بمطار سرت لقبوا الرئيس صالح ب"أبو عبدالله" (2)

في وقائع وصور قمة سرت استقبل القادة في المطار زملاءهم القادة. القذافي حجزهم على هذا النحو، وتلك واحدة من تجدد معمر، الزعماء العرب حصلوا على حفاوة لم يشهدوا قبلها مثالا وشبها..

إذ استقبل مطار القرضابية في سرت الزعماء بهتافات مميزة لكل رئيس أو من يوازيه فمثلا هُتف للرئيس صالح ترحيبا بكلمات من الأهازيج تخصه ولكنهم سموه "أبو عبدالله" ولا علم لدينا أن له ولدا اسمه عبدالله.

وخالف معمر بروتوكول الاستقبال في تجميعه للرؤساء في المطار، ففور استقبال معمر للضيف عند سلم الطائرة يأخذه إلى خيمة أعدت في المطار، فيتفاجأ ذلك الضيف بحزمة من الرؤساء أمامه، بعضهم وصل قبل ساعة أو أقل أو اكثر، ثم يأخذ الرئيس القادم مقعده، فمن وصل مبكرا كان إلى جانب القذافي ومن تأخر تباعد مقعده، وبعد أن تزدحم الخيمة يُطلق سراحهم ويذهبون في قافلة ولا اعتقد أن ملل الانتظار أخذ حاجته منهم، فقد عمل القذافي على أن يكون بقاؤهم لمؤانسته مقترنا بعرض كرنفالي شيق.

ولكن واقعة قمة سرت الكبرى التي اعتبرتها أوروبا وإيطاليا فضيحة (بجلاجل) كانت قُبلة ليد معمر نفذها رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني صبيحة القمة، إذ تقدم برسلكوني المرح مشاغب الطليان وأوروبا، للحديث مع معمر وانهى حديثة بانحناءة يابانية ساحبا معها يد معمر اليمنى مقبلا، على طريقة تلاميذ شيوخ الطريقة، التقطتها الأقمار الصناعية وفي دقائق، شاهدها زعماء أوروبا وعرف بها ملايين الإيطاليين وهتف الفاشست الإيطالي،ضاعت كرامة إيطاليا في سرت، أما اليمين العنصري الأوروبي فقد وصفها بالاهانة لأوروبا..

وحقيقة فإن برلسكوني رجل تفاعل اللحظة، ففي واحد من مؤتمرات قمة الاتحاد الأوروبي في ألمانيا، كان قد حُدد كالعادة وقت وصوله لمكان القمة، وعندما تقدم موكبه من البساط الأحمر ومستشارة ألمانيا انتباه لاستقباله، رن تلفونه،فرد على المكالمة وعوضا عن السير نحو ميركل ذهب في الاتجاه المعاكس للبساط الأحمر مبتعدا عنه وعن ميركل وواصل خطواته بعيدا بعيدا،فحجز ميركل وحجز دور زعماء أوروبا في فنادقهم فقد خلبط ترتيب الوصول الزمني لمكان القمة،حتى نبهه مساعده، وقيل لاحقا أن تلك المكالمة كانت غرامية..

هذا أوروبيا. أما عربيا في قمة سرت، فإن جلسة مغلقة للقمة كادت أن تجر القذافي والمؤتمرين إلى بحر سرت لاكمال السباحة في النقاش لولا استرخاء السامعين الزعماء دون التعصب مع هذا ضد ذاك، وقد بدأت القصة عندما تمسك الرئيس بشار بإلزام أن يتضمن بيان قمة سرت الختامي، فقرة دعم المقاومة، لم يعجب هذا الكلام أخاهم أبومازن، فانبرى مشببا بمقترح الرئيس بشار وقال إذن لنعلن أيضا دعم القمة للجيش السوري، إذا كان لا بد من الحرب للتحرير، وهذا تعليق ماكر جدا من أبو مازن إلا أن هذه الصورة سويت على نحو ما.

