اليمن والأخضر الفاطمي!

تفاجئ الشارع السياسي في اليمن بخبر زيارة الرئيس علي عبدالله صالح إلى الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى للمشاركة في احتفال الذكرى الـ40 لثورة الفاتح من سبتمبر، إذ أن توقيت الزيارة وعواقبها غير المحسوبة على قضايا اليمن الملحة يجعل منها خطأ سياسياً لا مبرر له..

ذلك أن أية فوائد مرجوه من هذه الزيارة لن تكون أكبر من المضار المترتبة عليها، وذلك لتزامن هذه الزيارة مع حدثين هامين، أولهما اجتماع مجلس التعاون الخليجي لمناقشة الأوضاع الناجمة عن التمرد الحوثي، وثانيهما تصريحات القذافي الأخيرة حول جنوب السودان وإبداءه استعداده لدعم استقلال الجنوب، رغم نصيحته لهم في ختام كلامه بعدم السعي لذلك.. كما هي عادة القذافي في خلط الأمور والمصطلحات والمواقف إلى الحد الذي جعل الشارع العربي يصفه بالمجنون.

ينتقل القذافي 180 درجة من الشرق إلى الغرب، ومن العروبة إلى الأفرقة.. ويسهم بشكل (مرسوم ربما) في إفشال أي تقارب في أية قمة عربية. ويهدر أموال الشعب الليبي المحروم في دعم كل تمردات العالم على امتداد القارات الست في ليبريا، والبرازيل واليمن وإيرلندا والسودان ... الخ..

يعرض بلده عقوداً من الزمن للحصار بسبب امتناعه عن دفع تعويضات "لوكربي" ، وفجأة وبعد كل هذه السنوات يقدم التعويضات..

لا يتحدث الغرب مطلقاً عن طول فترة حكم الرجل (40 عاماً) ولا عن ملف حقوق الإنسان في ليبيا.

الأزيد من ذلك أن "الأخضر الفاطمي" (وهو الوصف الذي أطلقه عليه الكاتب الكبير حسن الأشموري).. الأزيد أنه قتل الأسماء داخل ليبيا التي لا يعرف العالم رموز من أبنائها.. سواء في السياسة أو الرياضة أو الفن أو الأدب أو العلم أو الاقتصاد عدا معمر القذافي. ومؤخراً ابنه سيف الإسلام ومبعوثه قذاف الدم..

للقذافي كلمة شهيرة في اليمن، أنه قال سوف يجلب لهم ألغاماً بعدد السكان (لغم لكل مواطن).. كان هذا في أواخر السبعينات ولازالت إلى اليوم ألغام القذافي تتفجر في المناطق الوسطى في اليمن مخلفة شرائح من المشوهين والمعوقين رجالاً ونساءً وأطفالاً ورعاة أغنام..

لا يهمنا كل ما سبق، قدر ما يهمنا أن الرئيس علي عبدالله صالح يستمر في لعبة التوازنات في زمن لم يعد يستدعي ذلك.. حاضر اليمن ومستقبله يتوقف على مدى انسجامه في السياسات والمواقف مع جواره الإقليمي، وبالتحديد المملكة العربية السعودية وعمان وباقي دول الخليج. ما بالك أن هذه الزيارة تأتي بعد اتهامات بعضها رسمي بدعم يأتي للحوثيين من قبل "الأخضر الفاطمي" الذي كرر في السنوات الأخيرة تصريحات عن طموحه بإعادة دولة الشيعة الفاطمية.

لقد قتل القذافي ليبيا، وقتل خلال ذلك الحركة الناصرية ومشروع التقارب العربي والاتحاد المغاربي وقام بالتمييع الذوغمائي لكافة القضايا والمواقف.. ولا أحد يآخذه عربياً أو عالمياً، لأن أشقاؤه اعتبروه ممن رفع عنهم القلم. بينما الغرب يجد فيه أفضل منفذ لمخططاتهم بوجه مشابه لأسلوب جهاز المخابرات اليمني بعض أدعياء الاضطراب العصبي في الشوارع!ّ

ملك الملوك وزعيم أفريقيا الأخضر الفاطمي لا يستحق أن يهرع زعيم بلد مكلوم من سياسات هذا الرجل لتهنئته بعيد الجلوس..

البعض يقول إن زيارة الرئيس لذلك النظام الأخرق هي واجب بروتكولي في مثل هكذا مناسبة، وبالتالي فالرئيس اليمني مثل نظرائه أمير قطر وملك الأردن.. الخ.. والبعض الآخر يرى أن هذه الزيارة هي من باب اتقاء الشر، لكن تجارب أربعة عقود في العالم أثبتت أن الرجل مهووس بدعم التمردات والاضطرابات أيا كان شكلها أو لونها أو هدفها..

لذا نكاد نجزم أن هذه الزيارة لن تجبر الأخضر الفاطمي على التخلي عن هوايته إزاء اليمن. وبالتالي فإن الأفضل لرئيسنا – يحفظه الله- أن يقوي جبهة الداخل ويعزز تلاحمه مع المحيط المجاور خير من إضاعة الوقت فيما لا خير منه.

ويبدو أن الرئيس قام بهذه الزيارة وفي حسابه كيف يعالج أثارها السلبية ولا أدل على ذلك من مغادرته السريعة لطرابلس إلى مدينة أغادير المغربية للاطمئنان على صحة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز..