
إذا أدركنا جميعا، وأقررنا أن ثقافة العولمة Globalization اليوم قد أفرغت الديمقراطية من مثلها، ومبادئها التي حاول الإنسان من خلالها تكوين علاقة شريفة، ومسؤولة، ومعتدلة بقياس الحاجات الإنسانية بين الحاكم والمحكوم منذ أثينا، وإلى اليوم..
إذا عرفنا ذلك سندرك أن نخبة النخبة هم اللذين يحكمون لمصلحة التيس الأكبر، ولمصلحة أسواق المال في العالم، ولمصلحة دول المركز؛ فغدا الخيار الديمقراطي مجرد هيكل مفررغ من اللحم والدم والشحم في العالم كله وليس فقط في دول الأطراف نحن. إن الخيار الديموقراطي أمسى لعبوكراسي، وليس ديموقراطيا!
إذا أدركنا ذلك؛ سندرك أن ما يحدث في بلادنا ما هو إلا نوع من هذا اللعب، الذي يلهي الناس عن حاجاته الإنسانية في العيش الكريم. إن تحالف المال، والإعلام جعل الشعب مجرد راقصة! وما نراه من سقوط، وانحراف، وتهاو في الفضائيات يصب في سبيل مزيد من التفريغ العقلي لمعاني الالتزام،والثورة والتغيير، واستنزاف الإنسان من معاني النضال الشريف، وانكفائه مطرودا أمام الشاشات على كثرة تنوعها وأنماط مخارجها!
...
وما زال كتابنا الكهنة، وكهنتنا الكتاب يراوحون الأروقة، وهم يتجادلون، ويتحاورون حول المشكلة التي لم يبق منها سوى ما يمكن أن نطلق عليه صراع الديكة على من هو صاحب الصفقة الأولى ما بين الحمار، والمشترك، وبقية الأحزاب؛ وما الذي يستوجبه وضعنا المهين، لتحويل دفة مساراته إلى الميناء الآمن؛ وعن الرئيس وفساده، وإفساده، وغض بصره عن طبقة الواحد بالمأة الحاكمة التي ذكرها الدكتور المهندس عبدالحي زلوم في كتابه " نذر العولمة" أسرته، وأزلامه، وأعوانه، وجلاوزته، وتنابلته، وجلاديه، ليفعلوا ما بدى لهم، ليحققوا ما رأآه العلامة...
حيث يرى إبن خلدون ما معناه؛ أنه (...حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة والبذخ، فإن تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين، والوصوليين، الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منها الشعب)، والتي أدت من ثمت إلى انحرافه بالقافلة أمانة الحكم التي أؤتمن عليها منذ بضع وثلاثين عاما مضت. وهو بملء يديه، يعبث بمقدرات الناس والأرض والحياة، غير آبه بخلق، ولا محترم لعهد وميثاق وعقد؛ يعيث في الأرض فسادا.. ومغرقا نفسه وحاشيته في ترف طاؤوسي من أموال الأمة في حالة مرضية خطيرة مستعصية من الكلبتومينيا kleptomania، وغير مستح من الله،ورسوله، وذوي النهى والرأي والمشورة الحقة، والنصح الرشيد.
والوضع يا سادة قد خرج من يد هؤلاء، وأولئك؛ فلا هو بيد الرئيس الذي يتجه بنا جميعا إلى حالة من الإنتحار الجماعي Mass self-destruction. ولا هو بيد المعارصة، أو المشترك، أو أم الجن. إمريكا يا سادة حكمها ستة رؤساء: چيمي كارتر، ورونالد ريجان لفترتين رئاسيتين،وبوش الاب، وبيل كلينتون لفترتين رئاسيتين، وبوش الإبن سيء الصيت لفترتين رئاسيتين، والآن باراك أوباما، ونحن مازلنا مععلي تصاوير، الذي هو في الأساس قد فقد شرعيته حين افتتقد حالة الرضا العامة عند الكبار، والصغار، والشباب، والكهول، والرجال، والمكالف، وكافة الناس من إسهال الوعود الكاذبة! وقد باع القلعة بعاس من البقآء لفترة قادمة والإعداد للتوريث لأحمد الإبن. و(من عرض نفسه للتهمة؛ فلا يلومن من أسآء الظن به) على قول إبن الخطاب.
