطن العربي، ونظراً لتنوع المناخات والتربة فيه، فقد تنوعت المنتجات الزراعية ومصادر الثروة لتتكامل مع بعضها في إطار الأرض اليمنية الموحدة، فمصادر الثروة في جنوبه تكمل مصادر الثروة في شماله وتتبادل معها في المنفعة العامة للشعب العربي المسلم في اليمن.

إن هذه الجغرافية المتكاملة في مواردها الطبيعية والتي يعيش على أرضها شعب واحد ذو قومية واحدة ولغة عربية واحدة ودين إسلامي واحد، قد جعلت من حركة التاريخ في اليمن ذات طابع موحد، فانتشار الإسلام في اليمن لم تقتصر على منطقة دون أخرى، ذلك أن الوعي بالهوية العربية ذات الطابع الإنساني قد ساعد الشعب اليمني على اعتناق الإسلام بمبادئه الإنسانية السمحاء، خصوصاً وأن الشعب العربي في اليمن قد اشتهر بطيبته، ولذلك قال النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] لمندوبيه إلى اليمن: "أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً وألين أفئدة"، ومن هذا نفهم أن الرسالة المحمدية توجهت إلى اليمن بمجمله، أي بأرضه وشعبه الواحد شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، ولم يكن هناك ما يفصل بين هذا الجزء أو ذاك، ومما يؤكد هذا الرأي أن الدولة العربية الإسلامية تعاملت مع اليمن على أنه وحدة جغرافية طيلة فترة قوتها وازدهارها.

صحيح أن ضعف المركز في أواخر أيام العباسيين قد أدى إلى تمزيق الدولة العربية الإسلامية، مما كان له أثره وانعكاسه على اليمن بظهور قوى متناحرة، لكن اليمن ظل في أعين هذه القوى واحداً، لأن كلاً منها كان يسعى لإعادة توحيده تحت سلطته، وقد نجح الصليحيون في ذلك [569 868 هجرية] في عهد الملكة سيدة بنت أحمد الملقبة بالملكة أروى. وعندما حكم الأيوبيون اليمن لم يتمكنوا من السيطرة عليه والقيام بحركة الإصلاح والتطوير والتعليم إلا بعد أن قضوا على حكم الدويلات الصغيرة ووحدوا البلاد وخطبوا للخليفة العباسي في المنابر.

وفي التاريخ الحديث، كان أحد أسباب فشل الحكم العثماني في اليمن هو تقسيم إدارياً ثلاث ولايات خلال السيطرة العثمانية الأولى [945 1054 هجرية]، ولكنهم عندما عادوا إلى حكم اليمن مرة ثانية عام 1222 هجرية استفادوا من خطأهم فجعلوا اليمن ولاية واحدة مما جعل حكمهم يستقر ويستمر إلى سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى عام 1339هجرية/1918 ميلادية.

إن هذا التاريخ العريق لليمن الموحد يؤكد البُعد الوطني لأهمية وحدة اليمن إذ لا يمكن لهذا الوطن أن يتكور وينمو ويستقر أمنياً إلا بوحدته، ولذلك يسعى أعداؤه إلى محاولات تمزيقه بكل الوسائل من أجل إجهاض تجربته التنموية والقضاء على منجزات ثورته الكبيرة، خصوصاً بعد إعادة توحيد اليمن إثر قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر عام 1962.

فبرنامج الثورة قد أكد على التحرير والوحدة والتنمية والبناء بترابط جدلي لا يمكن أن يفصل أي هدف منها عن الآخر، وهذا البعد الوطني قد جعل الشعب اليمني يلتف حول ثورته ويدافع عنها بكل الوسائل والذي تجسد في القضاء على حركة الإنفصال عام 1994، فلولا الإيمان الوطني للشعب وقواته المسلحة لما تمكن من الحفاظ على اليمن موحداً.

