الفيدرالية وآثارها الكارثية.. بقلم: عبدالفتاح البتول

من الغريب أن يقف التجمع اليمني للإصلاح صامتاً وعلى الحياد فيما يخص الحديث والدعوة للفيدرالية، وخاصة بعد أن دعا إليها بعض قيادات الإصلاح في تصريحات صحفية، وكتب بعضهم مقالات وكتابات بعنوان: الحل فيدرالية ورئيس جنوبي، بل إن رئيس لجنة الحوار الوطني المنبثقة عن اللقاء المشترك.

الاستاذ محمد سالم باسندوة صرح لصحيفة الوسط قائلاً: إنه وتحت سقف بقاء اليمن كياناً ديمقراطياً موحداً، لاينبغي أن يكون محرماً طرح أي خيار والحوار حوله، طالما وأن الصيغة الاندماجية قد اثبتت فشلها، وأضاف مستشار رئيس الجمهورية الاستاذ محمد سالم باسندوة قائلاً: ان هناك خيارين اخرين هما الحكم المحلي الكامل، وليس واسع الصلاحيات، والفيدرالية تقسيم اليمن إلى مقاطعات أو ولايات عدة، والمهم أن يحكم أهل كل محافظة أو مقاطعة انفسهم داخلياً وأن يتم تقاسم ايرادات كل وحدة ادارية بين الوحدة وبين المركز!! صحيفة - الوسط - العدد 239 الاربعاء 13 - 5 - 2009م.

والمشكلة أن هذه الرؤية وهذا الرأي يأتي من شخصية كبيرة بحجم الاستاذ باسندوة الذي اصبح في الفترة الاخيرة مقرباً من المشترك بل جزءاً منه، والاغرب أن احد قيادات المشترك وعضو المجلس الاعلى فيه يطرح خيارات اكثر سوءاً واشد انفصالاً وخطراً، حيث قال: الدكتور محمد عبدالملك المتوكل الأمين العام المساعد لاتحاد القوى الشعبية، ليس هناك من رأي سوى اربعة خيارات:

1 - نظام الاقاليم كما اقترحته وثيقة العهد والاتفاق اذا فوراً وبارادة صادقة.

2 - فيدرالية شطرين وحكومة اتحادية وبرلمان اتحادي.

3 - الانفصال بالاتفاق مع مراعاة المصالح المشتركة والتعامل المتميز بين مواطني الشطرين.

4 - الصراع - وتدخل اجنبي يحكم منطقة الجنوب.

صحيفة صوت الشورى - العدد 97 الاربعاء 27 - 5 - 2009م الموافق 3 جمادى الآخرة 1430ه.

وكما نرى ونقرأ ونسمع فإن الدكتور المتوكل كعادته في الاثارة والخيارات الكارثية ومقترحاته اللا وطنية واللا مسؤولة، فإنه يحصر الحلول في سيناريوهات مأساوية وكارثية ومدمرة، عبر هذه الثلاثية: فيدرالية اقاليم أو فيدرالية شطرين،انفصال بالاتفاق أو الصراع، والمتأمل في مقترحات وحلول د. المتوكل يجد أن المبادرة التي اطلقها حزب رابطة ابناء اليمن - رأي - أخف واقل شراً واكثر عقلانية ويمكن الحوار حولها مع مافيها من تقسيم للوطن وتفكيك لليمن. إلا أن هناك شر أهون من شر كما يقولون، وهناك مبادرات للفيدرالية والحكم المحلي الكامل تأتي بحسن نية وبصورة عاطفية وانفعالية، اما فيدرالية المتوكل وخياراته المدمرة فلا يمكن أن تأتي من فراغ ولا من حسن نية وانما من... !!

أما مبادرة الرابطة فإنها على الاقل تأتي من سياق مطالب انفصالية وشطرية لها امتدادات تاريخية وخلفيات سياسية تعود إلى بداية تأسيس رابطة ابناء الجنوب في اربعينيات القرن العشرين، على يد محمد علي الجفري واخرون من الذين رفضوا الدعوات التي تنادي «بعدن للعدنيين» والمواطنة العدنية وفصل عدن عن باقي مناطق الجنوب.، فجاءت رابطة الجفري تدعو لتوحيد الجنوب ورفع شعار «الجنوب للجنوبين» ورفض أي وحدة مع الشطر الشمالي، أي أن مشروع رابطة ابناء الجنوب - سابقاً - ابناء اليمن حالياً - يعتمد على نظرية توحيد الجنوب وتقسيم اليمن، وحدة الجنوب وانفصال اليمن، وهذا مابرز بوضوح في المبادرة الأخيرة التي اعلنت عنها الرابطة والتي تضمنت مايلي:

اولاً: الاخذ بنظام الدولة اللامركزية النظام الاتحادي الفيدرالي وهو أرقى أنظمة التوحد في العالم «حسب رأي حزب رأي».

