تشويش الرؤية الأميركية لليمن

أشار أدموند هول، السفير الأميركي الأسبق لدى ‏الجمهورية اليمنية، في مقاله "أرض أشباح القاعدة" ‏المنشور في "نيويورك تايمز" ثم "السياسية" الأحد ‏‏17 كانون الثاني 10م، إلى جملة مفاهيم خاطئة ‏شوشت الرؤية الأميركية صوب اليمن،

واستعان ‏بخبرته في الشأن اليمني على تصويبها؛ كونه حل ‏سفيراً في مرحلة تحول صبغة الاهتمام الأميركي ‏باليمن من الشؤون المدنية عبر مسؤولة دبلوماسية ‏كسلفه باربرا بودين إلى الشؤون العسكرية عبر ‏مختص بشؤون الإرهاب هو هول نفسه (يا للهول!).

‏ومرد هذا التحوّل تغيّر السياسيون الأميركيون عامةً ‏من حمائم الديمقراطية إلى صقور الجمهورية بجانب ‏تفجير المدمرة "يو إس إس كول" في العاصمة ‏الاقتصادية عدن في تشرين أول 2000م.‏

المهم في المقام ما ورد في مقال هول عن أهميّة ‏مواجهة المفاهيم الخاطئة باعتبارها "الخطوة الأولى ‏نحو إدراك هذه التهديدات للأمن الأميركي واليمني ‏والدولي والتغلّب عليها".‏

‏... ومن المعروف أنه غادر منصبه الدبلوماسي في ‏العام 2004م، بعدما أثار جدلاً كبيراً حول تحركاته ‏غير المقيّدة والمستفزة، وهي سمة غالبة على معظم ‏سفراء الولايات المتحدة لدى معظم البلدان.. النامية. ‏في تلك الفترة.‏

‏(ما علينا!).‏

جملة مفاهيم خاطئة عن: عدم امتداد نفوذ السلطات ‏خارج صنعاء، الملاذ اليمني الآمن للقاعدة، تمزّق ‏اليمن بفعل انشقاقات طائفية مذهبية كما العراق ‏ولبنان والتحالف بين القاعدة والقبلية؛ تصححت ‏بجملة حقائق أوردها عن: نفوذ ممتد في معظم ‏المناطق خارج صنعاء، انتفاء الانجذاب للقاعدة، بُعد ‏اليمن عن الانشقاقات العراقية واللبنانية، ورفض ‏عقلاني من القبلية اليمنية لمنهج القاعديين وشكل ‏التحالف الواقعي غير الأيدلوجي بين القبائل وغيرها ‏من القوى، متجرداً في ذلك من مهام منصبه، ‏ومكتسباً ما عرفه أثناء أدائه.‏

بيت القصيد هنا: أنه لم يكلّف نفسه توضيح هذه ‏الحقائق خلال فترة عمله، مما يعين على تعزيز ‏وترشيد التعاون والعلاقات مع الحكومة بدلاً من ‏جعلها موضع شك واهتزاز واضطراب ونشوء المفاهيم الخاطئة ومن ثم تصحيحها في وقت متأخر!. (الأمل في ‏خلف توماس كراجسكي السفير ستيفن هيش ألاّ يقع ‏في هذا الموقف المهول، وتقديم النصائح بعد ‏خروجه من اليمن!!).‏

ولئلا يظلمه أحد! علّه قدّم هذه الحقائق بعد ما ‏اكتشف، وسجّل بنفسه، أن "إساءة قراءة التاريخ ‏والمجتمع اليمني يمكن فقط أن يعقد مفاهيم سياسة ‏أميركا لمواجهة الإرهاب". علّه قدّمها دون أن يكلف ‏أحد نفسه قراءتها، ومن ثم تحويلها إلى مقترحات ‏برامج مبكِّرة لتعاون فعّال بين البلدين الشريكين في ‏الضر والأذى!‏

واضح للعالمين، من خلال هذا، أن تقويم وضع ‏اليمن لم يخضع طوال الفترات الماضية لدرس ‏وعناية القُوة الأميركية العظمى وملحقاتها الأوربية ‏الصغرى، فكان نصيب اليمن إما تهويل أحداثه على ‏النحو المشهود للمتابعين اليوم، أو تهوين شأنه. ‏وحسب نقاشات مستفيضة ومتداولة مؤخراً حول ‏‏"البلدة الطيّبة" يتبدى حجم الاهتمام بهذه الزاوية ‏الاستراتيجية جغرافياً وسياسياً من عدد المختصين ‏به لدى دوائر الخارجية الأميركية.‏

ولا يثير استغراباً أيضاً تسميتهم في وسائل الإعلام ‏للأشياء بغير مسمياتها أو يطلقون العنان لخيال ‏توصيف الأشخاص كما يحلو لهم أو لبعض ‏المؤثرين في منابرهم، فعلى سبيل المثال -حسب ‏تقارير إعلامية أميركية- قيل إن الرئيس علي عبد ‏الله صالح "صدام الصغير"، رغم الفوارق الواضحة ‏بين الشخصيتين، وأهمها اللحاق بمتغيرات العصر ‏وإدراك عواقب التأخر عنها، وتجنيب البلد أخطر ‏الضربات، ومواكبة النحو الضامن للاستقرار، وإن ‏مرحلياً.‏

علي عبد الله صالح هو علي عبد الله صالح بإخفاقاته ‏ونجاحاته، وخصوصية نموذجه، وباعتزازه بذاتيته ‏ويمنيته ومسايرته الواعية لاتجاهات الرياح العالمية ‏دونما انحناء أو تفريط أو إفراط.‏

واليمن هو اليمن بسعادته وشقائه، ومستقبله ‏الموصول بماضيه ما لم يتطوّر حاضره.‏

والمفاهيم الخاطئة تبقى خاطئة إلى حين بُدو حقائق ‏ساطعة تجلّي الغموض وتتبيّن الطريق إلى رؤى ‏تعاون مشترك وأفضل، وإن تأخرت جهود ‏ومقترحات التصحيح والتصويب من أدموند هول!‏