وهو لا يهمه لا ديموقراطية، ولا شعب، ولا معارضة؛ وهو على استعداد تام وبكل قناعة أن يسلم البلاد والعباد لدول المركز في نادي القمار الدولي في حقيبة صغيرة من أجل التصفير والتوريث وصدقوني! يا سادة نحن ندفع لكل دولار واحد في قرض أو دين 11 دولار خدمة للدين من لقمة يومنا، وغد الأجيال القادمة! أستيقظوا يا جعانن، وانعثوا عاليها واطيها... فلم يبق هناك ما نخسره، بعد أن خسرنا أنفسنا وأرضنا والحياة.
وإذا استذكرنا ما حدث للمكسيك، والعراق؛ سنفهم ماذا يدبر هذا القاصر لنا إن لم يكن قد فعل لنادي أصدقاء اليمن. أرغمت المكسيك، بأمر من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي اللذين هما أهم أداتين لدول المركز علئ دول الأطراف؛ عام 1995 أن تودع كافة عائداتها النفطية لدى بنك الإحتياطي الأمريكي وبالمناسبة بنك الإحتياطي الأمريكي لا تمتلكه الحكومة الأمريكية، بل هو ملك خاص وإسمه فقط بنك الإحتياطي الأمريكي Federal Reserve أقول...أرغمت المكسيك أن تودع ذلك رهنا، وضمانا لحقيبة الإنقاذ! تذكر أن المكسيك أمم نفطه في عام 1939. ونفس الشيء طلب من العراق.. والعراق هي الدولة العربية في المشرق التي أممت نفطها! مصادفة. لا، ليست كذلك، ولا هي من باب رمي أحجار الودع!
وعودا على بدء أقول: إن حالة وجود وانعدام الرضا العامة عند الشعوب في أي زمان ومكان، هي المعيار الحقيقي لشرعية الحاكم، أو الخروج عليه؛ تلك حقيقة قد تغيب عن الحاكم والمحكوم على السوآء! والمعارصة أيضا قد فقدت شرعيتها؛ حين أمست في نهاية اليوم لا تمثل إلا مصالحها المتخمة،ومشاريع أحزابها الضيقة، بديلا عن جموع الجياع.
إنفلتت الأمور من أيدي المفترقين، والحبل أضحى على الغارب؛ والأمر يتفاقم سوءا، والخرق قد اتسع؛ ولم تعد تكفيه رقاع الرئيس وأكاذيبه، والتفافه على الأوضاع السيئة التي صنعها، أو تباكي الأحزاب على الناس، أو سكوت الناس على مهازل الأراجوزات. فالثقة معدومة بين الأحزاب كلها في الشارع السياسي وبين الرئيس من جم كذبه، ومماطلاته، ومناوراته، والتفافاته على ما تم بالأمس؛ وكأنما الأمر كان مجرد بخار قات، أوخبر چون الماشي!
وتلاشت العلاقة بين الشعب الجائع، وبين من يدعون تمثيله والتباكي عليه. فغالبية الناس لم تعد تثق بالحوار والمشترك وكافة الأحزاب؛ ولم تعد تر مخرجا من هذه الأزمات، والإختناق الوارث للموت في عنق الزجاجة؛ لا من حصان الرئيس، ولا من حمار المشترك، ولا من بقية الأكاديش، والجعانن الزغار المتواجدين في برحة السوق، وفي مفارشه. والأمر لم يعد بحاجة إلى التهديد الغبي، بل إلى المباشرة الحقيقية في تسيير المظاهرات السلمية السامية، والإعتصامات السلمية السامية، والإضرابات السلمية السامية ؛ فالجماعة لم يختلفوا على الشعب، ومصالح الشعب؛ وإنما على تقسيم بنت الصحن؛ أما الشعب فيأكل ضفع وليذهب إلى الجحيم! وليس في الوقت متسع بعد!
والأطرف؛ أن الشعب مدرك لهذه الحقيقة، والفقر والجوع يضربه شمالا ويمينا، ولا يتحرك لينتزع حقه بقبضتيه. مأساة! مأساة!إلا إني أعود فأذكر ما كان يردده محمد ابن عبدالكريم الخطابي أن (.. الكفاح الحقيقي هو الذي ينبثق من وجدان الشعب؛ لأنه لا يتوقف.. حتى النصر!).
وكل يوم تطالعنا المقالات والكتابات في الصحف، والمواقع في الإنترنت، لبعض الكتاب كما قلت سابقا اللذين كنا نتصورهم كبارا وهم يكتبون تمتمات كهانة ويبربرون همهمات التيه والمهانة محللين ومشعوذين وسائل الحلول للخروج من النفق، والحل أقرب إلينا من حبل الوريد!
