مآلات الصراع بين القوات الحكومية والحوثيين شمالي اليمن

مآلات الصراع بين القوات الحكومية والحوثيين شمالي اليمن

لا تكاد تهدأ المواجهات بين القوات الحكومية ومسلحي الحوثيين الشيعة في أكثر من جبهة، إلا وتعود إلى الواجهة من جديد، وبوتيرة متسارعة وأكثر ضراوة.

عشرات الاتفاقات والهُدن باءت بالفشل، آخرها كان قبل يومين، شنّ الحوثيون بُعيد التوقيع عليه هجوماً عنيفاً على كل مداخل مدينة عمران شمال اليمن، بحسب افادات مصادر محلية لـ"شؤون خليجية".

وكانت جماعة الحوثي وقعت على اتفاق، بحضور مساعد المبعوث الأممي في اليمن، عبدالرحيم صابر، قضى بوقف اطلاق النار، ووقف الحشود والتعزيزات والاستحداثات من قبل كل الأطراف، ونشر مراقبين عسكريين محايدين، للإشراف على وقف إطلاق النار، والتأكد من التزام كافة الأطراف بالتنفيذ.

ويدور حديث في صنعاء حول وجود توجيهات رئاسية صدرت باستخدام الضربات الجوية مجدداً، وبشكل مكثف، لقصف مناطق تمركز مسلحي الحوثي، في حال تعذر استئناف تنفيذ اتفاق التهدئة، الذي أبرم بإشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر، وأن هناك توافقًا بين أعضاء لجنة العقوبات الدولية، على إقرار إدراج جماعة الحوثي ضمن القائمة السوداء، كأحد معيقي العملية السياسية في اليمن".

ويرى مراقبون أن الحوثي يستغل مثل هذا الاتفاق لترتيب تحركاته، مثلما كان يفعل إبان انشغال القوات الحكومية بالقتال مع تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة، جنوبي البلاد.

وفي كل مرة، تسعى جماعة الحوثيين إلى الاستفادة من عامل الوقت، وتسارع إلى فتح جبهات جديدة في عمران وهمدان، مستغلةً فرصة انشغال صنعاء بصراع داخلي يتمثل في الرئاسة اليمنية والرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ وذلك لإحكام السيطرة على محافظة عمران (50 كيلو متراً) شمال العاصمة.

وكانت الرئاسة اليمنية، التي أوفدت لجنة وساطة إلى مناطق المواجهات، أرادت أن تبقي الباب مشرعاً أمام جماعة الحوثيين للعودة إلى الحياة الطبيعية، والانخراط في العمل السياسي وترك العنف، والالتزام بما وقع عليه ممثلوها في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والتي تضمنت نزع السلاح، وتسليمه إلى الدولة، صاحبة الحق الوحيدة في امتلاكه.

وقوبلت خطوة إرسال الوساطة بغضب شعبي كبير، إذْ كيف لدولة ما أن تقوم بدور الوسيط فيما جماعة مسلحة تحاصر أحد الألوية العسكرية التابعة للقوات المسلحة اليمنية، أي اللواء 310 المتمركز في عمران.

ولقد أسقط استخدام سلاح الجو اليمني في استهداف مواقع لمسلحي الحوثيين محاولة تصوير الحوثيين للصراع بأنه ضد جماعات "تكفيرية" أو حتى قبلية، وبدا واضحاً أنهم يواجهون الجيش اليمني، وأن وجود "تكفيريين" كان مجرد "شرعنة" للصراع.

ويستقطب الحوثيون وسائل إعلام يمنية عديدة، مقروءة ومسموعة ومرئية، محسوبة على الليبراليين، ، للوقوف إلى جانبهم وممارسة نوع من التعتيم الإعلامي على ما يدور من معارك ضد الدولة وتصويرها كما لو كانت ضد مليشيا أخرى تناصب الحوثيين العداء، وذلك خوفاً من ردود المجتمع الدولي تجاه خروقاتهم.

وفي السابع عشر من يونيو الجاري حذّر مجلس التعاون لدول الخليج العربية في بيان أصدرته بعثة المجلس بصنعاء، من "مغبة أي محاولات تستهدف تقويض العملية السياسية القائمة في اليمن استنادا إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، أو إعاقة الجهود الهادفة إلى تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، مؤكدة أن دول مجلس التعاون ستعمل عبر بعثة المجلس في اليمن مع بقية الأطراف الراعية للمبادرة للتصدي لأي محاولات في هذا الصدد".

