تطلعات نحو التنمية المنشودة

د. عبدالواسع بن سعيد هزاع المخلافي

السلطة التنفيذية (الواقع والمأمول)

بعد أن شهدت اليمن خلال الثمانية عشر عاماً الماضية عدة أعراس ديمقراطية منها انتخابات رئاسية لدورتين انتخابيتين متتاليتين وعدة انتخابات برلمانية، ويمثل انتخاب أمين العاصمة ومحافظي محافظات الجمهورية إنجازاً يضاف إلى هذه الإنجازات ويعزز الوحدة الوطنية، وتفاعلاً من القيادة مع الحُكم الرشيد المبني على حكم الشعب نفسه وبنفسه حُكماً ديمقراطياً نبراسه الحُكم المحلي واسع الصلاحيات الذي تتوزع فيه الإدارة والمال من السلطة المركزية إلى السلطة اللامركزية، والذي يمارسها الشعب بواسطة ممثليه في المجالس المحلية. فالحكم المحلي ينبغي له أن يكون مبنياً على قاعدة الولاء والانتماء لليمن؛ للأرض والإنسان وتجسيده في وجدان وأعماق الشعب وسلوكياته، ومن ثم يكون قائما على التكامل والتعاضد والتنافس في العمل والإنتاج، ولن يكتمل عقد السلطة التنفيذية حتى يعاد هيكلة مجلس الوزراء ورسم أهدافه وصياغة مهامه ضمن منظومة شاملة، على أن تكون هذه التعديلات تتناسب والمرحلة ومُلبية للاحتياجات الإستراتيجية لتصب في خدمة التنمية. ونحن لسنا ضد التغيير كما قد يظن البعض ولكننا مع التطوير الذي يكون التغيير مرحلة من مراحله، أما أن يكون التغيير هدفاً فهذه مُشكلة فلن نستقر على حال وسنبقى في سلسلة التغييرات التي لا آخر لها.

 

وعليه فالإصلاح والتطوير منظومة متكاملة، ومن هذا المفهوم يسرني أن أقدم هذه التصورات والمرئيات عسى أن يكون لها دور في الإسهام بإيجاد حلول للقضايا المطروحة، ولنعلن للناس أن عهد الترضية قد ولى إلى غير رجعة- إن شاء الله- وأننا قد بدأنا عهداً جديداً، المعيار فيه العمل للوطن، وقد سبق أن تناولنا بعض هذه المرئيات في موضوع سابق نُشر في هذه الصحيفة الغراء ومنها ما يلي:

 

 مجلس الوزراء

بعد البدء بتفعيل حكم محلي واسع الصلاحيات الإدارية والمالية، نحتاج إلى إعادة هيكلة مجلس الوزراء ورسم سياساته وأهدافه وتحديد صلاحياته بما يتناسب والنقلة النوعية التي يعيشها الوطن، من مهامه الإضافية التخطيط والتنسيق والإشراف والمتابعة. وقد يكون من الأنسب استحداث وزارات ودمج بعض الوزارات ضمن هيكلة مدروسة وليس إلحاقا كما حدث عندما ألحقت وزارة المغتربين بالخارجية فكانت كالمعلقة مع العلم أن الأقرب لهذه الوزارة هي أن تكون هيكلتها مع وزارة العمل؛ وذلك لأن اليمن عضو في منظمة العمل التابع لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهذه الدول تصنف المقيمين على أراضيها عُمالاً ومنهم اليمنيون ولا يوجد لديها وزارات مغتربين ومن ثم فإن وزارة المغربين لدينا تتعامل مع هذه الدول من خلال وزارة العمل...إلخ ومن هذا المنطلق فإننا نذهب حيث ذهبت المصلحة وعليه فإننا نرى  أنه من المناسب لوطننا الغالي على سبيل المثال الإنشاء وإعادة الهيكلة للوزارات كالتالي:

 

- وزارة للعمل وشؤون المغتربين.

- وثانية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

- وثالثة للخارجية والتعاون الدولي.