وقد ظهرت نتائج هذا الموقف الوطني القومي الإسلامي بالتطور الهائل والتنمية الشاملة في جميع مجالات الحياة التي شهدها اليمن، ولذلك فإن من واجب الشعب اليمني أن يقف اليوم بكل ما يمتلك من قوة ضد المخططات الجديدة التي تستهدف وحدته وثورته وقيادته التي صنعت الوحدة. فالمخطط الطائفي العنصري في إيران، يهدف إلى تمزيق المنطقة وتجزئة التجزئة خدمة للكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية البريطانية ونظام إيران، وبقدر تعلق الأمر باليمن فيراد له التمزيق والتشطير مثلما فعلوا في العراق والصومال كجزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي بدأت بتنفيذه الإدارة السابقة الأمريكية المتطرفة بقيادة بوش الابن في العراق كخطوة على طريق تمزيق اليمن وسوريا ومصر والسعودية، إلا أن المقاومة العراقية الباسلة عرقلت هذا المشروع وعطلته، لكنه ما زال قائماً، ولذلك على اليمن أن يعي هذه الحقيقة المُرة لكي لا يقع المحذور وتحدث المجازر والدمار لا سمح الله، مثلما يحدث الآن في العراق والصومال.

إن الحرية والديمقراطية التي ينعم بها اليمنيون يجب أن لا تستغل من أجل الطعن بالوحدة والثورة وبمنجزاتها، وإنما يجب أن تكون سنداً قوياً لتمتين الجبهة الداخلية والالتفاف حول القيادة الحكيمة وجعل الولاء للوطن الموحد هو الهدف الأول الذي تلتقي عنده جميع وجهات النظر والبرامج والأفكار مهما اختلفت وتباينت، وذلك من خلال الالتزام بالثوابت الوطنية الكبيرة التي حددها الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في كلمته يوم 25 أبريل 2009 وهي:"الثورة، الجمهورية، الوحدة، الحرية، الديمقراطية، والأمن والاستقرار وعدم الخروج على الدستور والقانون والحفاظ على الوطن ومصالحه"، ولا يمكن لهذه الثوابت الوطنية أن تتماسك مع بعضها بدون الوحدة اليمنية، وعليه فإن الوحدة هي أهم هدف بأبعاده الوطنية والقومية والإسلامية.

لقد كانت وحدة اليمن وما زالت نموذجاً يقتدي به كل العرب، وهي شمعة أنارت الطريق أمام الأمل العربي في التبشير بالوحدة العربية الكبرى، وفي ضوء هذا جاءت مبادرة الأخ القائد علي عبدالله صالح في الدعوة إلى وحدة الصف العربي وقيام اتحاد عربي للرد الفعلي على التحديات التي تواجه أمتنا، ومن هنا يتجلى البعد القومي العروبي في الوحدة اليمنية كخطوة على الطريق من أجل تحقيق الوحدة العربية.

لقد جاءت الوحدة اليمنية تتويجاً لوحدة النضال والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب اليمني في مواجهة أعداء الثورة والوحدة، وعليه فإن النقد ومواجهة الأخطاء لا يمكن أن يكون وسيلة للتآمر على الوحدة ومنجزات الثورة ومسيرة التنمية، ولذلك فإن الطروحات التي تسعى إلى شخصنة قضية كبيرة بحجم الوحدة ليست إلا تعبيراً عن التعصب والانغلاق ومحاولة التضليل وتمرير مخطط التآمر الذي يحاك من خارج الوطن.

إن المطلوب من اليمنيين جميعاً أن يعززوا نهج الإيمان بالوحدة والديمقراطية داخل المجتمع كله من الشمال إلى الجنوب، وأن يعتزوا ويفتخروا بهذه التجربة الوطنية والقومية والإسلامية الرائدة، لأنها الطريق السليم لتطور اليمن ومسيرته نحو مستقبل مشرق، وعلى اليمنيين أن يصطفوا في خندق واحد لمواجهة قوى الظلام التي تحاول أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، متخذين من الحوار الجاد والمسؤول والديمقراطي السلمي وسيلتهم لترسيخ الوحدة والثورة والديمقراطية......ومن الله التوفيق...