سبق ذلك بيوم واحد فقط، بيان صادر عن اجتماع سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية (سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي+ سفراء دول مجلس التعاون الخليجي) أكدت خلاله على "أن قرار مجلس الأمن رقم 2140 قد وضع آلية للتعامل مع معرقلي هذا الانتقال السياسي بأي أفعال تهدد سلم واستقرار اليمن".

وبحسب البيان فقد أكد سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية أنهم سيظلون في حالة ترقب لمتابعة الوضع الأمني والاقتصادي في اليمن، وشددوا في ذات الوقت على أن الوضع الاقتصادي في غاية الصعوبة ويتطلب اتخاذ تدابير سريعة وإجراءات بعيدة المدى.

وفي اعتقادي أن هذه أول مرة يستخدم فيها مجلس التعاون الخليجي لهجة التحذير صراحة، وهو مؤشر على أنّ دول المجلس بدأت تستشعر خطورة الوضع، ويساورها شك في انهيار عملية الانتقال السياسي في اليمن، وخطورة الصراع الدائر في الشمال على المبادرة الخليجية.

ومن المهم هنا الإشارة إلى أن جماعة الحوثيين الشيعية لا تجد ضيراً في الحديث حول الحروب الستة التي خاضتها ضد الجيش اليمني بين عامي 2004 – 2010م، لكنها لا تجرؤ على القول أن الصراع الدائر اليوم هو صراع مع الجيش، لأنها تحاول أن تتفادى العقوبات التي قد يفرضها المجتمع الدولي ضدها، واعتبارها حركة متمردة على الدولة وبقوة السلاح. كما أنها تعلم مدى خطورة تصنيفا من المجتمع الدولي ك"مليشيا" تحارب الدولة، أضف إلى هذا أن خروجها عما وقعت عليه من مخرجات الحوار الوطني يجعلها تقف موقف المعرقل للعملية السياسية في البلاد.

وكان عضو المكتب السياسي للجماعة "محمد ناصر البخيتي" قال في العاشر من ابريل الماضي في لقاء تلفزيوني إن جماعته قتلت 60 ألفاً جنود القوات المسلحة اليمنية خلال حروب الحوثيين الستة التي خاضوها مع الجيش اليمني، وأنهم يشفقون على الجيش ولا يريدون توريطه لخوض حرب سابعة، ولا نرغب في أن يتدخل الجيش والدولة في صراعنا مع القبائل".

ويتكئ الحوثيون في صراعهم مع الجيش والقبائل الموالية له على مبرر وجود من يسمونهم "التكفيريين" والأجانب" وهي ذات المبررات التي يسوقها المالكي في العراق وبشار الأسد في سوريا في صراعهم مع حركات التحرر ورجال العشائر.

ويرى الصحفي والباحث اليمني "نبيل البكيري" أن "موقف الرئيس حول ما يجري في عمران واضح تماماً منذ البداية، وزاد من تأكيد هذا الموقف حديثه الأخير مع مسؤولي محافظة عمران ووجهائها بقوله لهم "إن أمن عمران هو من أمن العاصمة" في دلالة واضحة على موقف الرئيس مما يجري في عمران بأنها مواجهة بين الدولة بجيشها وجماعة متمردة تريد أن تحل محل الدولة".

ويضيف البكيري في تصريح لـ"شؤون خليجية" " أن المنظور الطبيعي للحرب من وجهة النظر الرسمية أنها تمرد على الدولة بإرادة الإحلال بديلاً عنها، وخاصة أن هذه الجماعة كانت ضمن الاطراف الموقعة على مخرجات الحوار الوطني، وإذا بها بدلاً عن ضغطها باتجاه تنفيذ تلك المخرجات تسعى لتفجير الاوضاع عسكرياً على الارض في توجه لا يخلو من دلالة عدم إيمانها بمخرجات ذلك الحوار وأنها إنما كانت بمشاركتها الحوار تكسب مزيداً من الوقت."

