
نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أمس محاضرة بعنوان " الجغرافيا السياسية للعنف في اليمن " ألقاها الدكتور خالد فتاح الباحث غير المقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط المحاضر الزائر في جامعة لوند بمملكة السويد مستشار الأمم المتحدة في اليمن.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية (وام) فقد شهدت المحاضرة التي أقيمت في قاعة " الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان " بمقر المركز بأبوظبي حضور حشد من الجمهور من بينهم أعضاء في السلك الدبلوماسي من السفارات العربية والأجنبية إلى جانب عدد من المهتمين بالشأن السياسي والعلاقات الدولية والإعلاميين.
وأشاد الدكتور فتاح برؤية سعادة الدكتور جمال سند السويدي مدير عام " مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" الفكرية للمضي بالمركز ليصبح منارة علمية تثقيفية توعوية تسهم في تعزيز التفاعل المعرفي والتفاهم الثقافي بين شعوب العالم.
وثمن المحاضر إنجازات "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" وسعيه الدؤوب إلى استضافة النقاشات السياسية والثقافية لما لها من إسهام كبير في إثراء الفكر ونشر الوعي.
وسلط الدكتور خالد فتاح الضوء على التطور التاريخي للحياة السياسية في اليمن والعلاقة بين الدولة والقبيلة في هذا البلد الذي يعاني اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية وتهديدات أمنية وأطماعا خارجية وسط تحذيرات متواصلة من المراقبين والمحللين من خطر تحول اليمن إلى دولة فاشلة على غرار أفغانستان أو الصومال.
وأكد الدكتور فتاح أنه على عكس الصورة النمطية السائدة عن المجتمع اليمني ولاسيما في الغرب فإن هذا المجتمع ليس مجتمعا قبليا ولا يتجاوز عدد أفراد القبائل في اليمن ما بين 20 و25 في المائة من مجموع سكان البلاد وليست قوة القبائل في اليمن ديمغرافية بل سياسية إذ أثر النظام القبلي بشدة في الجغرافيا السياسية لليمن وتمكن من التغلغل في الحياة السياسية وأثر في مركز اتخاذ القرار في العاصمة صنعاء.
وأوضح المحاضر أن المناطق القبلية كانت تتعامل مع السلطة المركزية للدولة كحلفاء إذ تمكن الجانبان من اتخاذ قرارات مهمة للبلاد.. مشيرا إلى أن هناك ما سماها الجوانب المضيئة للنظام القبلي في اليمن ضاربا المثل ببعض القيم والعادات الاجتماعية السامية إضافة إلى أن الكثير من النزاعات والمشكلات ما كانت لتحل لولا الوساطات القبلية.
وتوقف المحاضر عند مراحل عدة من التاريخ اليمني القديم والحديث.. موضحا أن اليمن عرف حتى وقت ليس بالبعيد باليمن السعيد لما كان يمثله من بؤرة مزدهرة شكلت أحد أصول الحضارة الإنسانية على مر التاريخ البشري ثم انتقل المحاضر إلى استعراض حال اليمن اليوم ولاسيما بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع الأحداث الأخيرة فيه ضمن ما يسمى " الربيع العربي" إذ ازدادت الدولة اليمنية هشاشة واتسع النفوذ الجغرافي لدعاة العنف وأخذ الصراع الطائفي ينحو منحى أكثر عنفا وأشد خطورة وتفاقمت الأوضاع الأمنية في غياب النظام والقانون وازدادت ندرة السلع الأساسية وارتفعت نسب البطالة بين الشباب اليمني إلى مستويات مقلقة.
وأرجع الدكتور فتاح أسباب الأزمة والاضطرابات السياسية والأمنية وحتى الاجتماعية التي يعيشها اليمن اليوم إلى التوتر الذي تشهده المحافظات الشرقية والشمالية والجنوبية متمثلا في التمرد الحوثي في الشمال والحراك الانفصالي في الجنوب وتنامي نشاط ما يعرف ب " تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب " وازدياد خطر "الجهاديين" ولاسيما في المحافظات الجنوبية والشرقية.
وبالتطرق إلى التمرد الحوثي حذر الدكتور فتاح " من الأطماع الإيرانية في اليمن وتحركات طهران للتغلغل في الداخل اليمني وبسط نفوذها فيه ".. داعيا دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى تقوية الدولة اليمنية بالوسائل الممكنة كافة لمواجهة هذه الأطماع.
وأشار الدكتور فتاح إلى أن أي تهديد للأمن اليمني سواء التهديد الإيراني أو غيره يمثل تهديدا للأمن القومي الخليجي.. مشددا على أن تقوية الدولة اليمنية الهشة حاليا هو الخطوة الأولى اللازمة قبل بحث انضمام اليمن إلى "مجلس التعاون لدول الخليج العربية".
وأشاد الدكتور فتاح في هذا الصدد بالدور الذي لعبته دول المجلس في إيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية إبان الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وما تلاه من جهود خليجية للمضي باليمن نحو الاستقرار السياسي.. مثمنا الدور الأساسي الذي لعبته دولة الإمارات في ظل قيادتها الرشيدة والجهود المتواصلة التي تبذلها الدولة لمنع انزلاق اليمن إلى هوة الفوضى الشاملة والأخذ بيده عبر دعم الاستقرار والتنمية فيه.
وحول تهديدات تنظيم "القاعدة" للأمن اليمني شدد المحاضر على نجاح التجربة السعودية في مجال إعادة تأهيل "الجهاديين" العائدين من أفغانستان.. مطالبا بضرورة إيجاد آلية يمنية مماثلة بالتعاون مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقال الدكتور فتاح إن الواقع الراهن على الساحة السياسية اليمنية أفضل مما كان عليه قبل أشهر عدة ولفت إلى أن قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تحويل البلاد إلى دولة اتحادية تتكون من ستة أقاليم اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال وذلك مثلما توافق عليه المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني كان خطوة جيدة لتلافي تقسيم اليمن.. مشيرا إلى أن ما يعرف ب"الربيع العربي" هو "ربيع تقسيمي" للدول العربية.
تجدر الإشارة إلى أن الدكتور خالد فتاح إلى جانب كونه باحثا غير مقيم في "مركز كارنيجي للشرق الأوسط" يركز في أبحاثه على اليمن والعلاقات بين الدولة والقبيلة في الشرق الأوسط فهو محاضر زائر في "جامعة لوند" في السويد ومستشار للأمم المتحدة في اليمن.. كما أنه درس في مؤسسات تعليمية أوروبية مختلفة في مجال العلاقات الدولية وتحليل السياسة الخارجية والتواصل بين الثقافات والتاريخ السياسي في منطقة الشرق الأوسط.. وقد سبق له أن عمل باحثا رئيسيا في العديد من المنظمات الدولية المعنية بالتنمية في الشرق الأوسط وكثيرا ما تستضيفه وسائل الإعلام للتعليق على الأوضاع في اليمن والعلاقات بين الدولة والقبيلة.