الموقف العربي والدولي من الوحدة اليمنية

الباحث/ فكري عبده قاسم الرعدي

تعتبر الوحدة اليمنية التي أعيد تحقيقها في الثاني والعشرين من مايو 1990 من أهم وأبرز الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر، فقد مثلت رمزاً لطموحات الشعب اليمني، وحملت معها أهمية إستراتيجية لليمن الموحد على الصعيدين الإقليمي والقومي والدولي..... لقد أعيد تحقيق الوحدة اليمنية بين دولتي [الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية] بعد وحدات متصلة ومتقطعة، تخللتها حروب وانقسامات استمرت أكثر من مائتين وخمسين عاماًَ، إذا ما أرخنا لأول حركة انفصال ببدء تمرد سلطان لحج على السلطة المركزية عام 1728، ويرجع الفضل في تحقيق الوحدة المعاصرة إلى الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، وتوفر عدد من العوامل الاقتصادية والسياسية والتاريخية والثقافية، فالثورتان قادتا إلى إقامة نظامين جمهوريين دخلا في العديد من الصدامات التي كان يعقبها اتفاقات وحدوية تدفع للتقارب نحو الوحدة، وهكذا فإن الوحدة التي مثلت هدفاً لمناضلي الثورتين الخالدتين قد مرت بسبع وثلاثين عاماً تقلبت فيها مواقف الأشقاء العرب ودول العالم منذ كانت الوحدة مجرد فكرة مترجمة باتفاقية القاهرة وحتى اليوم.

• الموقف العربي:

الموقف العربي من الوحدة اليمنية كان يبدو مهيأً، فقد ظهرت حينها تحالفات إقليمية جديدة، كان أبرزها إنشاء مجلس التعاون العربي في فبراير 1989، والذي ضم العراق ومصر والأردن والجمهورية العربية اليمنية، والذي فهم من تشكيله في نفس الوقت بأنه رداً على قيام مجلس التعاون الخليجي، الذي استبعدت من عضويته اليمن والعراق لأسباب سياسية واقتصادية، ومنها أشكال ومناهج هذه الأنظمة، التي كانت في ظل صراع القطبين الدوليين تتناقض مع طبيعة وأشكال ومناهج دول الخليج الست. وكان قيام مجلس التعاون العربي في ذلك الوقت يشكل نقطة توازن في المنطقة بصورة خاصة، وقد استفادت الوحدة اليمنية من هذا التوازن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فقد أيدت دول مجلس التعاون العربي الوحدة اليمنية، وشجع الرئيس صدام حسين عليها، غير أن الوحدة اليمنية عملاً يمنياً خالصاً جاء بإرادة شعبية وقرار سياسي يمني، لم يتدخل فيه أحد.
ويؤكد الأستاذ يحيى حسين العرشي، أحد أبرز رموز العمل الوحدوي، أن الوحدة اليمنية لم يكن لأي طرف خارجي أي دور في فرضها أو طرحها بأي شكل من الأشكال، وأن اليمن بشطريه أوضح للدول الشقيقة والصديقة أن الوحدة اليمنية ستخلق مناخاً للتعاون الحقيقي، ولن تكون الوحدة اليمنية إلا مصدراً لأمن واستقرار المنطقة.

