القائمة النسبية وجوانبها السلبية!!

عبدالفتاح البتولط

كان من ثمار الاتفاق الأخير بين الأحزاب السياسية موافقة المؤتمر لمناقشة مطلب المشترك بخصوص اعتماد القائمة النسبية، ولا ندري على وجه التحديد والدقة هل تم الاتفاق على إقرار القائمة النسبية أم على مناقشتها للوصول إلى اتفاق بشأنها؟ وأياً كانت الأمور فإن الحاجة قائمة لطرح القضية وإثارة النقاشات حولها، وتقديم ما يراه الباحث صواباً أو أقرب للصواب حسب الموازنة بين مزايا وعيوب كل من القائمة الفردية والنسبية.

ومما يجدر ذكره أن قضية القائمة النسبية حاضرة ومطروحه للنقاش والخلاف حولها في أكثر من دولة عربية مثل لبنان وفلسطين حيث ترفض حركة حماس القائمة النسبية بينما تدعو حركة فتح للأخذ بها، ولكل منهما أسباب ومبررات للرفض أو الأخذ مع العلم أن النظام الانتخابي المعمول به في الأراضي الفلسطينية المحتلة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس يعتمد على توزيع الدوائر إلى فردية وأخرى نسبية، ورغبة ومطلب السلطة في رام الله اعتماد القائمة النسبية في كل الدوائر، وهو ما ترفضه حركة حماس وترى فيه تحايلاً على المستقلين وغير المنتمين للأحزاب والحركات والتكتلات، وهذه بالفعل من أبرز عيوب وأخطاء القائمة النسبية التي تحصر المنافسة أساساً بين الأحزاب والتكتلات ولا مكان أو حظ للأفراد والمستقلين..

فالناخب في ظل النسبية يذهب إلى صندوق الاقتراع لانتخاب قائمة كاملة سواء على مستوى الدولة أو المحافظة ويؤدي ذلك إلى عدم معرفة الناخب بالمرشحين بل ليس للناخب حرية إذا كان لا يريد التصويت لشخص أو عدة أشخاص في هذه القائمة أو تلك فهو مجبر على أعطاء صوته لمن يحب ومن يكره ولمن يريد ومن لا يريد فيكون الاختيار والانتخاب تعصباً للقائمة والحزب حتى لو كان في القائمة شخص أو عدة أشخاص غير مناسبين للترشح والفوز بعضوية مجلس النواب.

وترتبط هذه المسألة بعيب آخر من عيوب القائمة النسبية وهو أن الحزب أو بالأصح قادة الحزب هم الذين يختارون المرشحين الذين سيفوزون ليس لكفاءاتهم وقدراتهم وشعبيتهم ومؤهلاتهم وإنما يترشحون ويفوزون لثقة قيادتهم بهم.. فتكون النتيجة تقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة هذا إذا أحسنا الظن ببعض الأحزاب، وإلا فهناك أحزاب سوف تقدم الأهل والمقربين والأحباب والداعمين..

والأهم من ذلك أن النسبية تضمن لقادة الأحزاب الفوز بسهولة وأريحية في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي يؤدي إلى أن رئيس أكبر الأحزاب والتي حصلت على أكثر المقاعد يتولى رئاسة الحكومة، ولما كان هذا النظام النسبي يسمح بفوز عدد كبير من الأحزاب الصغيرة منها والكبيرة فإن ذلك يؤدي إلى أن يكون تشكيل الحكومة بصورة ائتلافية يحتاج فيها الحزب الكبير للتحالف والائتلاف مع الأحزاب الصغيرة التي تقوم بدورها بفرض شروطها وعندما تتكون الحكومة من عدد من الأحزاب المتنافرة والمتناقضة مما يؤدي إلى اهتزاز في النظام السياسي وتشكيل الحكومة مرات عديدة والدعوة لانتخابات مبكرة، كما يحدث في (إسرائيل) هذه الأيام، أسابيع ولم يقدر أي حزب أن يشكل حكومة نظراً لتمنع بقية الأحزاب والخلافات بين الأحزاب والأشخاص والتوجهات.

* * *

أما أن القائمة النسبية تسمح بوصول الأحزاب الصغيرة والأقليات والمرأة، فإن هذا جانب سلبي وليس إيجابياً، ذلك أن النظام النسبي يصلح في الدول ذات التعدد الديني والمذهبي والعرقي ويناسبها، أما الدول التي ليس فيها تعددية من هذا النوع فإن القائمة النسبية قد تثير وتعمل على إحياء النعرات المذهبية والطائفية والمناطقية والسلالية، حيث يجد البعض الرغبة في تشكيل قائمة على أسس طائفية أو مناطقية أو غير ذلك من الأشكال العنصرية والتعصبات القبلية، مما يخلق مشاكل جديدة وأزمات إضافية وملحقة، وحسب القاعدة الشرعية والقانونية فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأما استفادة المرأة من القائمة النسبية حيث تجد فيها فرصة للفوز والحصول على مقاعد، فإن هذه تميز سلبي ضد المرأة، واعتراف بأنها لا تستطيع الوصول إلى البرلمان إلا بهذه الوسيلة القائمة النسبية أو الكوتا، والأصل أن المرأة إما أن تصل إلى عضوية مجلس النواب بجدارتها وإمكانياتها وتأثيرها وإلا فإن عليها البحث عن أسباب عدم تمكنها من الفوز بعضوية البرلمان؟!

