الدكتور عبدالعزيز المقالح يقرأ الفاتحة علي أرواح شهداء الثورة والوحدة اليمنية

لست وحدي من سيقرأ الفاتحة هذه الأيام، علي أرواح شهداء الثورة والوحدة، أولئك الذين قضوا في سبيل الواجب، وهم يحلمون بأنهم يحققون حلم اليمن الواحد، ويقطعون دابر التخلف، وينشرون مباديء العدل والحرية والمساواة، نعم لست وحدي من سيقوم بهذا الواجب، وانما الشعب كله سيقرأ الفاتحة علي أرواحهم..

ليس ذلك فحسب، بل ويقرأها علي ذلك الزمن الذي كان الناس فيه يحيون أوطانهم ولا يترددون ان يحملوها - لو استطاعوا- في حدقات أعينهم أو يترددون لحظة واحدة في التضحية بأرواحهم دفاعا عن هذه الأوطان وانتصارا لحريتها وكرامتها.

لقد رحل ذلك الزمن الجميل، ورحل معه المتيمون بأوطانهم إلي حد العشق، أولئك الذين قضوا في ميادين الشهادة والشرف يدفعهم الي ذلك فيض الحب والولاء الذي يستولي علي المشاعر ويملأ القلوب ويجعل كل شيء غير الوطن ثانوياً وعابرا ولا يستحق أدني اهتمام.

وهذا الشغف بالوطن والايمان بتحريره وتطهيره وحمايته وصيانة كل ذرة في ترابه هو الذي جعل الأعداء يفكرون ألف مرة ومرة قبل ان يفكروا - مجرد التفكير- في ايذائه أو التآمر عليه.

لقد رحل أولئك المتيمون الذين كانوا دائماً علي استعداد لكي يغسلوا بدمائهم الزكية الكريمة كل بقعة تتلوث من أرض الوطن اذا ما عبر عليها محتل أو غاز أو مستبد. حقا، لقد رحل ذلك النوع من البشر الحريص علي ان يظل الوطن حرا نقيا شريفا، أولئك الذين يشبهون في حبهم لأوطانهم المتصوفة والصلحاء والأولياء الذين يقبلون الارض في صلاتهم وينحنون تقديرا واحتراما لما تفيض به ولو بالقليل من خيراتها.

وبعد غياب هؤلاء ظهرت اشكال من الآدميين لا يشغلهم الوطن وهمومه، والعمل علي الارتقاء به والارتفاع بمستواه بقدر ما تشغلهم مصالحهم، وبما يفوزون به في هذا الوطن أو ذاك من مغانم. لقد صارت هذه المغانم هي وطنهم، من أجلها يصرخون ويقتتلون وفي سبيلها يموتون.

والأخطر ان تنتقل عدوي هذا النوع من البشر الي الاجيال الجديدة الي الشباب الذين تضاءلت احلامهم الوطنية وتضاءل معها حب الوطن وأصبحوا يهيمون في حب أشياء لن تصل بهم الي شاطيء الأمان حتي وأن تحقق لهم منها الكثير لأنها غير مؤطرة روحيا ولا علاقة تربطها بحب المكان الذي نشأوا عليه وتغذوا بخيراته، وتنسموا هواءه، شعار هؤلاء الجشعين وطني مالي.. ومالي وطني!!

ومن تحصيل الحاصل القول بأن الذي يحب وطنه المكان، الآلة والتاريخ، لا يحب مواطنيه ولا يحرص علي أمنهم واستقرارهم مهما ادعي ذلك أو كذب، فهو لا يعمل سوي لتحقيق مآربه - واستقراره - مهما ادعي ذلك أو كذب، فهو لا يعمل سوي لتحقيق مآربه الشخصية.. واقرأ منذ أيام، بل منذ شهور وربما منذ سنوات سلسلة من الكتابات الغريبة تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، يتسابق الي كتابتها دون شعور أو خجل بعض حملة الاقلام، ممن يخوضون في المحرمات الوطنية ويعبثون بالمقدسات والثوابت فأكد لا اصدق ما أقرأ.

ان ابناء الوطن الواحد، واحيانا ابناء البيت الواحد يختلفون في قضايا السياسة والاقتصاد كما يختلفون في القضايا الاجتماعية والثقافية وفي اختيار الاساليب التي تقاوم الفقر الذي ينهش ملايين المواطنين، والفساد الذي يؤرق الأجفان.

كما يختلفون في السياسات العامة تجاه بعض القضايا ويختلفون كذلك في كبار الأمور وصغارها، لكن ذلك الاختلاف لا يصل الي درجة الاستهانة بالوطن ولا الي التحريض علي أن يتقاتل أبناؤه ويتناحروا فيتضاعف الإرباك ويزداد الفقر ويعم الفساد، ويجد كل مواطن نفسه غريباً في وطنه، وغير مرغوب فيه بين من كان يعتبرهم أهله ومواطنيه.

يتم ذلك في غياب أدني حد من الولاء الوطني، ووفق حسابات شديدة الخطأ ومنافية لكل القيم الوطنية والأخلاقية ولكل النظريات السياسية حتي الفوضوية منها.

تأملات شعرية:

أيها الشهداء

اخرجوا من أعالي جناتكم

كي تروا بعض ما أسقطته

ثقوب الزمان الكئيب

علي عصرنا من سواد كثيف

مايزال علي الأرض من دمكم

ما يصد العدو،

وما يكشف الخائنين ويمنع أحقادهم

أن تلوث هذا الفضاء

النظيف

•د. عبدالعزيز المقالح

•أديب ومفكر يمني

•الراية القطرية