وفي ضوء هذا، لم تكن دول الخليج ببعيدة عن الحدث، فقد أعلن العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز من منطقة حفر الباطن إثر لقائه برئيس الجمهورية العربية اليمنية في نهاية فبراير 1990، تأييده للوحدة اليمنية وبلا حدود، رغم أن السعودية كانت قبل ذلك العام تعارض الوحدة خشية من فقدانها نفوذها في اليمن الشمالي، ولكن الإعلان السعودي لم يكن منسجماً مع الوقائع على الأرض فقد حركت الرياض التيار السلفي في البلاد والذي أعلن رفضه المطلق للوحدة اليمنية كونها ستتم مع الشيوعيين الملحدين في الجنوب، وتشير بعض الكتابات إلى أن وزير الخارجية السعودي قام خلال زيارته إلى عدن بعد توقيع اتفاق عدن في 30 نوفمبر 1989 بتسليم شيك مفتوح في محاولة لمنع الوحدة..لكن هذا الأمر لم يثبت بالوثائق بعد، لكن المؤكد أن السعودية استعادت رغبتها في تنكيس راية الوحدة اليمنية كما سبق أن فعلت في العام 1961 حين أسقط المال السعودي الوحدة المصرية السورية، ولذلك فقد عملت الرياض على خلق أزمة اقتصادية لتفجير الوحدة من الداخل من خلال إقدامها على طرد العمالة اليمنية تحت ستار معاقبة اليمن على موقفه من أزمة الخليج، وهنا يجب أن نشير إلى أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز ذكر في لقاء جمعه بالشيخ عبدالله الأحمر في أعقاب حادث حدودي في العام 1989 أن أحد مظاهر العون السعودي لليمن يتمثل في بقاء العمالة اليمنية التي تدر مئات الملايين من العملات الصعبة لصالح الخزينة اليمنية، مما يعني أن الطرد لم يكن وليد الموقف من العراق في العام 1990، ومنذ أغسطس 1993 عملت السعودية على دفع القادة الجنوبيين باتجاه الانفصال بالتركيز على كمية النفط المكتشفة في أعقاب الوحدة في الشطر الجنوبي من اليمن، وقدمت وعوداً بزيادة الاستثمار في اليمن بشرط أن ينفصل عن اليمن الشمالي، وللدلالة على حسن النوايا دفع السعوديون ثمن شحنات عديدة من الأسلحة [تقدر صحيفة الجارديان الصادرة بتاريخ 7/4/1994، أن قيمتها بلغت 200 مليون دولار]، كما تزعمت الرياض حملة دبلوماسية ضخمة إبان حرب 1994 في مواجهة صنعاء، وقد لاحظ اليمنيون من جديد في صيف 1998 ترافق التوتر مع الجار السعودي بتعدد حوادث الاضطراب الداخلي لتمس قلب العاصمة، وتشير بعض المصادر إلى تورط الرياض في قضية الاعتداءات الاريترية على الجزر اليمنية، ولكن الموقف السعودي في السنوات التالية للعام 2001 بدأ يسير في اتجاه دعم الوحدة اليمنية، لأسباب تتعلق بالأمن القومي للنظام السعودي.

أما دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى فرغم ما اعترى بعضها من مخاوف من أن توجهَ الوحدة ضد أمن واستقرار دول المجلس، إلا أن أحداً لم يعلن معارضة صريحة ضدها، ويجب في هذا السياق أن يشار إلى الدور الإيجابي الذي قامت به دولة الكويت الشقيقة في دعم مسيرة الوحدة اليمنية بدءاً من الجهود التي بذلتها لإنهاء الحرب الأهلية بين الشطرين، وتوقيع اتفاقية الكويت 1979، وتقديمها الدعم المادي الكبير للبنية التحتية في اليمن، ورغم ما أصاب الموقف الخليجي من تراجع بفعل حرب الخليج إلا أن هذا الموقف قد عاد مؤيداً وحدة اليمن، وما نشر قبل أيام يؤكد ذلك خصوصاً بعد قيام دول المجلس ببعض الإجراءات الهامة لاستيعاب العمالة اليمنية في الخليج.