بالإضافة إلى ما سبق فإن العمل بالقائمة النسبية يتطلب تعديلات دستورية وقانونية ودراسات وتقسيمات وحسابات وقوائم مغلقة وأخرى مفتوحة وهل نعتبر الدولة كاملة دائرة انتخابية واحدة، أم كل محافظة تشكل دائرة، ويتطلب الأمر حشد الجهود والطاقات والإمكانات للتوعية والتعريف بالقائمة النسبية ووسائل تطبيقها، وآليات فرز النتائج وتحديد المقاعد البرلمانية لكل حزب أو قائمة، وحسب ما ذكر الدكتور عبدالجليل الصوفي فإن هناك عدة طرق وقواعد حسابية تطبق حيال نظام القائمة النسبية، ومنها: طريقة المتوسط الحسابي، وطريقة الرقم الموحد أو نسبة موحدة.. وفي كلا الطريقتين نجد أننا بحاجة لعمليات حسابية ورقمية ومتوسط حسابي، والعديد من المسائل الحسابية والرياضية ومعرفة النسب والرقم الموحد، والأكثر تعقيداً من ذلك وحسب ما ذكره د. عبدالجليل الصوفي فهناك مشكلة ستظهر بعد كل العمليات الحسابية والنسب وعدد الأصوات وعدد المقاعدن تتمثل هذه المشكلة بما يسمى بالكسور أو بالمقاعد المعلقة، واين تذهب هذه الكسور وهنا تبرز طرق أخرى –والكلام للصوفي- تسمى بطريقة أكبر متوسط وطريقة أكبر باقي الأصوات، وطريقة (هوندت) التي لم يعرفنا بها وقال إن المقام لا يتسع لتوضحيها حالياً! وكأننا قد عرفنا وفهمنا ما سبق ولم يعد إلا معرفة وتوضيح طريقة (هوندت)!!

إن معرفة وتحديد أكبر متوسط وأكبر باقي يحتاج لاتفاق علماء الرياضيات أولاً، ثم يحتاج أن يقوم هؤلاء العلماء بتعليم اللجنة العليا للانتخابات واللجان الإشرافية والأصلية والفرعية بالإضافة إلى أهمية أن يتعلم رؤساء محاكم الاستئناف والقضاة هذه الطرق الحسابية والعمليات الرياضية حتى يستطيعوا أن يحكموا عند تقديم الطعون الانتخابية.

وهذه لوحدها آفة من آفات القائمة النسبية وسلبية من سلبياتها الكثيرة، وإذا كان البعض لا يفهم أو لا يريد أن يفهم النظام الفردي وأن 1+ 1 = 2، فكيف سيفهم هذا البعض مسألة الكسور والمقاعد المعلقة والمتوسط الحسابي والرقم الموحد فضلاً عن طريقة (هوندت)!! إنها عملية مرهقة لسنا مضطرين لها.

والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فهناك مشكلة أخرى بل أزمة في النظام الانتخابي النسبي وهي ما تعرف بنسبة الحسم وهذه النسبة والاتفاق على تحديدها والهدف من نسبة الحسم هو تقليل عدد الأحزاب المشاركة في البرلمان حيث يشترط القانون نسبة 2% أو 5% أو أكثر أو أقل لأي حزب يدخل البرلمان، والحزب الذي لا يستطيع الحصول على النسبة المتفق عليها في القانون لا يحصل على أي مقعد من مقاعد البرلمان وبالنسبة لبلادنا فإن المؤتمر والمشترك سيختلفان على تحديد نسبة الحسم، بحيث يطالب المؤتمر برفع النسبة إلى 100% أو أكثر كما هو معمول به في تركيا مثلاً، بينما سيطالب المشترك بخفض النسبة إلى 1% أو 2% حتى تستطيع الأحزاب الصغيرة والأصغر وحتى الأحزاب التي لا ترى بالعين المجردة تستطيع الحصول على مقاعد والمشاركة في مجلس النواب.

وهكذا نجد أن أخطاء وعيوب وسلبيات النظام النسبي تتزايد وتتكاثر مثل البكتيريا وان أي إيجابية في هذا النظام تظهر وتبرز أمامها عشرات السلبيات وفي كل الأحوال تبقى المسألة اجتهادية تتطلب المزيد من النقاش والأخذ والرد للوصول للأفضل والأجود.

* كاتب ومحلل يمني - الناس