لا نحتاج لنظام الإنذار المبكر من كوارث السيول في العاصمة صنعاء وهو الحل الذي أقرته الهيئة الإدارية للمجلس المحلي بأمانة العاصمة بعد كارثة السيول التي نكبت كثيراً من الاسر ومالكي السيارات الأربعاء والخميس الماضيين.
ففي كل بلاد الدنيا عادة ما تكون الأمطار دليل خير ونعمة ورضى من الله سبحانه وتع إلى لكنها في اليمن تتحول إلى كوارث ومآسي.. صحيح انها قد تكون كوارث في حال السيول الكبيرة التي تأتي على الأخضر واليابس مثلما حصل في حضرموت 2008م أو في السعودية 2009م لكننا هنا نتحدث عن سيول عادية تتعرض لها أي مدينة في اليمن.
والأمر هنا لا يتعلق بتوفير نظام إنذار مبكر كما تظن أمانة العاصمة ولا بثقافة المواطنين وانعدام وعيهم كما أشار الأمين العام للمجلس المحلي بالأمانة امين جمعان، القضية تتعلق بالبنى التحتية لشوارع الأمانة ومصارف ومخارج المياه وشبكة المجاري التي تربط الشوارع وما يعتريها من مظاهر خلل وعيوب فنية تشكل في مجملها الأسباب الرئيسية لارتفاع منسوب المياه في الشوارع وتحولها إلى برك صفراء لا تسر الناظرين.
فمعظم الفتحات وغرف التفتيش التي في الشوارع والتي تعتبر منافذ لتصريف مياه السيول هي في الأساس فتحات ضيقة عادة ما تطمرها المخلفات فتتحول إلى قنوات مسدودة وبالتالي تتجه السيول في اتجاهات أخرى فتتجمع لتشكل سيلا كبيرا يلتهم كل شيء في طريقه.
والجميع يتذكر هنا ان معظم الشوارع في امانة العاصمة ظلت لأشهر متوقفة بسبب اعمال الحفر والشق بمبرر توسعة مجاري السيول بما يتناسب مع مستوى الأمطار التي تهطل في الأمانة ورصدت لذلك الميزانيات الضخمة والاموال الطائلة واستبشر الناس خيرا بحل مشكلة السيول في شوارع العاصمة خاصة بعد تأكيدات المسؤولين بأن اعمال التوسعة لمصارف السيول سينهي معاناة المواطنين في هذا الجانب.. لكن النتيجة جاءت مخيبة للامال إذ ظلت المشكلة كما هي: امطار تهطل وشوارع مسدودة وسيول تتدفق وكوارث تتزايد.
وبدلا من محاسبة الجهات المسؤولة عن تنفيذ تلك الاعمال ذهبت أمانة العاصمة إلى وادٍ اخر وجاءت لنا بنبأ غير يقين وقررت إعلان مناقصة عاجلة للإنذار المبكر من كوارث السيول في السايلة الرئيسية لأمانة العاصمة وهذا هو الحل الأمثل من وجهة نظرها، وأصبحت كما يقول المثل المصري الشهير "سابوا الحمار وأخذوا البردعة" أي السرج، وهي تركت الأسباب الرئيسية المسببة لكارثة السيول وركزت جهدها في جوانب هامشية فكيف يمكن ان يتصرف الناس اذا انذروا بهطول الأمطار بينما مصارف السيول منسدة؟ فهل سيمنع الإنذار تدفق السيول وارتفاع منسوبها أم ان العدد الكبير من وايتات شفط المياه التي تنوي الأمانة شرائها ستحل المشكلة؟ ثم إن جهاز الإنذار سيكون خاصاً بمنطقة السايلة وماذا عن باقي مناطق وشوارع وحارات الأمانة.