أما بقية الدول العربية، فقد باركت وأيدت الوحدة اليمنية، غير أن الأبرز في تلك المواقف موقف العراق الكبير، وموقف الجماهيرية العربية الليبية التي أعلن قائدها العقيد معمر القذافي أن الوحدة اليمنية تمثل الحدث الإيجابي الوحيد في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، وكان أول قائد عربي يصل عاصمة دولة الوحدة مباركاً، ومعلناً عن تقديم أولى مساعدات الجماهيرية للدولة الموحدة والتي تمثلت ببناء المدينتين السكنيتين [الوحدة وعمر المختار] في صنعاء وعدن بتكلفة بلغت مليار دولار، كما أرسلت فريقاً طبياً لمعالجة الجرحى إبان حرب 1994.

• الموقف الدولي:

لمعرفة الموقف الدولي يجب التدقيق في سيرة النضال الوحدوي في اليمن، وهذا التدقيق يوضح لنا أن هذا النضال أخذ يتعاظم ويزداد تلاحماً منذ أن بدأت مؤامرة الاستعمار تستهدف وحدة اليمنيين وسلب حريتهم واستقلالهم الوطني، وقد بدأ هذا التواطؤ الاستعماري في نهاية الثلث الأول من القرن التاسع عشر حين تمكن الاستعمار البريطاني من وضع أقدامه على أرض الجنوب في العام 1839 ووصول قوات الاحتلال العثماني إلى الشمال في العام 1848. ومنذ ذلك الحين عرفت اليمن، للمرة الأولى، قيام وضعين مختلفين على الأرض اليمنية الواحدة، وازداد النشاط البريطاني العثماني من أجل تكريس تجزئة اليمن بعد توقيع ما عرف باتفاقية تحديد مناطق النفوذ العثماني البريطاني في اليمن في العام 1904، ثم صدق عليها في العام 1914، لكن الموقف الدولي اختلف جذرياً في أواخر القرن العشرين حين ولدت دولة الوحدة اليمنية.

فقد كان واضحاً بعد التحام الألمانيتين على أنقاض سور برلين أن الموقف الدولي تجاه وحدة الدول المشطرة، اعتماداً على قواعد أيديولوجية وصراع القطبين الدوليين الأعظم، لم يعد متصلباً، غير أن من الخطأ الاعتقاد بأن الوحدة اليمنية تدين بالفضل لانتهاء الحرب الباردة، لأن انتهاء تلك الحرب لم يكن بحد ذاته رافعة توحيدية مطلقة، فقد ساعد على توحيد بلدان منقسمة وقابلة لاستئناف وحدتها، كما هي الحال في ألمانيا واليمن، ولم يتمكن من توحيد بلدان منقسمة بقوة وغير قابلة للتوحيد الطوعي، كما هي الحال في الكوريتين، وبقدر ما كان سبباً في التوحيد كان سبباً في الانقسام والتفتيت كما في تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا التي تناثرت دولاً،

وتسببت في حرب طائفية رهيبة في البوسنة والهرسك، ولذلك يجب تصحيح الأفكار الخاصة بنهاية الحرب الباردة لأن استمرار اعتناق الفكرة الخاطئة يقود إلى جعل الوحدة اليمنية حلقة في حلقات السقوط السوفيتي والإنتصار الرأسمالي الأمريكي الذي تم عنونته بنظرية نهاية التاريخ، ولكن الوضع الدولي في تلك الفترة أعفى الشطرين من الضغوط الدولية، وهو ما أدركته القيادة اليمنية، فبعد اتفاقية عدن [30 نوفمبر1989] التاريخية، شهدت الأشهر الأولى من العام 1990 تحركاً سياسياً واسعاً واتصالات خارجية مكثفة، استهدفت حماية التحركات الوحدوية من أي اعتراضات إقليمية أو دولية محتملة، فقد عملت القيادة الجنوبية على إقناع موسكو بأهمية إعلان الوحدة اليمنية، وفي فبراير من نفس العام قام الرئيس صالح بزيارة واشنطن وقال عقب لقاءه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب: "أطلعنا الأصدقاء الأمريكان على الخطوات الجارية لإعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني، ولمسنا موقفاً مؤيداً منهم، ويعتبرون ذلك شأناً داخلياً من شؤون اليمن".

