[esi views ttl="1"]
رئيسية

ملتقى السلفيين.. وجدلية الدور القادم!!

أشارت أدبيات الملتقى السلفي العام الذي احتضنته العاصمة صنعاء يومي الأربعاء والخميس الماضيين تحت شعار "الوحدة اليمنية والتحديات الراهنة .. رؤية شرعية واقعية"، إلى أن من أهدافه "توحيد الرؤية السلفية إزاء مختلف الأحداث"، غير أن الخلاف بين الفصائل السلفية حول مسألة "ولي الأمر" و"المرأة"، ألقت بظلالها على مواقف وتصريحات قيادات سلفية خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في ختام أعمال ملتقى السلفيين، بمشاركة أكثر من 35 جمعية خيرية ومركز إسلامي ومؤسسة سلفية من مختلف محافظات الجمهورية.

حيث تباينت وجهات النظر بين بعض الرموز السلفية المنتمية لجمعية الإحسان الخيرية، وبين رموز تنتمي لجمعية الحكمة التي تبنت الدعوة إلى الملتقى، ففيما أعلن رئيس فرع جمعية الحكمة بمحافظة إب الشيخ محمد المهدي استعداده لحمل السلاح مع الرئيس علي عبدالله صالح دفاعاً عن الوحدة ضد كل من يدعو للانفصال إذا اقتضى الأمر ذلك، أكد رئيس فرع جمعية الإحسان في نفس المحافظة الدكتور حسن محمد شبالة بأن هذه وجهة نظر شخصية لا تعبر عن رأي كل التيارات السلفية، مكتفياً بالقول "إنه لا يمكن الآن الحديث عن حمل السلاح"، وأن مثل هذا الأمر يحتاج إلى مشاورات ولقاءات للعلماء، وأنه "لكل حدثٍ حديث"، مضيفاً بأن ما تضمنه البيان الختامي للملتقى هو "التجسيد الحقيقي لموقف عموم السلفيين في اليمن".

وشدد الدكتور شبالة وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة إب في تصريح لـ"الغد"، عقب المؤتمر الصحفي، على أن الفتاوى والتصريحات التي صدرت عن شيوخ جمعية الحكمة أثناء المؤتمر لا تعبر عن وجهة نظر كافة أطياف الدعوة السلفية في اليمن، بما في ذلك الإشارة إلى إمكانية مشاركة المرأة في مؤتمرات أو فعاليات السلفيين القادمة، والتي كان وعد بها الشيخ عبدالعزيز الدبعي رئيس جمعية الحكمة في اليمن في رده على أسئلة الصحفيين حول غياب العنصر النسوي في الملتقى، معللاً ذلك بعدم اتساع القاعة التي احتضنت الملتقى وعدم وجود مكان مناسب للنساء.

وكان مدير مؤسسة روابي الخير التنموية السلفية بحضرموت عمر سالم باوزير دعا إلى اصطفاف وطني مع شخص الرئيس علي عبدالله صالح للدفاع عن الوحدة، باعتباره "ولي الأمر الشرعي"، بعيداً عن الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام، حد تعبيره، وهو الأمر الذي انتقده عليه سلفيون آخرون، لأنه يمثل – برأيهم - هرولة غير محسوبة نحو الحكم.

ولعل من المفارقات أن تأتي دعوة باوزير وقيادات سلفية لاصطفاف وطني مع الرئيس، بالتزامن مع تصريحات الرئيس نفسه في حفل خطابي وفني أقيم بالمركز الثقافي بمدينة تعز الخميس الماضي، هدد فيها بمحاصرة من أسماهم "المرتدين عن الوحدة بالشرفاء والمخلصين وبحراس الوحدة"، مؤكداً بأننا سوف "نتصدى لهم اليوم ونحن أكثر قوةً وثباتاً"، وهي التصريحات التي ربما تنمّ عن ثقة زائدة بالنفس، تصفها أحزاب "المعارضة" بالغرور السياسي.

