
مصر أم الدنيا.. انطلق شبابها الأحرار العاشقون للحرية والساعون للكرامة وقلبوا ظهر المجن على النظام الذي ظل متشبثا بالسلطة بأظافره وأسنانه حتى اللحظة التي كسرتها عزيمة الشباب الثائر وتصميمهم القوي بإسقاط الصنم الذي هوى تحت صيحات الحق الأبلج , بعد أن تركوا خلفهم معارضة بئيسة لم تكن يوما من الأيام رهانا لهؤلاء الشباب الثائرين في وجه الظلم والطغيان ولم يعبأوا بها أو يعولوا عليها تحت أي ظرف من الظروف حتى رغم محاولات بعضها ركوب موجة الثورة, والتفت جماهير الشعب بكل فئاته خلف هؤلاء الشباب المتطلع والمتسلح بالأمل في تصميم شجاع وجريء لرفع الضيم والتخلص من الإذلال والقهر, ومن اجل صياغة الحياة الحرة الكريمة , وليصنعوا جميعا تاريخا جديدا في ارض الكنانة والمنطقة العربية والعالم في ثورة مصرية عربية إنسانية بيضاء, فاجأوا باقتحامهم كل آسار الظلم والطغيان كل العالم من حولهم, واسقطوا كل الرهانات, نعم ثورة حقيقية أبهرت العالم شماله وجنوبه وشرقه وغربه , متجاوزة توقعات كل المتابعين والمراقبين والمحللين, وكل أجهزة الاستخبارات في هذا العالم .
عم هناك حتى في مصر العروبة كثيرون من داخلها من النخب السياسية والمثقفين لم يكونوا يتصوروا نجاح تيار الشباب المصري الثائر والهادر الذي لم يحبط ولم يتراجع تحت ضربات قاسية لا ترحم من جنازيرعربات الأمن المحصنة , وسياط ورصاصات جلاوزة وبلطجية النظام البائد الذي دافع عن نفسه الكريهة حتى الرمق الأخير ليهوي في مزبلة التاريخ .
وما يهمنا في هذه التناولة سلاح الإعلام الرسمي الذي كان احد أسلحة الطغاة والفاسدين في محاولاته البائسة لإجهاض ثورة الشباب والتأثير السلبي بالسير عكس التيار ومحاولة تضليل الرأي العام الداخلي قبل الخارجي , ومحاولته اليائسة نفخ الروح في جسد نظام مهترئ في النزع الأخير, وحتى اللحظات الأخيرة للسقوط.
العالم كله تابع الإعلام المصري باعتباره إعلام البلد الذي يشهد تفاعل الأحداث وفي موقع الانتفاضة والثورة الجماهيرية لملايين الشعب , وبالتالي لاحظ الجميع الأداء الإعلامي المريض بأمراض النظام والسقوط الذريع , والفضيحة المدوية أمام أنظار الشعب المصري والعالم اجمع , ففي الوقت الذي يثور فيه بركان الغضب الشعبي , حاول هذا الإعلام أن يضلل المتلقين ويستهتر بعقول المشاهدين , وكأن لا شيء يحدث..والأمور هادئة " وهذا كوبري 6 أكتوبر على الشاشة شوفوه فاضي وما حدش يصدق اللي بيقولوه المحرضون " إلى غير ذلك من الترهات , وكأنه يعيش في كوكب آخر لا يعنيه الأمر من قريب أو بعيد فضلا عن دوره في محاولة إجهاض التحرك الشعبي والثورة الشبابية التي دقت عليه الأبواب , واستطاعت أن تصحيه من تغافله " تآمره " ... " واللي اختشوا ماتوا ".
والملاحظ أن الإعلام المصري ظل سادرا في غيه وضلالته, طيلة الأحداث, إلى أن انتصرت ثورة الشعب المصري , وأوقعته في مأزق الحرج الشديد , وحررته كما حررت مصر كلها من براثن الاستلاب للعصابات التي كانت تديره " وللأسف تديره باسم الشعب والجماهير ".
