بين طرفي السلطة والمعارضة تتآكل الولاءات الوطنية

قضيتا الجنوب وصعدة تختزلان العمل السياسي في اليمن إلى درجة توحي بأن لا قضايا أخرى يمكن الحديث حولها.

وفي ظل خطابين متناقضين للسلطة والمعارضة -من خلال بيانات وتصريحات وخطابات رسمية أصبحت تمثل خبز المواطن اليومي- صارت الأزمة مجرد توصيف بلا محددات، المعارضة تؤكد وجودها والسلطة تعتبرها مجرد خيال في رؤوس المأزومين.

وبين الطرفين تتفاقم المشكلات وتتآكل الولاءات الوطنية لتحل محلها عداءات مستحكمة ومحاولات دائبة لتصفية حسابات هي أبعد ما تكون عن أي علاقة بالمصلحة الوطنية.

المعارضة عادت إلى مربع البيانات وفي العادة يكون أقساها ذاك الذي يأتي ردا على تصريح أو خطاب رئاسي نال منها شخصيا.

في الوقت الذي يبدو فيه البلد مسرع الخطى نحو المجهول.

حلول السلطة حتى اليوم هي من تلك التي تجعل النهاية أشد بشاعة مما يتصورها البعض من خلال الحشد الشعبي المضاد يكرس الانقسام حتى داخل البيت الواحد وبالذات بعد أن تم حشرها في زاوية إما القبول بسلام المهزوم وإما بتأجيج الوضع إلى حد يصبح فيه مهدداً بالانفجار، بالمقابل يقاوم النظام ليظهر قويا، عفياً، بل وغير مبال بكل ما يحدث على الأرض من شروخ تطال جسم الوحدة الوطنية وشرعية النظام نفسه، هذه المكابرة جعلت دول الخارج تنتظر بهلع صومالاً آخر وليس ما هو أسوأ من انتظار الكارثة بدلا من الانفراج الذي لا يمكن استشرافه في ظل تمترس أطراف الحياة السياسية خلف مواقف حدية لم تبن على أسس الاختلاف حول مسببات الأزمة وإنما حول الاعتراف بها ابتداء وهي الخطوة التي لم تعزز بالحد الأدنى من الثقة.

اليوم تعدت الأزمة الأطراف السياسية المختلفة لتنتقل إلى دواخلها مسببة إرباكا يستعصي معه التفاؤل بإمكانية إيجاد حلحلة على المدى القريب وخاصة بعد أن أفسح الخلاف الداخلي لقوى الخارج التدخل وأكثر من ذلك التحكم بقرارات يفترض أنها سيادية.

إلا أنه وفي المجمل السلطة وحدها تتحمل تبعات ما يجري من اهتراء على المستوى الوطني، لأنها هي من يفترض بها التعامل مع المشكلات الداخلية وحلها دون الاتكاء على مواقف الخارج مهما كانت إيجابية ومشجعة، إذ بدون الالتفاف الشعبي يظل كل ما يقال ليس أكثر من مجاملات يفرضها التعامل الرسمي.

ولعل الزيارة الأخيرة إلى المملكة تكون قد جعلت الحقائق أكثر وضوحا ولكن السؤال هل سيتم الاستفادة والبناء عليها أم أن اختيار الحلول السهلة -حتى وإن كانت ليس أكثر من أوهام تظل- أكثر راحة للبال.

* المحرر السياسي

* صحيفة الوسط