جنوبا باتجاه اليمن شمالا باتجاه السعودية!

مقالات كثيرة أتت بي إلى هنا، صنعت فيها لنفسي أعداءً بعضهم طلب ويطلب رأسي وثلة أنزلتني منازل العمالة لمقالات كنت فيها وسأمكث إلى جانب السعودية البلاد التي أحبها جدا بعد (يمن الأخيار) يمن السماء سهيل..

ومع محبتي لديار بن سعود وهم أهلنا، لم تبارحني دائما الشكوى منهم ومصارحتهم بنفس أبية لا تنافق، تعشق اليمن وتعشق السعودية في الغداة والآصال، ففي كل موجعات اليمن يحاصرني سؤال وددت بعبودية الساجد لله في أناء الليل وأطراف النهار أن أسأل الله جل جلاله.

لماذا يا رب تضعنا نحن والسعودية في نفس المكان الجغرافي، فنحن نشعر أنهم معنا وضدنا، نشعر أنهم يتفرجون علينا وإن شفقوا علينا، وعدوا بالمساعدة ثم أوفوا بنصف الوعد بعد مطالبات استنجاز الوعد وإذا ما حدثت كارثة في بلاد أخرى يتطلب دعم السعودية، تأجل وعد الدفع، ثم نستحي من كثرة المطالبة فيتحللون من الوعد.

ومقابل سؤالي، السعوديون من خلف الأسلاك والسور الذي يقيمونه بهدوء لحجزنا عنهم، يسألون نفس السؤال، لماذا يارب تجاورنا بقوم يأجوج ومأجوج، اليمن الكثير الانفعالات، اليمن الشرس، اليمن المالك للعلامة التجارية (الفقر)، اليمن الكثير الطلبات، اليمن الذي لا يحسن طلب المساعدة، اليمن الذي إذا أُعطي المساعدة سرق الموظفون الحكوميون المال الممنوح للمساعدة، اليمن الذي نحسه معنا وضدنا، اليمن الذي يقلقنا مضطربا وهادئا (هذه أسئلتهم وأخرى)، عموما لم نأت إلى الجيران الشماليين إذا كانت المشكلة هي من أتى أولا، نحن الأقدم لقد جاورونا، أما نحن فلا زلنا كما قلت سابقا في مكاننا لم نتحرك.

هل رأيتم يا رعاكم الله اليمن تحرك بأي اتجاه جغرافي، كلهم تحركوا باتجاهنا وأخرهم كانت دولة إريتيريا، لولا الأرشيف العثماني والفرنسي ومحكمة (دين هيج) لاهاي الذي أوقف تحركهم، كلهم تحركوا نحونا،إلا نحن، فلازلنا واقفين في نفس المكان الذي وقف فيه اليماني الأول، ولا اعرف منذ متى ونحن هنا.

لقد فقدت التتبع التاريخي لطول السنين التي نمكثها هنا، وليس هذا فحسب، بل نحن طيبون، لقد أتانا حاكمون من ثقافات كثيرة، لقد سلمنا حكمنا للأحباش المسيحيين وللفرس الزرادشتيين وحكمنا القرشيون في نسختهم الأولى الأمويون عليهم سلام الله والعباسيون وحكمنا القرشيون في نسختهم الثانية الشيعة الزيدية.

وحكمنا الأيوبيون وحكمنا الباب العالي العثماني وحكمنا البريطانيون وحلم بحكمنا الإغريق، ولمّا لم يتمكنوا حكمونا سريا بالاسم الذي أطلقوه علينا (اليمن السعيد) أما من يحلم بحكم اليمن اليوم فإنه يستغفر الله من هول الكابوس، ومع هول الكابوس نحن أطيب الشعوب ويسهل الضحك علينا بالكلمات الطيبات..

وهذا لا يعني أن ليس بيننا مجرمون يُهَربون مع جنسيات عربية وعجمية عبر الحدود اليمنية السعودية المخدرات والسلاح إلى داخل المملكة، فنحن ساذجون نفتح قلوبنا إلى آخر مدى، واسألوا طويل العمر كم مرة مشى فوق سوء الفهم السياسي مع الرياض، لأن رجالات السعودية في اليمن ومخابرات عربية وأجنبية قالوا للسعوديين مالم يقله الرئيس وما لم تقله السياسة هنا..