وبقدر ما ينتج عن السيول من أضرار مادية وبشرية هناك تأثيرات اخرى ناجمة عن بقاء المياه في الشوارع لساعات طويلة لا تنحصر أضرارها بإعاقة المشاة وتوقف حركة السير والطوابير الطويلة للسيارات في الشوارع فهناك أضرار بيئية ناتجة عن اختلاط مياه المجاري ومخلفات القمامة وبقايا الزيوت المحترقة بالسيول الامر الذي يضاعف من الكارثة خاصة وان كثير من الناس يضطر للنزول وسط المياه كي يعبر شارعاً ما وقد يدفع منظر المياه بعض الأطفال فيندفعون للعب فيه والنتيجة مزيد من الأمراض الصحية والإصابات البيئية التي يصاب بها المجتمع والفرد على حد سواء.
والمصيبة الأخرى لكارثة السيول في عاصمة اليمن الجديد السوء الكبير الذي ظهرت به شوارع العاصمة وهي مليئة بالحفر بكافة أشكالها وأحجامها والمطبات بمختلف مقاساتها وانواعها ولا يستثنى من ذلك شارع أو حارة مما يفاقم الخسائر المادية لأصحاب المركبات الذي يضطرون للخروج اثناء المطر أو بعده.
إن المشكلة الآن بحجم كبير ولها أطراف عديدة وتستدعي حزمة من الحلول الصارمة والعاجلة والتي تضع حداً نهائياً لما يسمى بكارثة السيول التي تظهر عاصمة اليمن الجديد بهذا الشكل وكأنها في حالة غرق بمجرد هطول المطر لدقائق فكيف اذا تواصل لساعات؟.
وليس من الحل تلك التحذيرات التي تطلقها بعض الجهات الرسمية للمواطنين بتوخي الحذر والدقة وتجنب الخروج اثناء المطر أو اتهامهم بتدني الوعي أو بالبحث عن معالجات لا تمت بصلة للمشكلة الرئيسية فكل ذلك من شأنه الإبقاء على الوضع ذاته واستمرار الكارثة عاما بعد عام وستبقى الخطبة الخطبة والجمعة الجمعة، فالسيول لا ترحم والتعويض لا يُرجع فقدان حبيب أو يعيد منزلا إلى حالته الأولى خاصة مع وجود قناعة لدى المواطنين ان التعويضات لا تصل لمستحقيها بسهولة وإنصاف بل تتحول إلى تأريخ طويل من المشارعة والجري خلف الجهات المختصة والمحظوظ من يحصل على النصف مما فقده إن لم يكن أقل.
وبدلا من تخصيص ما يصل إلى ثلاثمائة مليون ريال – حسب بعض المصادر الصحفية- لتسمية وترقيم شوارع أمانة العاصمة يجدر بالمجلس المحلي للعاصمة ان يبدأ أولاً بتحسين أوضاع الشوارع وتأهيلها لترقى إلى مستوى شارع خال من الحفر والمطبات ومزود بمخارج كافية للسيول ومياه الصرف الصحي والعلامات المرورية اللازمة ومن ثم تأتي تسميته، إذ لا يمكن تسمية شارع باسم شخصية وطنية تخليدا لها بينما الشارع نفسه يفتقد لمقومات وجوده كشارع.
هذا إذا كانت امانة العاصمة تستشعر الضرورة لتسمية الشوارع وترقيمها وإلا كان الأحرى بها ان تنظر لأحوال الشوارع الخلفية داخل الامانة وأطرافها خاصة في الحارات التي توصف بالشعبية أو تلك التي لازالت بعيدة عن الإهتمام وفي بدية نشأتها.
والمستغرب هنا ان هناك 19 نائباً برلمانياً منتخباً من دوائر امانة العاصمة غالبيتهم من الإصلاح لم يحرك الواحد منهم ساكناً تجاه الاوضاع الخدمية المتردية التي تشهدها الامانة وفاء لناخبيهم وإن كانت المسؤولية في المقام الأول تقع على عاتق المجلس المحلي للأمانة والذي يتكون من غالبية مؤتمرية كاسحة.