ثانياً: اعتماد نظام المجلسين التشريعين المنتخبين بما يحقق التوازن الحقيقي.

ثالثاً: اعتماد نظام الانتخابات بالقائمة النسبية بحيث يتحول الوطن إلى دائرة واحدة.

رابعاً: اعتماد نظام الحكم الرئاسي الكامل. خامساً: انشاء أمن محلي وأمن عام اتحادي.

سادساً: يتم بشأن باقي أجهزة ومؤسسات وسلطات الحكم المحلية وصلاحياتها الكاملة وتنظيم علاقاتها بالسلطات الفيدرالية مايتم في مثيلاتها في العالم.

وهذه المقترحات تهدف حسب مبادرة الرابطة لتحقيق مفهوم المواطنة السوية والعدالة في توزيع الثروة والسلطة، والديمقراطية المحققة للتوازن والشراكة الحقيقية والتنمية الشاملة المستدامة، صحيفة - رأي العدد 495 الثلاثاء 16 جمادى الآخرة 1430ه الموافق 9 يونيو 2009م.

والمشكلة أن هذه المبادرات تأتي في الوقت الذي لاتحتاجها البلاد ولاتتناسب مع اليمن ولاتخدم الوطن ولاتحافظ على الوحدة، بل على العكس فإن مثل هذه الخيارات والمبادرات تعني تقسيم وتفكيك اليمن، وكما يقول القيادي الاصلاحي الاستاذ محسن بن شملان عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للاصلاح.. فإن الفيدرالية تتشكل من عدة أقاليم، ولاتخاذ مثل هذا القرار لابد أن نوجد هذه الاقاليم اولاً بعد الاندماج، نكسر الوطن إلى عدة كيانات واعطاء هذه الكيانات شرعيتها ثم بعد ذلك تتشاور هذه الكيانات وتندمج إن ارادت على أسس جديدة تتعاقد عليها ثم أنه في حال وجود هذه الكيانات من يضمن حتى وجود الفيدرالية لأن الفيدرالية ربما تكون بشكل طوعي واختيار حر فربما يقول اقليم خلاص انا لا اريد الوحدة الفيدرالية وهذا يضعنا في مأزق اخر، ويؤكد القيادي الاصلاحي محسن بن شملان في لقاء مع صحيفة الصحوة على أن الوحدة الاندماجية تحققت فعلياً على ارض الواقع وتحققت بشكل اندماج كل الاجهزة، لكن الخلل فيها اصابها بالعور، ولا استطيع اقول انها استنفدت عمرها الطبيعي لا. لايزال هناك امل كبير في اصلاح الاوضاع، اذا كان لدى السلطة الحالية ارادة في ان تصلح هذه الاوضاع.

صحيفة الصحوة العدد 1180 الخميس 25 جمادى الاخرة 1430ه 18 يونيو 2009م. ومع التقدير للاستاذ محسن بن شملان على موقفه الوطني والشجاع والمبدئي في رفض الفيدرالية والتحذير منها، نتمنى على التجمع اليمني للاصلاح تبني وحمل هذا الموقف واتخاذ موقف حاسم وواضح من الاصوات والمبادرات التي تدعو للفيدرالية باعتبارها دعوات لاتقل خطراً عن الدعوات الانفصالية والنزعات المناطقية، وكما هو واضح من حديث محسن بن شملان فإن تحقيق الفيدرالية يتطلب تقسيم اليمن اولاً لاقاليم وكيانات، أي أن الخطوة الاولى للفيدرالية التقسيم والتفكيك ثم اعادة الربط والدمج والتوحد من جديد، وهذا ضرب من الجنون أن يتم تقسيم الموحد وتفكيكه وتدميره ثم بعد ذلك توحيده فيدرالياً وبالحظ قد ينجح التوحيد والتركيب من جديد ام يفشل.

وكل ما سبق يثبت أن الدعوة للفيدرالية تستهدف اساساً وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وأن الحكم المحلي كامل الصلاحيات لا يختلف عن الفيدرالية، وإن كل هذه الدعوات والمبادرات تلتقي في خط واحد مع الدعوات الانفصالية والنزعات المناطقية والطائفية والسلالية والقروية والعنصرية.