وقد نجحت اليمن في إقناع واشنطن بأهمية الوحدة للإستقرار في المنطقة الهامة من العالم، غير أن التأييد الأمريكي المعلن للوحدة اليمنية رافقه سعي حثيث نحو امتلاك زمام الأمور في السيطرة على مستقبلها، ولذلك أسهمت واشنطن في الدفع نحو تفجر الأوضاع في اليمن الموحد عام 1994 لتتمكن من معرفة مصير المساعدات العسكرية التي تلقاها شطري اليمن سابقاً، وإضعاف القوة العسكرية اليمنية، وتوفير فرصة للتدخل المباشر في اليمن بعد أن يكون طرفا الحرب قد استنزفا، ويصبح اليمن مرتعاً للجماعات الإسلامية التي تمثل ذريعة أمريكية جاهزة لشن الحروب وتبرير التدخلات العسكرية في الوطن العربي، وكانت واشنطن على وشك إعادة الكرة مجدداً في أعقاب هجمات سبتمبر وهو ما أعلنه رئيس الجمهورية الذي أشار إلى أن اليمن كانت الهدف الثاني للضربة العسكرية الأمريكية، أما بالأمس فقد أعلن الرئيس باراك أوباما تأييد الولايات المتحدة المطلق لوحدة اليمن واستقراره.

أما الاتحاد السوفيتي فكان منشغلاً بما يجري بداخل معسكره وجمهورياته، التي بدأت تشتعل، غير أن انشغاله بوضعه الداخلي لم يمنعه من أن يكون على صلة بما يجري من خطوات باتجاه الوحدة اليمنية من خلال سفيريه في صنعاء وعدن، وبحسب السفير السوفيتي في صنعاء فنيامين بوبوف فقد كانت هناك آراء متناقضة تجاه الوحدة بين شطري اليمن، وكان هذا التناقض ملموساً في أداء البعثتين الدبلوماسيتين في صنعاء وعدن، وانعكس هذا التباين في تشكل رأيين بداخل قيادة الخارجية السوفيتية، التي كان يقودها إداورد شيفارنادزه، غير أن الموقف حُسم أخيراً لصالح دعم خطوات الوحدة، وهو ما يؤكده الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف، ومن هنا فقد بارك العالم وأيد الخطوات الوحدوية، وكان في مقدمة هذا التأييد "التأييد السوفيتي الأمريكي"، ولا شك بأن موقف الدولتين العظميين تجاه الوحدة قد انعكس إيجاباً على بقية المواقف، فلم تظهر معارضة، بالإضافة إلى ذلك فقد صدر عن الدورة الـ45 للجمعية العامة للأمم المتحدة في الخامس من ديسمبر 1990 قراراً رحبت فيه بتوحيد شطري اليمن.