بل لقد افتضح رأس الإعلام المصري ومنع من السفر, واستكانت للحقيقة كل أبواق الدجل والزيف التي ظلت تقتل الروح الوطنية بالتضليل والتدليس على جماهير الشعب على مدى ثلاثة عقود من الزمن, وبلا وجل أو حياء.
إعلامنا اليمني الفاشل أيضا وبدون أحداث باردة أو ساخنة, وحتى في الأحداث الساخنة ظل يعيش في واد وقضايا الشعب في واد آخر, فقد مصداقيته , والشعب أسقطه من حساباته " ولو كان إعلاما وطنيا بحتا "أتمنى وأتحداه بعمل استبيان جماهيري" وسيرى أين موقعه بالضبط وفي أي واد سحيق يعيش فيه,, نعم إعلامنا الرسمي في اليمن إلى اليوم لم يرتق إلى مستوى المسئولية والرسالة الوطنية المطلوبة منه _ وقلنا في تناولات سابقة : انه إعلام فاشل حتى في التطبيل والتزمير.. بل انه اليوم يسيء إلى البلد برمته " وليحكم بذلك استبيان خارجي أو عربي وستجدون انه من الأفضل إلغاء الإعلام الرسمي في بلادنا, لما له من آثار سلبية وانعكاسات لا ترضي أحدا يحب هذا البلد, وهذا الفشل سببه الإدارة الفاشلة والأداء الارتجالي, وضياع الهدف من الوسيلة الإعلامية الجماهيرية ...
أما عن نقله للأحداث في البلد الشقيق مصر وقبله تونس فهذا موضع تحد آخر أمام كل المتابعين والمهتمين وهم بالملايين " هل تثقون في متابعة الأحداث عبر وسائل الإعلام اليمنية ؟ .. الجواب لدى كل هؤلاء المتابعين والمهتمين " ... فهل بعد هذا من فشل ؟ وهل هذا هو الإعلام اليمني الذي حلمنا به طيلة خمسين عاما ؟ والدولة تصرف عليه بسخاء؟
اليوم اطلعت على خبر عن (خلاف يدور في الإعلام اليمني حول الجهة التي سيسند إليها إنتاج الأعمال الدرامية الخاصة بالدورة الرمضانية المقبلة) يشتم منها رائحة الفساد المستشري في أجهزة الإعلام الرسمي خصوصا في مثل هذا الموسم والذي تخصص فيه ملايين من الريالات , وهو موسم حصاد بالدرجة الأولى للقياديين والإشراف العام والبرامجي إلى غير ذلك , ولا رقيب ولا حسيب " ثم حقيقة لا ادري من الذي تشده دراما التلفزيون أو الإذاعة في اليمن ؟ وما نسبتهم إلى ما يصرف من أموال في هذا السبيل..؟ ألا شاهت الوجوه والأيدي العابثة, والأفكار والرؤى الماجنة والتي تعيش في واد آخر بعيدا عن هموم وقضايا هذا الوطن المكلوم , والشعب المحروم!!
وللخروج من هذه الدوامة التي طال أمدها , والفشل المخزي لإعلام رديء متخلف .. الرأي أن تلغى وزارة الإعلام ويشكل مجلس أعلى للإعلام الوطني يرأسه رئيس الوزراء وعدد من الأعضاء المعنيين بتسيير دفة الإعلام الوطني .. وربطه بقضايا الشعب وبرامج التنمية وبناء الإنسان " وسيلة التنمية وغايتها ", ومسايرة روح العصر وثورة المعلومات.. ولعل في ذلك ما يجنب الوطن الكثير من الخسائر المادية والمعنوية, وينمي القيم الوطنية ويعمق روح الانتماء للوطن لدى كل أبناء الشعب.
إلا إذا كانت هناك حلول أخرى لدى الحريصين على مقدرات هذا الوطن , في تحقيق إعلام يمثل " لسان حال" يعبر عن إرادة الجماهير صاحبة الحق في هذه الوسائل الإعلامية العامة.
أتمنى أن لا يكون من بين الحلول " انتظار ثورة شعبية كثورة الشعب المصري التي أعادت امتلاك إعلامها المسلوب وحررته عنوة من أيدي الخاطفين والعابثين ".. والله المستعان.