وفي خانة الحديث عن صور قمة سرت وزعمائها ومعرض صور القذافي الذي أقيم للقمة، ارتأيت بعد البحث والمداولة مع نفسي أن أروي لكم قصتي أنا مع صور القذافي وزعماء آخرين وهي صور كنت قد جمعتها في السنين الكسلى، وما أفادتني تلك السنين في شيء، فقد كنت اذهب إلى اربع سفارات لتسول الصور من الحراس لزعماء أحببتهم، بعض هؤلاء الحراس كان كريما وآخرون كانوا يكتفون بطردي..

ربما لأمر أمني، فالسنوات تلك كانت سنوات المشقة الأمنية مع وجود جبهة التخريب أو الجبهة الوطنية التي دعمها القذافي، ظانا أنها تعمل نفعاً، ولم يكن بالنسبة لمراهق أمرا صعبا الذهاب لسفارات، السعودية وليبيا والجزائر والصين وجمع صور فيصل وخالد وهواري بومدين والسادات ومعمر القذافي وماوتسي تونغ وشوان لاي. كان عبدالناصر ومليكنا فيصل قد استقبلوا الآخرة، صحف آخر ساعة والمصور وأكتوبر أعفتني البحث عن صور السادات فلا احتاج للذهاب لسفارة مصر..

وبالفعل كونت ارشيفا كبيرا من الصور والمنشورات وأشعار الرفيق ماو وتغنيه بنهر اليانغتسي والمسيرة العظمى وغيرها من الكتب وبالأخص نسخ متعددة الإخراج والأحجام من الكتاب الأخضر الذي لم اعد أتذكر منه إلا "الحزبية إجهاض للديمقراطية، ومن تحزب خان، شركاء لا أجراء، والبيت لساكنه، ولا نيابة عن الشعب، والتمثيل تدجيل"، ولكن ذلك الأرشيف وقع ضحية غياب الدفء في شتاءات اليمن.

فقد كانت والدتي تغمدها الله وتغمد موتاكم برحمته، أكثر استفادة مني، إذ نشّطت التنور والخشب المستعصي على الإحتراق وموقد التدفئة بأرشيف زعماء الصور، على فتوى أن الصور حرام، وسيّر هؤلاء الزعماء طيلة شتاء 79/80 أعمال الوالدة من طبيخ وتدفئة، وكنت حينها بعيدا عن إرشيفي مجندا في المناطق الوسطى حيث نارا أخرى تشتعل وقودها الناس والبهائم، وعندما عدت من الخدمة، كانت مكافأة أمي لي على إرشيفي أن قالت بارك الله فيك والله ان حقك الصور والكتب نفعتنا، اذهب ائت لنا بصور وكتب جديدة للشتاء القادم، فكسبت أنا الدعوة وخسروا هم صورهم وكتبهم..

صور عديدة ذكرتني بارشيفي المفقود عرضها قائد الثورة لضيوفه مساء السبت يوم القمة، أخذهم للتجول في أجنحة المعرض، المُحزم بصور لتاريخ نضالات معمر منذ 1969 مع كل الزعماء من القاهرة إلى صنعاء إلى الجزائر إلى طرابلس وبمعيته ملحق آخر لصور القذافي الأفريقي بعد أن ضاقت به أرض العرب بما رحبت وولى مدبرا. كما عُرضت تسجيلات مرئية و جناحا خاصا يضم الهدايا والميداليات والجوائز وشهادات الشكر والتقدير والشهادات الفخرية التي تلقاها، بالتأكيد كان المعرض استعادة تاريخية للذكريات الوحدوية التي لم يستيقظ لها الزعماء العرب..

لكن في قمة سرت كان الرئيس صالح ومعمر يصحوان باكرا ليس بحثا عن وحدة لن تتم وإنما الصحو الفيزيائي من النوم باكرا، وهي صورة أخرى من قمة سرت، صالح يقظ حتى في النوم وكذلك معمر، لهذا كان صالح يخرج بحثا عن زعيم أو زميل له قد استيقظ ليزوره، ويصحو معمر لتلقى تقارير وضع الزعماء ونشاطاتهم وسير القمة وما قيل عنها وماذا قال من ما قال، فالزعماء العرب يشتبهون في أقوال بعض، وعلى الاشتباه يبنون ويخربون قممهم.

إعلامي يماني