باوزير أيضاً كان وجه انتقادات شديدة لتنظيم "القاعدة"، الذين قال إن السلفيين منهم "برآء"، لكنه لم يشر إلى ضحايا الانتهاكات التي يتعرض لها مئات الشباب اليمني من الاعتقالات التعسفية والقتل خارج إطار القانون وغيرها تحت ذريعة مكافحة ما يسمى "الإرهاب"، طبقاً لمنتقديه.

وبصرف النظر عن تباين آراء قيادات الفصائل السلفية خلال المؤتمر الصحفي في ختام ملتقى السلفيين العام، فإن غياب أبرز قيادات جمعية الإحسان الخيرية كالشيخ عبدالمجيد الريمي والشيخ محمد البيضاني وغيرهما، احتجاجاً على استفراد جمعية الحكمة بإجراءات التحضير لأعمال الملتقى، رغم أهميته للجميع، أسهم في تأجيج الخلاف بين قواعد السلفيين المنتمين لجمعيتي الإحسان والحكمة، اللتين تمثلان كبرى التيارات السلفية في اليمن، وهو الخلاف الذي يعزى أساساً لأسباب إدارية، ومسائل جزئية بسيطة.

وحده البيان الختامي لملتقى السلفيين، كما يبدو، كان محل إجماع مختلف أطياف التيار السلفي، حيث أكد على "حماية الوحدة اليمنية باعتبارها فريضة شرعية وضرورة حياتية"، مندداً ب"دعوات الانفصال والتفرق وكل ما يؤدي إلى الإضرار بوحدة اليمن وأمنه واستقراره"، في الوقت الذي أوصى البيان، بالمقابل، الحكومة اليمنية ب"تبني خطة شاملة ومتكاملة لإصلاح كافة أجهزتها ومؤسساتها بتعيين الأكفاء الأمناء، وإحالة الفاسدين والمخلين بواجبات وظائفهم إلى القضاء"، مطالباً ب"إصلاح الجهاز القضائي .. وضمان استقلاله وتفعيله لسرعة البت في قضايا الناس وإقامة العدل، وإنصاف المظلومين، وإحالة جميع السجناء خارج نطاق القانون إلى القضاء".

كما طالب ب"تربية الجيل التربية الصالحة وتشجيع التعليم الشرعي ورعايته، وتضمين مناهج التربية ما لا يسع المسلم جهله في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، وتأهيل المعلمين ورعايتهم"، مشيراً إلى ضرورة "إصلاح جميع وسائل الإعلام للحفاظ على العقيدة والقيم والأخلاق والأعراف الحميدة، وعلى ما يعود على الأمة بالنفع في دينها ودنياها".

وفي ما يتعلق بالموقف من المطالب الحقوقية لأبناء المحافظات الجنوبية، طالب السلفيون ب"إنصاف المتضررين من أبناء المحافظات الجنوبية وأبناء محافظة صعدة"، وأكدوا رفضهم "جميع أعمال العنف التي تؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد من أي جهة كانت". كما أوصوا بالعمل على "توثيق عرى الأخوة الإيمانية وتوحيد الصف وجمع الكلمة وصيانة الدماء والأعراض والأموال وتفويت الفرصة على المرجفين ومروجي الشائعات والمتربصين باليمن وأهله".

ورغم غياب العنصر النسوي عن أعمال الملتقى السلفي، إلا أن البيان الختامي نص على "العناية بالمرأة المسلمة ورعايتها وتعليمها وضمان حقوقها الشرعية، والتصدي لمؤامرات التغريب والغزو الفكري الذي يستهدفها".

وفي بيانهم أيضاً عبر السلفيون عن إدانتهم لـ"التدخل الأجنبي في شؤون اليمن بكافة صوره وأشكاله وتجريم التعاطي مع كافة الأجندة الخارجية التي تضر باليمن ومصالحه"، مطالبين ب"الوقوف صفاً واحداً في مواجهة المد الرافضي" في البلاد، في ذات الوقت دعوا إلى "عقد لقاء موسع يضم السلطة مع أهل الحل والعقد من كافة فئات الشعب لتدارس الأوضاع الراهنة وإيجاد الحلول اللازمة لها، وتغليب مبدأ الحوار بين جميع الأطراف المتنازعة".