واتهم "البكيري" أطرافاً وصفها ب"الثورة المضادة" تسعى للاستفادة من توريط حزب الإصلاح الإسلامي في حرب مع الحوثيين، في إطار سعيها الحثيث إلى استعادة ما تعتقده حقاً سُلب منها".

ويختم "البكيري" بالقول "هناك أطراف إقليمية ودولية مستفيدة من توصيف الحرب ب"سنية شيعية" وهي التي تسعى لإثبات نظرية حرب الأفكار الأمريكية وتقيم مشاريعها على الجدلية الصراع السني الشيعي كما هو الحال بالعراق وسوريا ولبنان، وكل هذا يصب لصالح هذه الأنظمة ذي الأردية الدينية، التي تسعى من خلالها إلى تحقيق شرعية سياسية ما تحت هذا الشعار الخادع".

من جهته، يرى عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل "محمد عيضة شبيبه" " أن تصريحات المسؤولين الحكوميين تظل مجرد كلام، ما لم يقترن بإجراءات تدعم الجيش وتُوقف عبث مليشيات الحوثي.

وأشار "شبيبه" في حديثه لـ"شؤون خليجية" إلى "أن التحوف يكمن في ان تكون الأحاديث الرسمية بشأن الحوثيين هي فقط من باب اتقاء غضبة الوطنيين الذين يطالبون الدولة بالقيام بمسؤولياته تجاه جيش البلاد وأمن الشمال".

وحول مستقبل الصراع في عمران يرى "شبيبه" أن هذا يتوقف على جدية الرئيس ووزير دفاعه في التعامل مع موقف كهذا، وعدم ترك الجيش في عمران فريسة للحوثيين، حتى تتمكن الدولة من بسط نفوذها في مواجهة الحصار الخانق الذي يفرضه الحوثيون على عمران والذي قد يمتد لا سمح الله إلى العاصمة صنعاء، خصوصاً في ظل تعاون أطراف بعينها ممن لها عداء مع الثورة".

وختم "شبيبه" بالقول "المستفيد من الصراع الطائفي بالدرجة الاولى أمريكا وإيران لأن هاتين الدولتين تريدان ان يتشظى اليمن على يد حركات العنف، حتى تشغل القوى الوطنية والإسلامية، على وجه الدّقة، والتي تمثل اغلبية المواطنين، ومنعها من الوصول إلى سدة الحكم؛ فكلما كان اليمن مفككاً وغير مستقر، كان بالتالي، بيئة حاضنة لقوى العنف والقتل والدمار".

ويمكن القول إن مآلات هذا الصراع تعتمد على مدى جدية المجتمع الدولي، وخصوصاً لجنة العقوبات الدولية تجاه التعامل مع ما يدور في اليمن باعتبار خرقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتهديداً للعملية السياسية في اليمن برمتها.

ومن خلال استقراء للمواقف الدولية وتحركات لجنة العقوبات وفريق الخبراء، الذي يزور صنعاء حالياً، أضف إلى ذلك بياني الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وبعثة مجلس التعاون الخليجي، يبدو واضحاً أن ثمّة تغيرات طرأت على مواقف هذه الأطراف من الخروقات التي تزداد يومياً، وأن هناك خطوة قادمة من شأنها وضع حد للتدهور الحاصل في شمال اليمن.

فالحوثيون في نهاية المطاف سيخضعون إلى إرادة القوى الوطنية التي شاركتهم جماعة الحوثي في مؤتمر الحوار الوطني، كما أنها لن تجد بُداً من الانصياع إلى إرادة المجتمع الدولي في وقف الحرب، لكن الجماعة ستبقي على سلاحها، خصوصاً الخفيف منه، لتستخدمه في المناورة في حال شعرت بتدني مكاسبها السياسية في ظل قاعدة شعبية ليست بالقوية حتى ممن يجمعهم مذهب واحد، أعني قطاعا كبيرا من الزيدية والهاشميين، الذين يرون في الحوثي مجرد طامع يريد الاستحواذ على النفوذ الزيدي، وتملكه تحت اسمه.

قد يلجأ الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى مساندة الحوثيين، وهناك تقارير عدة تتحدث في هذا الصدد، كون الرجل يشعر أنه يفقد شعبيته يومياً خاصة في أوساط حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يبدو أن محاولات الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي في استقطاب قياداته الكبيرة إلى جانبه ستنجح.