-  ورابعة للعدل وحقوق الإنسان.

- وخامسة للداخلية والأمن..إلخ.

على أن يتم تحديد مهامها وشروط ومواصفات شاغلي وظائفها، ومن ثم لابد من أن يكون لرئيس الوزراء نواب من أهل الاختصاص والعلاقة منهم على سبيل المثال: نائب للشؤون الاقتصادية رئيس للمجلس الوطني للتخطيط والتنمية، ونائب للشؤون التعليمية رئيس للمجلس الوطني للتربية والتعليم، نائب للأمن القومي رئيس لمجلس الدفاع والأمن، ويكون رئيس الوزراء رئيساً لمجلس الحكم المحلي، ورئيساً للمجلس الوطني للاتصالات والإعلام وتقنية المعلومات. وبالنسبة للوزراء قد يكون من الأفضل أن يكون لكل وزير نائب ووكلاء من أهل الاختصاص والعلاقة، فالمجلس أصبح مجلسا للخبراء (تكنوقراط). على أن يكون ذلك في إطار نظام حُكم رئاسي برلماني (مختلط)، يكون الفصل فيه بين الصلاحيات واضحا، وإلا فإن الحُكم برأسين مشكلة؛ فمادام رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من الشعب وفق برنامج انتخابي تنافسي، فمن الطبيعي أن يختار رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، لأن هذه الحكومة هي التي ستنفذ برنامجه الانتخابي الذي على أساسه نال الثقة من الشعب، على أن يتم عرض هذه الحكومة على البرلمان لنيل الثقة، والأمر كذلك في من يتم ترشيحهم لتمثيل الوطن في الخارج مثل السفراء، ينبغي عرضهم على البرلمان ومن ثم يتم إصدار مراسيم التعيين.

 

ونتمنى على إدارة المعلومات برئاسة الجمهورية أن يكون لديها حصر لأهل الاختصاص والعلاقة من الذكور والإناث الحاصلين على التخصصات العلمية في العلوم الشرعية والقانونية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية والتعليمية والأمنية والعسكرية، وبعد ذلك تصنف (السير الذاتية) حسب النوع والتخصص والمنطقة ..إلخ، ثم يتم الاختيار حسب النظام، ولابد من معيار عادل يتم على أساسه شغل عضوية المجلس، لتسود ثقافة التسامح والحوار ويتجسد فينا الانتماء الوطني لنكبر بحجم الوطن.. فنحن في وطن واحد موحد لابد من أن نكرس الوحدة الوطنية بالتشريعات ومن ثم بالممارسة العملية.

 

الحُكم المحلي

نريد حُكماً محلياً تتوزع فيه الإدارة والمال من السلطة المركزية إلى السلطة اللامركزية؛ وليس حُكماً محلياً يتوزع فيه الوطن، ومن ثم يصبح المواطن مغترباً في وطنه، يحتاج  إلى خطابات تنقل إذا ما اتجه إلى محافظة أو مديرية أخرى، ولهذا ينبغي أن تعدل الشروط الدالة على المناطقية أينما وجدت، فالناخب هو الذي يحدد مرشحه المناسب ويتم انتخاب المحافظ والأمين العام مباشرة من المجتمع المحلي في المحافظة، ويتم مُتزامناً معه الانتخاب من قِبل المديريات لبقية أعضاء مجلس المحافظة، حيث يمثل كل مديرية عضو في المجلس، ومن ثم يتم توزع المناصب والمهام بينهم في المجلس على حسب الاختصاص والعلاقة.

 

فالحكم المحلي ينبغي له أن يكون مبنياً على قاعدة الولاء والانتماء لليمن؛ للأرض والإنسان وتجسيده في وجدان وأعماق الشعب وسلوكياته، ومن ثم يكون قائما على التكامل والتعاضد والتنافس في العمل والإنتاج.. يتعامل المسؤول مع المواطنين على أسس ومبادئ وقيم منها مبدأ الثواب والعقاب والحقوق والواجبات؛ الناس سواسية كأسنان المشط، الضعيف فيهم قوي حتى يؤخذ الحق له، والقوي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه... إلخ. لنؤكد أننا بدأنا عهدا جديدا المعيار فيه العمل للوطن، وهذا سوف يشكل إضافة لمفهومنا للحرية وحقوق الإنسان وواجباته، وسيقول الناس ما أروع اليمنيين الذين قدموا أنموذجا رائعا يحتذى به.

