شائعات فوق سماء الكارثة

كان لدي أجندة للكتابة عن قادم باراك أوباما الرئيس الأميركي (المنتخب حتى 20/1/2009م) ليصبح من بعد هذا التاريخ فعليا الرئيس الحاكم، وأقصد بقادم أوباما ماذا تنتظر بلاده والعالم منه ومستقبل بقائه حيا دون موت، خصوصا وأن تهديدات جادة وخطرة من متطرفين بيض، ومتطرفين مسيحيين يطلبون رأسه لمذاهب المسيحيين اليعاقبة، فقد توهموا أنه المسيحي العدو للمسيح، ولكن ما عزمت عليه

تهاوى عند تصفحي شائعات كارثة حضرموت في الرسائل

[align=justify]التي وصلتني، فشائعاتنا تعمل أوتوماتيكيا في المصائب والكوارث، وتشقنا الشائعات والنميمة في كل حادثة إلى نصف مسروق ونصف سارق وكلا النصفين شغوفين بالتذاكي بالشائعات، بل إن بعض قوم يطببون ندوبهم السياسية بها.

والسبب أن النظام يعمل في السر وكأن الدولة مفاعل نووي أسراره لن يقوى على تحملها منهم خارجه، مع أنهم يعون أن غموض الأفعال يطلق شائعات من كل برج، فمثلا لا يماني يعرف كم من النقد دخل أو لم يدخل خزينتنا الوطنية، ممن تعهدوا بالمساعدة في كارثة حضرموت، وأنا على يقين أن عشرات الملايين لم تأتي بعد وقد لا تأتي كلها، فهناك من يتعهد من الحكام، زملاء الرئيس الصالح بالعطايا في الصباح وفي الليل يسترشدون ببخلاء الجاحظ، فيوقعون زميلهم في اليمن وأهل حكمه، في فخ شائعاتنا بأنهم قبضوا مبالغ المساعدات، وفي الأصل لا مبالغ ولا مبلغ وصل.كما حدث في إشاعة سرقة آيات إيران للمليار دولار الذي تبرعت به الدول للمزلزل بهم في بام 2004، فخاتمي الرئيس حينها واجه الشائعات مغاضبا بالقول إن 17 مليون دولارا فقط هبطت في إيران من أصل المليار دولار الذي تم التعهد به، يعني أن كل الإيرانيين حتى الآن يبحثون أين هبط ما تبقى من المليار دولار.

تماما مثل الخمسة مليار أو الأقل، وعود المانحين في بريطانيا لنا، فأنا على بينة أنها لم تطر من بلدان المتعهدين إلينا، وخوف النظام من الإعلان أنها لم تأتي يعود إلى فجيعة خيبته في التحصل عليها، فيقامر بتحمل شائعات السرقة هروبا من تحمل حقيقة أنه فشل في إحراج من تعهد بدفع ما تعهد به، لأن صنعاء ليست واشنطن والاستجداء من مكارة النفوس اليمانية، فيستحسن النظام في الحالتين النوم مع أسرار التهمة المشاعة على فضائل مصارحة اليمانيين أنه فشل في ابتكار حلول العقول التي لا تتثاءب.

والكسل العقلي عند اليمانيين للترحاب بالشائعة مثير للتأمل فهم لا يحبذون أن يبذلوا جهدا لإنصاف أنفسهم بالصدق، وإنصاف أرقام التبرعات وفرزها بين تبرعات المال النقدي والمال العيني فعندما يسمعون أن طويل العمر عبد الله بين عبد العزيز ملكك الجيران الشماليين المفدي تبرع بمأة مليون دولار، لا يذهبون فقط إلا باتجاه واحد أن المائة مليون دولار، هي دولار ينطح دولار، مع أن هذا المبلغ لن يأتي دولار ينطح دولار وسيأتي في الغالب مساعدات عينية، مواد غذائية وطبية وبطانيات ومولدات كهربائية، لكن التشوق المستعجل في إدانة النظام بسرقة المائة مليون تمنع فرز نوعية المساعدة، ومن أغرب ما يتدواله، غفلة الصالحين اليمانيين هذه الأيام أن (سائقي المروحيات) طيارو المروحيات، كانوا ينقذون الناس ويسعفونهم عبر سماءات وديان حضرموت مقابل ثمانية ألاف ريال وحتى الجنود المساكين الذين لونهم الوحل لمشاركتهم السخية في عمليات الإنقاذ تحملوا نصيبهم من تهم السطو على المساعدات، وهي تهم خطرة جدا ليست بنفسجية، فقد انتشرت بشكل مفزع وقاسي، خصوصا أنها دخلت إلى بيت الله في خطبة الجمعة وخرجت مع جموع المصلين ومن جامعين، حتى أنها وصلتني من يمانيين في أوروبا وفي بلاد أوباما، قبل أن تصلني من القيعان المنكوبة، ولا تنتهي الأقاويل في هذه المساحات فقط فأحاديث الكارثة وسرقة الضحايا الأحياء طغت على فعل الكارثة، أما الضحايا الأموات فلم يعد يعنيهم من أعطاهم أو من سرقهم. وكأن قول الشائعة إما أن تظفر بك الكارثة أو أن يضفر بك رجال يأتون مع الكارثة، وفي الشائعات هناك فقط نوايا سيئة.

وهنا اتفق مع القول أن النظام ليس معني دوما بالتفنيد الصادق لكل ما يشاع، في بلد إشاعاته لا نهايات لها، لكن الأمر هذه المرة لا يحتمل «لن اكلم اليوم إنسيا»، ويجب توضيح كل شي، عن حكايات المساعدات، كم حجمها ونوعها وكيف أنفقت وأين أنفقت ولمن أنفقت ومن أنفقها، فاليمن يمر بأوضاع هي الأخطر منذ عقود، فالوحدة مهددة تهديد حقيقي بمحور شرين لا واحد، شر الدولة الشيعة أيا كانت إثنا عشرية زيدية أو جعفرية زيدية، ومحور شر الحالمين بدولة لم يتفقوا على أسمها حتى الآن، هل هي اليمن القديمة أم دولة الجنوب العربي أم سلطنات الجمهوريات المتحدة، والشران يستفيدان استفادة قصوى من تآمر الشائعات الافتراضية، ويطلقانها على عشرات المواقع الإليكترونية اليمانية وفي جلسات دواوين الأشجار البارة، ولو آن المراهقين الصغار والكبار في مكاتب أهل الحكم في اليمن، ضيعوا ساعة مسائية كل شهر أمام شاشات النت لاكتشفوا كم قربنا من الخطر، والحل في دولة تكشف أسرارها بتواضع لشعبها، والحل في القرارات الصائبة المعززة بإكراهات الحساب والعقاب العلني، فلا متسع من الوقت بقى لنا أمام اللون الثاني من الطوفان القادم.