محللون سياسيون اعتبروا انعقاد الملتقى للجماعات السلفية في اليمن دخولاً أولياً للجماعات السلفية على خط الأحداث التي تشهدها البلاد منذ شهور في إطار تداعيات ما يسمى بأزمة الجنوب وتصاعد الدعوات المطالبة بالانفصال، فيما رأى آخرون بأنه يمثل تدشيناً للعمل السياسي الديمقراطي الذي طالما ظل السلفيون ينأون بأنفسهم عنه، وتكريساً لتأسيس حزب سياسي للسلفيين، وهو الأمر الذي اتفق قيادات السلفيين في المؤتمر الصحفي على استبعاده، مؤكدين في الوقت ذاته مشاركتهم السياسية في المواطن التي يرون مشروعية المشاركة فيها.

لم يذهب تيار جمعية الحكمة السلفي بعيداً عن مسرح العمل السياسي بتبنيه الدعوة للملتقى السلفي من أجل الوحدة، خصوصاً إذا ما استثمرته السلطة بشكل جيد، فيما تبدو الفرصة الآن مواتية أكثر من أي وقت مضى لأن يكون لسلفيي اليمن خصوصاً تياري الحكمة والإحسان دوراً محورياً في معالجة الأزمات الراهنة في إطار رؤيتهم لمشروعية الآليات التي يتبعونها من عدمها، رغم ما سيثيره الدور السلفي من حساسية لدى أحزاب "المشترك" المعارضة، خصوصاً تجمع الإصلاح الذي يصمهم ب"أتباع فكرة ولي الأمر"، فضلاً عن ليبراليي المؤتمر الحاكم الذين يخشون الدور السلفي لاعتقادهم بأنه سيزاحمهم على صناعة القرار في مطابخ النظام، فضلاً عن حالة العداء التقليدي بين التيارين السلفي والليرالي، بينما يبقى السؤال الأهم، هل لدى نظام الحكم في البلاد أصلاً استعداد لسماع الأصوات السلفية، رغم حاجته إليها؟!.

وزير الأوقاف والإرشاد القاضي حمود الهتار، في كلمته أثناء الجلسة الافتتاحية للملتقى السلفي، اشترط على السلفيين الخروج بموقف سياسي، وليس فتاوى، وهو الأمر الذي يمكن أن يفهم منه بأن ثمة رغبة الآن لدى السلطة، بأن يكون لدى السلفيين حضور أكبر على المشهد السياسي.
الجلسة الافتتاحية للملتقى السلفي أيضاً وجد خلالها الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان متنفساً للإدلاء بدلوه، ربما أكبر من ملتقيات التجمع اليمني للإصلاح الذي يمثل أحد قياداته التاريخية، حيث عبر الشيخ الزنداني عن تأكيده على أن الحكومة وحدها لا تستطيع حل مشاكل اليمن الراهنة، وكذلك أحزاب المعارضة وكل أطراف الأزمة سواء في محافظة صعدة الشمالية أو في المحافظات الجنوبية، مشيراً في ذات الوقت إلى أنه حتى العلماء وحدهم غير قادرين على حل مشاكل البلاد، ورأى أن الحل يكمن في عقد مؤتمر وطني تحضره كافة الأطراف لتدارس المشاكل والخروج بحلول مناسبة لها، ووضع ضمانات للالتزام بنتائج هذا الحوار.

وفيما ذهب الوزير الهتار إلى الحديث عن "المؤامرات"، التي قال إنها "تحاك ضد اليمن للنيل من وحدته وسيادته واستقلاله"، ألمحَ الشيخ الزنداني إلى تخوفه من الحشود العسكرية الدولية في المياه الإقليمية المحاذية لليمن، التي لها أهداف سماها ب"فوق القرصنة"، تتمثل في " التدخل السافر في شؤون المنطقة"، بما فيها اليمن.