أما الموقف الصهيوني فهو الموقف المثير للجدل، فقد دخلت اليمن دائرة الاهتمام الصهيوني منذ بداية العام 1930 حين شرع جهاز خدمة المعلومات [شيرت يديعوت] أحد وحدات المكتب الموحد للمؤسسات اليهودية في فلسطين الذي تأسس في أواخر نوفمبر من العام 1929 والمتخصص في جمع المعلومات عن العرب والتجسس عليهم واستقطاب وتنظيم عملاء عرب من فلسطين والبلدان العربية الأخرى وزرع الفتنة بين العرب على أسس طائفية وجهوية] بإعداد "بطاقات" حول شخصيات عربية مهمة، وذات تأثير أو نفوذ من فلسطين ومن البلدان العربية المجاورة، تمحورت المعلومات في هذه البطاقات حول حسب الشخص، ووضعه المالي، وأملاكه وثقافته ومدى أهميته، ومن هي الدائرة التي تحيط به ونشاطه في المجال العام والوطني ودوره، وما أن انتهى العام 1930 حتى شملت هذه البطاقات 800 شخصاً عربياً من فلسطين وشرقي الأردن وسورية والعراق ومصر واليمن، كذلك احتوى ملف البطاقات حينئذ 200 صورة لشخصيات وقادة عرب وفق ما ورد في الملف رقم S24/4158 في الأرشيف الصهيوني المركزي، كما رفضت العصابات الصهيونية مقترح المندوب السامي البريطاني في عدن بجعل حضرموت وطناً قومياً لليهود، وهو ما لا يمكن التغاضي عن موقعه في التفكير الصهيوني فلا يمكن إسقاطه من مخططاتهم كما لم تسقط أفريقيا التي اقترحت لإنشاء كيان العدو. ولما كانت الثورة اليمنية حجر الزاوية في بنيان الوحدة فقد إضطلع العدو الصهيوني بدور كبير حيث قطع سلاح الجو الصهيوني المسافة الكبيرة بين تل أبيب والحدود اليمنية السعودية لتقديم المساعدات العسكرية لأعداء الجمهورية، ومن المفارقات التاريخية أن المصالح السعودية والصهيونية التقتا مرتين؛ في حصار السبعين وفي عدوان إرتيريا على حنيش، وفي العام الماضي حذر قيادي في اللقاء المشترك من وجود أصابع صهيونية تستهدف الوحدة اليمنية في جنوب البلاد، وفي غضون أشهر أعلنت السلطات الرسمية إلقاء القبض على خلية مرتبطة بالعدو الصهيوني، وإذا ما تتبعنا ما تنشره وسائل إعلام العدو الصهيوني سنتأكد من حقيقة الموقف الصهيوني المعادي للوحدة اليمنية، ولدينا أدلة كثيرة ومنها؛ قيام هذا العدو بنشر الصورايخ في الأراضي الإثيوبية خلال العام الماضي، وتصاعد الأوضاع في منطقة المحيط الهندي والذي يمثل خريطة صهيونية قديمة لما يسمونه العصر الإسرائيلي من قناة السويس إلى باب المندب، وأخشى أن يكون ما يدور الآن هو مغامرة لتدويل البحر الأحمر بما يمثله من تهديد للوحدة اليمنية وهو المشروع الذي أفشله التدخل السوفيتي في ستينات القرن العشرين.

وبذلك يمكن القول بأن الوحدة اليمنية التي استؤنفت من جديد بقرار شجاع اتخذه علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، كانت حتمية وليست مجرد صدفة طارئة وتالية لنهاية الحرب الباردة، فهي حتمية لتتوّيجها سياقاً تاريخياً وحدوياً في اليمن، وعدم تصادمها بحس شعبي انفصالي، ولأنها حاجة شعورية وعاطفية وحصيلة ميزان قوى تم ضبطه وترتيبه بوعي وبتصميم أكيد، ولتناسبها مع البيئة التوحيدية في شبه الجزيرة العربية، ولأنها ترث اتفاقات ومشاريع مشتركة بين عدن وصنعاء، باختصار كانت مبادرة تسير باتجاه التاريخ ولا تعترضه، وبالتالي لا يجوز اعتبارها صدفة بحتة وعملاً إجرائياً اقتضته التطورات العالمية، وأياً كانت المواقف الخارجية من الوحدة فإن كل مخطط يستهدفها سيسقط لأننا نؤمن أن القوى الخارجية لا تستطيع أن تحقق أهدافها إلا بمساعدة داخلية، ولا يوجد بيننا من يمتلك الاستعداد للتعاون مع أعداء اليمن، ومن المؤكد أن تمسكنا الواعي بالوحدة سيجبر الآخرين على احترامها، مع التزامنا المطلق بتقدير المواقف العربية والدولية التي دعمت وساندت الوحدة اليمنية، وأملنا أن نخلص وحدتنا من كل الشوائب التي علقت بها بما يمكننا من امتلاك المستقبل وتحديد موقع وطننا تحت الشمس.