 

المحافظات: ينظر للمديريات المتجانسة وتسمى باسم محافظة، ولعله من الاحتياجات الإستراتيجية ألا تكون المحافظات كبيرة، وقد يكون من المناسب إنشاء محافظات جديدة؛ مثلاً: المناطق ذات الكثافة السكانية مثل محافظتي إب وتعز ربما ستصبح الواحدة منها ثلاث محافظات، وهذا ينطبق على المناطق ذات المساحة الشاسعة مثل حضرموت وشبوة وتهامة، أما إنشاء محافظة أرخبيل سقطرة فهي حاجة اقتصادية واجتماعية وأمنية، وهذا الأرخبيل سيكون منطقة جذب سياحي وزراعي وسمكي وصناعي من احتياجاته التنموية الزيادة النوعية من السكان إضافة لكلية المجتمع والجامعة المتميزة بما يتناسب ومكانة الجزيرة.

 

 وبعد فإن هذه الإصلاحات مهمة في مسيرة التدرج في التطوير والعمل المؤسسي نحو تحقيق التنمية المستدامة والشاملة وفي المجالات كافة، التي أكدت مُجدداً أن المواطن محور العملية التنموية وهدفها، وهذا الخيار الإستراتيجي إذا ما أُحسن توظيفه لصالح الإنسان يضيف الكثير إلى رصيد متعاظم من الإنجازات التي إذا فُعلت ستكرس واقعا يمنيا جديدا يؤهل اليمن لدخول مرحلة مُتقدمة من العمل الوطني المُشترك القائم على التكامل والتوحد، ومن ثم يسهم في أن تتأهل اليمن لاستكمال عضويتها في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويساعدها أيضا في أن تتبوأ مكانتها اللائقة بين الأمم والشعوب المتقدمة.

 

ملحوظات

     - لعل البداية الحقيقية لتفعيل مبدأ الثواب والعقاب والمساءلة "من أين لك هذا" تكون في إصدار مرسوم يتضمن أنه لا يحق لأي مسؤول أداء اليمين الدستورية إلا بعد تقديم بيان بالذمة المالية.

      - ينبغي عدم عمل أعضاء البرلمان في السلطة التنفيذية، إلا في حالة الضرورة عندما لا يوجد شخص قادر على شغل هذا المنصب من غير أعضاء البرلمان, وفي هذه الحالة يعد منصبه البرلماني شاغرا ويتم انتخاب بديلا عنه.

- لتفعيل دور جمعيات ومنظمات المجتمع المدني قد يكون من المناسب إنشاء (مجلس)  يترأسه وزير الشؤون الاجتماعية أو وكيل الوزارة لشؤون منظمات المجتمع المدني وعضوية رؤساء وأمناء هذه المنظمات؛ بحيث يصبح عضوا في المجلس كل من يتم انتخابه رئيسا أو أمينا عاما في هذه المنظمات؛ ليكون من مهامه القيام بالرقابة والِحسبة الشعبية لمكافحة الفساد المالي والإداري وما يطلق عليه جرائم أصحاب الياقات البيضاء.

- قد يكون من الأفضل لتمثيل الوطن في الخارج أن يتم عرض الدبلوماسيين مثل السفراء ومن بمستواهم على البرلمان، ومن ثم يتم إصدار مراسيم التعيين حسب النظام.

- لعل البداية الحقيقية لتفعيل دور المرأة وتبوئها أعلى المناصب بقدرتها وكفاءتها هو تعديل الأنظمة والقوانين والتشريعات النافذة المتعارضة مع حقوقها الشرعية.

[email protected] 

 [email protected]

باحث وأستاذ جامعي