إيران ورد الفعل المذعور

فوجىء الكثير من المتابعين للاوضاع في إيران باستضافة السلطات الإيرانية لمؤتمر "دولي" في طهران تحت شعار "الطاقة النووية للجميع والسلاح النووي ليس لأحد".

وعلى ما يبدو فان سبب المفاجأة والشيء المثير للدهشة والاستغراب هو ان مثل هذا المؤتمر لم يكن على اجندة السلطات الإيرانية من قبل رغم ان النظام الإيراني يدعي زورا وبهتانا بانه قد اعد لعقد هذا المؤتمر منذ سنتين.

مؤتمر طهران النووي العتيد هذا والذي جاء مباشرة بعد انعقاد قمة الامن النووي في واشنطن بمشاركة 47 دولة، يدل على انه هذا المؤتمر مجرد ردة فعل واضحة على قمة الامن النووي في واشنطن التي اعتبرها المراقبون نقطة انعطاف في عزل المجتمع الدولي للدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران. ومعروف ان إيران كانت "الحاضر الغائب في قمة واشنطن النووية".

دعونا نلقي نظرة على هذه المهزلة التي جرت في طهران. كتبت صحيفة "جمهوري اسلامي" الصادرة في طهران ان هذا المؤتمر يشارك فيه 10 وزراء خارجية و6 نواب ووزراء من دون الكشف عن المزيد من التفاصيل والايضاحات. الا ان وكالة الصحافة الفرنسية بثت خبرا كشفت فيه ان المؤتمر شارك فيه وزراء خارجية لبنان والعراق وسورية وجنوب افريقيا وسلطنة عمان وتركمنستان وسوازيلند، كما أن روسيا ودولة الامارات وقطر جرى تمثيلها من قبل مسؤولين تابعين لوزارات الخارجية في هذه البلدان.

نعود الآن إلى قمة الامن النووي في واشنطن، في البداية كانت أهداف القمة تدور حول الامن النووي العالمي وتهديد هذا الأمن من قبل المنظمات الارهابية. لكن بمجرد بدء الجلسة الافتتاحية للقمة بدا واضحا ان الهدف الرئيس للقمة هو النظام الإيراني. حيث لاحظ المراقبون لوقائع جلسات المؤتمر ان جميع المشاركين ركزوا جل اهتمامهم على الملف النووي لإيران، وانهم اتفقوا حول موضوع واحد وهو أن النظام الإيراني إرهابي، والأمن العالمي مهدد من قبله.. وهذه هي المرة الاولى في العالم التي يبرز هذا التهديد بهذا الوضوح ومن دون أية اقنعة والدليل اجماع المشاركين وتقديمهم توصيات واضحة بضرورة مواصلة الضغط وبشدة على النظام الإيراني.

كانت قمة واشنطن النووية نقطة تحول مهمة بشأن الملف النووي الإيراني، فالنظام الحاكم في طهران الذي عض بلؤم الايدي التي امتدت اليه لمساعدته على الحصول على مجموعة حوافز تساعده على تنفيذ برنامج سلمي نووي، اكمل مسرحيته الهزلية لان اطماعه في الحصول على السلاح النووي هي التي تمنع تحركه باتجاه تسوية مرضية مع المجتمع الدولي الذي تأكد له تماما ان إيران هي احدى الدول الراعية للارهاب، والتي يجب بكل قوة منعها من الحصول على الاسلحة النووية لما ستشكله من خطر داهم على العالم وعلى استقلال دول الاقليم، سيما وان ملالي طهران لهم اجندة واطماع باتت واضحة وبما لا يدعو مجالا للشك في دول الجوار.

ومن الملاحظ ايضا ان الدول الداعية لمقاطعة النظام الإيراني ومعاقبته وفرض العزلة عليه وخصوصا ما يتعلق بتجميد ارصدة الحرس الثوري الإيراني، اصبحت تزداد يوما بعد يوم، فيما تقلص عدد الدول التي كانت تصوت لصالح إيران، حيث لاحظنا كيف ان رئيس الوزراء الماليزي والذي سبق له ان وصف النظام الإيراني بالشريك التجاري الجيد، اعلن أن ماليزيا ستمتنع عن بيع البنزين لإيران.

كانت قمة واشنطن النووية ضربة هائلة للنظام الإيراني ولا سيما ان هذا النظام اعتمد كثيرا على روسيا والصين. إلا أن الأمور الان بدأت تأخذ منحى اكثر تعقيدا، حيث ان روسيا امتنعت وبشكل مفاجىء عن تسليم صواريخ "إس 300" لإيران بذريعة أنه قد تم كشف خلل فني في الصواريخ. في الوقت الذي اعلنت الصحف الحكومية الإيرانية ان هذا الادعاء الروسي يحدث فيما تقدم موسكو 15 شحنة من الصواريخ نفسها إلى الصين!.

علينا ان نشير إلى الاسباب الرئيسة الكامنة خلف هذا التوافق الدولي ضد النظام الإيراني، وكيف اصبح هناك إجماع بان هذا النظام هو ارهابي بامتياز وان الأمن العالمي مهدد من قبله.

الاسباب الرئيسة الكامنة خلف هذا كله يعود إلى ما تشهده إيران هذه الايام من احداث متسارعة ومتصاعدة احتجاجا على حكام طهران، ذلك ان الانتفاضة الشعبية ضد هؤلاء الحكام لها الكثير من المعاني والدلالات.

نعم ان ما جرى وما يجري للنظام الإيراني سببه ما دفعه شعب إيران بانتفاضاته وتقديمه للعديد من الشهداء في هذا الدرب الطويل، حتى ان هذا النظام لم يوفر احدا بل اعتقل المئات بمجرد انهم اتصلوا بمناصر أو بمؤيد لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وتمت محاكمتهم بتهمة "محاربة الله ورسوله"، ثم تعذيبهم بشتى الاصناف والوسائل من دون رادع من دين أو ضمير، وهذا يدل على ان هذا النظام ليس لديه اي ثبات أو استقرار بل هو على وشك السقوط لا محالة.

* كاتب سياسي إيراني

[email protected]