• باحث في التاريخ الحديث بجامعة إب.
[email protected]

منجزات الوحدة اليمنية

المنجزات الوحدوية في المجالين السياسي والتعليمي

بشير عبدالكريم فارع

من الصعوبة بمكان الإلمام بكل المنجزات التي تحققت في ظل دولة الوحدة الحبيبة على مدى تسعة عشر عاماً من الإنجاز، لذلك سنقتصر في حديثنا عن بعض المنجزات الوحدوية على مجالين هامين هما: المجال السياسي لليمن بشقيه الداخلي والخارجي، والمجال التعليمي، وذلك لنلمس ما هي أهم الإنجازات لدولة الوحدة في هذين المجالين؟
• المجال السياسي:
وينقسم إلى قسمين هما:
1) السياسة الداخلية المحلية.
2) السياسة الخارجية.

1) السياسة الداخلية المحلية:
تمثلت من خلال إصدار القوانين المنظمة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجمهورية اليمنية، حيث تم إصدار أكثر من ستين قانوناً لمعالجة الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية الهامة في دولة الوحدة منها على سبيل المثال لا الحصر؛ قانون الجنسية اليمنية، قانون إنشاء مجلس الدفاع الوطني، قانون الصحافة والمطبوعات، قانون السلطة القضائية، قانون الاستثمار، قانون واجبات وصلاحيات الشرطة، قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، قانون المرافعات والتنفيذ المدني، قانون المحاماة وحقوق وواجبات نقابة المحامين، قانون نظام المحاسبين القانونيين، قانون مزاولة المهن الصحية، قانون الرقابة على الأغذية، قانون المعاشات والمكافآت لرجال القوات المسلحة والأمن، قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، قانون الانتخابات العامة، قانون تنظيم حمل السلاح.
وقد تم العمل على تطبيقها على عدة مراحل منذ الفترة الانتقالية وحتى وقتنا الراهن، كما تم إعادة النظر في التقسيم الإداري لليمن الموحد من خلال تشكيل لجنة عليا للتقسيم الإداري للجمهورية اليمنية برئاسة رئيس مجلس النواب وعضوية كل من وزارة الخدمة المدنية والإصلاح الإداري، والتخطيط والتنمية، والإدارة المحلية، والداخلية والأمن، ومن أهم أهدافها إزالة آثار التجزئة والتشطير لترسيخ دعائم الوحدة اليمنية.
وقد طبقت اللامركزية الإدارية، وتم انتخاب المجالس المحلية ومحافظي المحافظات، وذلك لتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين في مديرياتهم ومحافظاتهم عبر ممثليهم في المجالس المحلية.
كما تم تشكيل مجلس الشورى [الاستشاري سابقاً] من الشخصيات الفاعلة في المجتمع التي تمثل الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية الموجودة في الساحة اليمنية، وهدفه هو تقديم أفكار استشارية غير ملزمة حول سياسات وقضايا يعالجها رئيس الجمهورية، ويعتبر جزء من السلطة التشريعية بجانب مجلس النواب.
كما أعلن عن التعددية السياسية، فتكونت الأحزاب حتى وصل عددها إلى أكثر من أربعين حزباً في الساحة السياسية، ثم قل هذا العدد بعد تطبيق قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، وحدوث الاندماج والضم بين الأحزاب الكبيرة والصغيرة.
كذلك تم بناء المجتمع المدني والمقصود به الأنشطة والتحركات والسلوك

* خاص بنشوان نيوز
* يرجى إلاشارة إلى المصدر حال النقل أو الاقتباس

زر الذهاب إلى الأعلى