الشعب.
الشعب هو فقط من بيده الحل، والإنطلاق من ربقة محبسه الذي طال لأربع وثلاثين عاما، وبيده تمزيق المواثيق لهذا الزواج الفاشل، الذي أضحى زواجا كاثوليكيا لا مفر منه، وهو وحده الذي بيديه حجر الشرارات المستصغرة، التي ستقدح الشعلة، وستعد الميسم للكي. وآخر العلاج الكي!
وما هي السياسة سوى تدبير الحالة العامة للمجتمع (..بما يجب بمقتضى الأخلاق ،والحكمة، ليحمل الجمهور على منهاج) كما يقرر إبن خلدون؛الذي يقرر بعد ذلك بما معناه (حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين، والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيفصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منها الشعب)؛ ويقرر بلا تردد أن (الظلم مؤذن بخراب العمران البشري).
وقد استشرى الفساد تحت عين الرئيس، وعلى يديه، ومن يديه، وفي يديه، وعم طغيان التسلط السنحوي، الذي لا ير الأحزاب المعارضة إلا مجرد غنم، والمشترك غير كباش، والناس سوى حمير تستنزف التبن (.. لأنه قد قلب توجسه وغيرته من شعبه إلى خوف على ملكه؛ فيأخذهم بالقتل والإهانة) كما يرى إبن خلدون! وهل هناك أكثر إهانة من الجوع والفقر. و(كادت الفاقة أن تكون كفرا)!
إن حالة الإنهيار الوشيكة لا بد من التأهب لها، والإستعداد لترتيبها، واستعادة الأمور إلى نصابها بعد السقوط، لكي لا تنتشر الفوضى، وتصبح هي القانون الساري. إن التاريخ ليبكي فيما بعد، حين يقرأ (مذكرات حمار حكم اليمن). وحين تكتب الحمير مذكراتها، لا تقرأها إلا الحمير!
وحين نرى الدجاج في السوق.. نراها كلها بيضاء، من نسل واحد هو الحاضنة، أو مزرعة الدجاج. والمعروف أن الخيول تنام واقفة إلا أن خيل المؤتمر من غباءه أصابه مرض إنفلونزا الغبآء؛ فصار بغلا. واشتدت عنده تلك الإنفلونزا حتى صار حمارا ممطورا لم يدر كيف السبيل ؛ فغلس في الرجوع.
ونحن مازلنا نعصد نفس الخبر. ونعك نفس الخبيرة. ويضحكني بعض كهاننا الكتبة، وكتابنا الكهنة الكبار الذين كنا - وربما مازال بعضنا - يرى فيهم القدرة على الإنتاج، وتحديد المشكلة عند الأطراف المعنية في المشكلة، والقيام بتشخيص الحالة المرضية بدقة ليتسنى لنا رسم التصورات العلاجية العلمية، وتحريك الشارع بإتجاه سرادق الظالم! وما يضحكني أكثر هو صمت المنابر كالمقابر في المساجد... وقد مللننا طقطقات المسابح، وخطب الجمعة المكررة التي تتقيؤنا ونتقيأها، وأصابنا الصداع والدوار من هزهزة رؤوسنا- يا سادة!
ولكن كما قلت مازلنا نعصد الموضوع.
أعود يا صديقي فأعيد
بإختصار..
الأطراف المعنية في المشكلة اليمنية هم: المؤتمر، والمشترك، والشعب. وبعض كتابنا - وأعيد وأكرر لأكثر من مرة - كما قلت لكم مازالوا يتحدثون عن المناورات التي يقوم بها المؤتمر ليحكول بالمشترك، والقيام ببعض الالتفافات والمماطلة؛ من أجل اللعب بالوقت إلى حين موعد الإنتخابات القادمة، واللجوء إلى حاضنة ومزرعة الدجاج لإنتاج الدجاج من نفس النوع السابق.. والمعروف أن دجاج المزارع والحاضنات لا تبيض ناهيك عن أن لحمها مش طعيم. والمشترك يهدد الموتمر بإسهال من التهديدات - وأقول تهديدات (يعني خبر مشافر) - عن هبوب رياح التغيير التي سيثيرها الشارع!...
وتلك فرصة ذهبية أخرى تؤدي بها المعارصة خدمة وتهديها على دست من عصيد للرئيس لاتهام حميع معارضيه - وبلا استثناء – بالخيانة، والإنفصال، والردة... بعدما صار الملك مينا (موجش اليمنين) كما فعلها من قبل في أربعة وتسعين. بل أني لست مبالغا إذا قلت أنه يريد الشارع أن يثور لإعطائه كل المبررات لإعلان حالة الطوارئ بحسب فهمة الأعوج للدستور!
