
حال شكوى اليمن من ألمٍ يُلِمُ به يتداعى له بالهم باقي أشقائه العرب، ولا سيما جواره اللصيق قبل محيطه القريب، وجميعهم يسارع إما إلى التأييد المعنوي عبر البيانات والتصريحات والمبعوثين أو الدعم المادي لمعالجة الشكوى والأمراض اليمنية لمنع انتشار عدواها بحصرها في نطاقها الضيق. تختلف في ذلك أشكال الدعم والمعالجة من بلد لآخر.
ومهما اختلفت أحجام وأشكال هذا الدعم وكذلك أبعاد وبواعث تقديمه، فلا بد من تقدير هذا (الإشفاق العربي من الإخفاق اليمني) بنحو يتجاوز المشكلة ولا يرحلها ولا يستبقيها لغماً موقوتاً.
حقّ للأشقاء والأصدقاء من السعودية إلى أميركا مروراً بمصر وباقي الدول العربية الشقيقة والأوروبية الصديقة، حق لهم القلق على اليمن تطبيقاً لـ"تفسير الشيخ الفيلسوف حسن بن محمد الدعيس لما يروى من حديث: (إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن). لقد كان يقول إن معنى عليكم باليمن، الزموها واهتموا بها، ودافعوا عنها لأنها كثيرة الفتن وفيرة المحن، وليس المراد ما يقال في تفسير الحديث بأنه الجأوا إليها وفروا من الفتن اإليها" (الصديقان الإرياني والمعلمي ص 118).
ينظر العالم إلى اليمن باعتباره "عمقاً للأمن (والخطر!) الاستراتيجي" في آن.
للأمن إذا أحسنت الأطراف اليمنية تجنيب البلد المزيد من الانزلاق إلى مزالق الاصطراع بالوكالة عن الآخرين.
وللخطر إذا لم يفعلوا ذلك. وهو ما يُلقي عرض الحائط بأي جهد ومحاولة خارجية لاحتواء الأزمات المتجددة، من مشاريع تنموية ومبادرات سياسية ومعونات مختلفة لن تؤتي ثمارها إذا لم يدرك اليمنيون أخطار ما يختلقون لأنفسهم من أحداث مضافة إلى "تاريخ الحروب والفتن".
والقلق العربي على اليمن يدفع العرب للبِدار لتحصين أنفسهم أساساً مما يدور في اليمن، ويسعون جهدهم إلى تقديم ما يلزم تقديمه للنظام والشعب اليمني لمعافاتهم من أعراض الأمراض التاريخية الناشئة عن أطراف لم تبدِ بعد أدنى استعداد للتعافي بالحوار والسلم، لأن القابعين في قلاع وحصون الصراع أبعد ما يكونون عن الذهاب إلى السلم والتصالح لفقدانهم الثقة في أنفسهم أساساً ومن ثم في الآخرين، ولذا لا تجدي النوايا العربية الطيبة نفعاً معهم، ومع نهجهم الخارج على التاريخ وسنن الكون. والذاهب باليمنيين "من شعوب وقبائل لتعارفوا إلى فرق ومذاهب لتقاتلوا"!
الحل لمشاكل اليمن لا بد من أن يكون يمنياً خالصاً، وبأطراف محايدة فعلاً، وإن تطلب العون العربي القَلِق الذي يعتبر اليمن عضواًً رئيسياً في جسد العروبة بجزيرتها وخليجها تاريخياً وجغرافياً.
وما لم يذهب اليمنيون بأنفسهم أولاً، بعد استدعاء الحكمة اليمانية واستحضار بعد النظر، إلى حل مشاكلهم فلن تجدي معونات عربية ولا نداءات دولية ولا اتفاقيات هدنة مؤقتة، وسيتزايد شعور العرب بالقلق على اليمن.. ومنه!
القاهرة 24 أغسطس 2009م