والغريب أن هؤلاء الرجالات في اليمن اختفوا جميعا من المواجهة في صعدة، بل إن بعضهم دعم الحوثة بالسر، إلا أولاد الشيخ الأحمر الذين يتميزون كأبيهم بالصدق وباختيار الموقف ذي الوجه الواحد، وهؤلاء الرجالات،هم من يؤسس بنقل المعلومات الخاطئة، فتتردى العلاقات، مسنودين بآخرين في المملكة وآخرين خارج المملكة.

ولا يقفون عند النقل الحرفي للدس على المؤسسة الرئاسية وعلى المملكة، بل يضيفون ويحذفون ويعدلون الأقوال، وهكذا يفسدون العلاقات يا رعاك الله، ثم يقع سوء الفهم الكبير بينهم وبين طويل عمرنا فترتبك العلاقات وتبحث المملكة عن من يحرك الموقف السلبي، وما أكثرهم في الرياض وجدة وهنا فيزعجونه ويزعجونا على الحدود، وباشتغال التلفونات، تصاب العلاقات بمس من الجن. هذا لا يعني أن الرئيس وعصبته لم يتألفوا مع ظلامات سياسية وتلاسن المواقف، حتى قال القوم (غدر بنا اليمنيون).

من هنا نريد الوقار السياسي الذي نشهده الآن بين الرياض وصنعاء بعينين مفتوحين وعقل في كامل وعيه، ولا نريد للقصور الملكية والأميرية عند الجيران الشماليين ودار الرئاسة أن يدخلا في كل مرة إلى الغرفة الرمادية، ليعيشا بين النقيضين، وتعالج الأمور على النقائض.

أما فقه ووعى قوم جنوبا باتجاه اليمن وقوم شمالا باتجاه السعودية أن المملكة واليمن مستهدفان في وحدتهما الترابية والسكانية ونظامهما الملكي والجمهوري الآن أكثر من أي وقت مضى، ولن ينجو احدهما إن فرط في الآخر، هي العلاقة المميتة المحيية فإما يحييان معا أو يموتان معا، تغيرت المعادلة.

فالسعودية اليوم ليست من الداخل أقوى مثلما كانت قبل سنوات، واليمن ما خالف الحال، إيران تلعب بهم وتلعب بنا، إيران تلعب بهم من واشنطن وبريطانيا ومن العراق ومن المنطقة الشرقية ومن نجران وتلعب بنا في الهضبتين صعدة ومحور ردفان الضالع وتلعب بنا بعلي سالم البيض ابن عم روح الله الموسوي الخميني (قدس الله سرهما)، يلعبون ونحن في علاقتنا كما يمشي الوجى الوحل..

ولا مخرج للسعودية واليمن لتفادي الاختفاء التاريخي للبلدين سوى الالتحام السياسي المؤسسي كما قال مفكر اليمن ونابغته أحمد عبد الله الصوفي، ولتنسى الرياض أن اليمن خطرا عليها في قوته، أمنا لها في ضعفه ولينسى اليمانيون جميعا أن السعودية لا تذهب إلى النوم لأنها تفكر في إضعاف اليمن، هذا هراء لا يقبله الهراء، ومع التلاحم السياسي لا بديل عن علاقة شجرة الرضوان بين الرياض وصنعاء.

تعبنا أربعين عاما من علاقات الوزارة ووزارة أخرى، لم تقدم السعودية لليمن سوى القلق السياسي والاقتصادي ولم يقدم اليمن للسعودية إلا القلق الأمني وقلق الحدود وقلق أن يرتزق اليمن لأحد ضد السعودية.

حسنا هذا ليس كلاما منفعلا، إليكم الحديث الانفعالي، قلت سابقا أني وعيت على حب المملكة وهي القائدة الروحية والزمنية لنا، ولكني لا أنافقهم، سموا هذا الحب ما شئتم وبهذا الحب الجارف لقائدتنا المملكة سأرمي بهذا السؤال الشقي، ماذا قدمت السعودية لليمن، الجواب قدمت وقدمت لكن قدمت القليل، لأنها لو قدمت الكثير لخرجنا من الفقر الوطني العام بنسبة خمسين وبقت الخمسين في المائة، مسؤولية طويل العمر النجراني الأصل علي عبدالله صالح (لا تستغربوا سنحان كلها اتت من نجران عبر مأرب ووديان أخرى) ويتحمل المسؤولية المفكر شيخي أحمد عبدالله الصوفي.