والآن سيأتي أحدنا ويتسآءل: "هذا مستحيل يا فضول يا إبن القضول.. هذا خروج على الدستور.؟!"... وهل ما نحن فيه إلا شيء من محال؛ وخروج عن أبسط المبادئ الدستورية مما يجري منذ أربع وثلاثين عاما وإلى اللحظة؟!..
نحن ننسى دائما ونرتكب نفس الأخطآء السابقة. حين يحدث ذلك ستنفرج أسارير علي فرحا، وبرعا لأنه، في تلك الحالة، سيكون قد ضمن خلال المرحلة الرئاسية القادمة بكل نجاح وهدوء من إعادة استنساخ الطبعة الجديدة من حصانه الأعرج الذي أصابته إنفلونزا البغال، والتي ستشتد تلك الحالة حتى نرى حمارا يحكمنا مرة أخرى.
حينئذ ستفاجئنا المطابع بكتاب جديد عن (مذكرات من حكم اليمن)!
الحل يا سادة بيد الشعب، الطرف المعني الأول والأخير في المشكلة اليمنية. وحين يتحدث كتابنا الكهنة.. يتحدثون عن المؤتمر، والمشترك فقط.. ويستبعد الطرف الأصيل في الأزمة. وهؤلاء الإثنان أصلا قد لعبا دورهما، واستنفذت قدراتهما على الإنتاج، والإبداع، واستكناه الحل المستقيم الذي يقرأ مصالح الناس، ويضعه فوق المصالح الشخصية.
وإذا لم يعترف الحصان متمثلا ب علي عبدالله، والمشترك متمثلا بقياداتها التي ترهلت فأضحت لا تستطيع التفكير والحراك، وإفساحهما الطريق للقيادات البديلة أيا كانت والتي تختارها الشوارع الغاضبة والجائعة، فما على الناس إلا تنظيم نفسها بنفسها وأن تختار الأسلوب الأمثل والأجدى، لإعادة إنتاج مشروع الثورة، والإجابة عن السؤال القديم الجديد الذي تركته الثورة الفلرنسية محل جدل فكري وفلسفي..." هل تبرر الثورة الدماء التي تسيل في الشوارع سمو أهداف الثورة النبيلة التي ستقود الناس إلى جلد شانقيه، وعقاب سارقيه، وهدم سرادق الملك؛ وارتياد الثورة كطريق لكسر عنق الزجاجة، وإقامة الجمهورية العاشرة الجديدة.
سؤال لن يجيب عليه كتاب الكهانة الجعانن أو كهان الكتبة. سؤآل يجب أن يجيب عليه الشعب، وهو وحده صاحب القول الفصل الذي يمتلك حقا القرار الأخير في تلك الأزمة والخروج من عنق الزجاجة. وإلا فلينتظر مرة ثالثة ورابعة وخامسة للمطابع لنقرأ (مذكرات حصان حكم اليمن).
وحين يصبح الحاكم مجرد سلسة من الأكاذيب، والفساد، والمماطلة ؛ تردفه مجاميع من أقاربه للسير في نفس النهج، وتوجهه جلاوزة جهلة، وتؤآزره جلادون سفلة، وتلمعه تنابلة فسقة، وأبواقه أراذل من السوقة، وتحميه دبابة يقودها أعمى... فإن تجديد مشروع الثورة، والعمل الثوري، والسعي لتأسيس الجمهورية العاشرة والأخيرة؛ تمسي واقعا حتميا - وإن كانت ترهبنا - وتبقي هي الحقيقة الوحيدة الباقية لنا في الحياة، والخيار الوحيد الأول والأخير، وبالوسيلة التي يفترضها الجوع، والفقر، والعدل الشعبي في الشارع. وإذا خرج الشارع بدون توجيهات من المعارصة - وهو المرجح نتائجه - فهل سيتهم علي الشعب بأنه إنفصالي ومرتد!؟
وإلا فتسمروا في الهوان... واختاروا ما بين تصفير العداد أوالتوريث!
خياران.. والخيار الثالث بأيدكم
ويستاهل البرد من ضيع دفاه.!
وسامحونا!
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان
مهندس معماري واستشاري
فرجينيا الولايات المتحدة الأمريكية