وكانت جلسة افتتاح الملتقى السلفي أيضاً شهدت إلقاء كلمات عدد من قيادات جمعية الحكمة، دانت في مضامينها "دعوات الانفصال"، لكنها شددت بالمقابل على الحكومة بإزالة الذرائع التي يتعلل بها "دعاة الفرقة والانفصال".

الملتقى السلفي كان ناقش على مدى يومين العديد من الأطروحات من خلال أكثر من 11 ورقة عمل قدمت أثناء جلسات الانعقاد، أكدت في مجملها على أهمية الوحدة، وحذرت من المساس بها، لكنها في ذات الوقت انتقدت بعض ممارسات السلطة التي "تسيئ للوحدة"، حيث قدم الشيخ أحمد المعلم وهو أحد قيادات جمعية الحكمة الخيرية بمحافظة حضرموت، خلال الجلسة الأولى، ورقة عمل بعنوان (لمحة تاريخية عن اليمن الموحد.. الماضي والحاضر)، فيما قدم الدكتور حسن محمد شبالة أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة إب ورئيس مؤسسة الريادة الثقافية والاجتماعية رئيس فرع جمعية الإحسان بمحافظة إب، ورقة عمل بعنوان (الوحدة اليمنية.. نظرة شرعية وضرورة حياتية)، كما قدم الدكتور علي مقبول الأهدل أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة صنعاء ورقة بعنوان (منهجية أهل السنة والجماعة في مواجهة الفتن).

وخلال الجلسة الثانية قدم الشيخ عبدالوهاب الحميقاني أمين عام مؤسسة الرشد الخيرية ورقة عمل حول "التآمر الخارجي على اليمن وأبعاده"، تطرق فيها إلى الدور الخارجي في تغذية الأزمات التي تمر بها اليمن حالياً، وعلى وجه الخصوص التدخلات الأميركية تحت ذريعة مكافحة "الإرهاب" ونشر الديمقراطية، بالإضافة إلى الدور الإيراني في دعم الحركة "الحوثية" شمال اليمن، وانتقالها الآن إلى الجنوب اليمني لتأجيج الشارع اليمني ضد السلطة من خلال جماعات ما يسمى ب"الحراك الجنوبي"، كما قدمت في ذات الجلسة ورقة عمل بعنوان (الدعوات الانفصالية وإثارة النعرات الجاهلية وخطرها على اليمن)، قدمها الكاتب والباحث المتخصص في شؤون الفرق والجماعات الإسلامية عبدالفتاح البتول.

وفي الجلسة الثالثة من أعمال الملتقى السلفي قدم الشيخ محمد المهدي رئيس فرع جمعية الحكمة بمحافزة إب ورقة عمل بعنوان (الخطر الرافضي رؤية شاملة)، بينما تناول النائب الإسلامي في البرلمان اليمني عارف الصبري قضية الفساد المتفشي في أجهزة الدولة، وانعكاساته على الأوضاع في البلاد، وذلك من خلال ورقة عمل بعنوان (الفساد المالي والإداري وأثره على الوحدة اليمنية).

أما الجلسة الرابعة لأعمال الملتقى السلفي فقد قدم خلالها أستاذ اللغة العربية بجامعة إب الدكتور محمد الزهيري وهو أحد قيادات جمعية الحكمة ورقة عمل بعنوان (العدل وتحكيم الشريعة صمام أمان الوحدة)، كما قدم رئيس تحرير مجلة المنتدى الإسلامية الخضر الشيباني ورقة عمل حول (الشخصيات والمؤسسات العلمية والدعوية والإعلامية ودورها في ترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة ومواجهة الأفكار والمفاهيم المنحرفة)، وقدم الشيخ عقيل المقطري ورقة عمل بعنوان (الإصلاحات المنشودة لمواجهة الأزمة)، فضلاً عن المداخلات والتعقيبات التي تخللت الجلسات من قبل المشاركين في الملتقى، قبل أن ينهي أعماله بمؤتمر صحفي، حضره مندوبو وسائل الإعلام المحلية والخارجية.

• محمد الأحمدي
• صحيفة الغد

زر الذهاب إلى الأعلى