وفي هذا الحديث عن المساعدات، لن أكون كاتبا ضِليلاً، نحن بحاجة إلى استقامة حديث عن المساعدات السعودية، فكثير من السعوديين (طفشوا) منا ومن مشاكلنا، يتحدثون أنهم أغرقونا بالمساعدات وياليتهم فعلوا وأغرقونا وما بالغوا، لأن هناك مبالغة في مساعداتهم لنا..

وما قدموه لنا ليس إلا جدولا ينأى ويقترب، جدول متقطع في ساقية مقابل نهر مساعداتهم لآخرين، وإليكم مثالا بسيطا بغرض المقارنة لا المشاحتة، بين عامي 2006 و2008 (عامين فقط).

قدمت السعودية للبنان نحو ثلاثة مليارات دولار وبالتحديد مليارين وثمانمائة وسبعة وخمسين دولاراً (بلاش لبنان) ضخ سعوديون أكثر من ملياري دولار فقط في سوق البورصة الأردنية في عام واحد وبالتحديد مليارين وثلاثمائة وأربعة وعشرين مليون دولار (بلاش هذه) عشرات المليارت استثمرها سعوديون في المغرب ومصر والسودان وفي غيرها من البلدان (بلاش هذه) عشرات المليارات قدمتها السعودية لخمس دول عربية خلال الثلاثين العام الماضية بل بنت مدنا سكنية ومشاريع عملاقة..

رغم أن هذه الدول يأتيها رزقها رغدا حين رواحها وحين غدوها من أميركا وأوروبا سنويا كما أن زعماء هذه الدول ودبلوماسييهم يحسنون مطاردة المساعدات والإيقاع بها في جراب دولهم، وهذه الدول أفضل حالا منا واقتصادياتها ومواردها الطبيعية لو وجدت فيها الحكومات المتزنة الراشدة لكانت أفضل من إسبانيا وكوريا الجنوبية (بلاش هذه).

اذهبوا إلى الصندوق السعودي للتنمية (Saudi development found) وابحثوا كم حصلت اليمن على مساعدات خلال العشرين السنة الماضية وقارنوها بأخرى مساعدات حصلت عليها دول عربية، عندها ربما تكتشفون أن السعوديين ما بسطوا يدهم لنا، (بلاش هذه)..

السعوديون حكومة وتجارا خسروا مئات المليارات في الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، تبخر فيها المال تبخر السراب في عين الرائي التائه في صحراء الربع الخالي، ما ضرهم لو استثمروا حتى في القات في اليمن عشرة مليار دولار ليستقيم على قدميه، ها قد ضاعت عليهم ولا جزاءا ولا شكورا وقد يحاسبون على ضياعها في اليوم الآخر.

لن استرسل فتوضيح الواضحات من الفاضحات، لكن القول النافع أن آل سعود والسعوديين، ما قصروا ولن يقصروا إن أحسنا أمرين، الإحسان في طلب المساعدة والإحسان في كيفية صرفها وموضوع آخر وهو الأهم أن نحافظ على السعودية في ذاتنا السياسية والوطنية بجلال المكانة وصدق الموقف وألا نتحول إلى سلاح لإيذائها والغدر بها من الخلف بيدنا أو بيد من يريد بها السوء من جهتنا..

وعلينا أن نضعها في حدقات أعيننا تماما كما اليمن في حدقات أعيننا وكل ذلك عبر مخزن الكرامة الوطنية لليمانيين بمعنى أن يكون موقفنا واحدا لا يتغير إن ساعدونا وإن شحوا علينا، واختم بالترضي والدعاء لمليكنا عبدالله ولأميرنا الوليد بن طلال ولإمامنا عايض القرني ولسفيرنا علي بن محمد الحمدان صاحب الوقار السياسي (فالله الله يا علي في المشاريع) وإلا فاستعدوا لنصب المخيمات لملايين اللاجئين.