لا تسوقوا المتظاهرين لهدم أسوار السجون

شيوخَ الحراك وشيوخَ الحوثية والأخوين حميد وحسين الأحمر ودحابة وصعتر والحزمي (أمسكوا) أعصابكم، هذا يمن شرس.. فلا تحجزونا لحروب التاريخ، قولوا خيراً أو "صه".. هذه دعوتي احتسبها عند الله ولمن لا يعرفني أعلن أنني ما كنت يوما قريبا من هذه السلطة التي لم تحسن إدارة البلاد منذ عشرة أعوام وما تزلفت في مقال لأحد..

وحسبي أن الله في سدرة المنتهى علي رقيب، لافتاً أن مقالي هذا تأسس في الهواء بمخاوف أهل الأرض، فقد غادرت العاصمة صنعاء عصر الجمعة الماضية وجلس إلى جواري في الطائرة رب أسرة ميسورة حمل معه زوجته وبناته الخمس في هجرة أمنية إلى بلاد الله، وأوضح لي أنه هرب خوفا على عفة بناته الخمس من أذى زلزال ما بعد التظاهرات.. إذ لم يرزقه الله ولداً يحمل بندقية الدفاع عن العرض ومشتقاته من مال وكرامة، مما أصابني بالصدمة وبالرعب وبإحباط عميق، مما يجري في اليمن خصوصا ونحن نقترب شيئا فشيئا بمظاهراتنا في الشوارع نحو التظاهرة الأخيرة - تظاهرة الانفلات الأكبر.

فبعد شهر من المشاركة في التظاهرات، قضيت صباحات أيامي أتتبع متظاهرى المؤتمر ومؤيدي الرئيس، وقضيت مساءات الصباح متابعا المتزاحمين لإسقاط النظام من بوابة جامعة صنعاء ومن ميدان التحرير في تعز وعدن والمكلا والحديدة وصعدة والبيضاء.. ووجدت قوما في الجانبين على حق لكنهم لايُقدرون مخاوف المستضعفين وهذا الأب الهارب ببناته حق قدرها بمظاهراتهم مع النظام وضد النظام..

كما أن المتتبع للتظاهرات معَ وضد في اليمن يكتشف كثرة حضور الناس في التظاهرات ولكنه يلحظ كثرة غياب اليمن الآمن فيهم وإن زعموا ما زعموا، ويقتنع المراقب أن أمرا ًلا يبعث على الطمأنينة والسكينة، فالتوتر والرغبة والتوثب للانفلات احتل شخصيات المتظاهرين.

ولم تقتنع ملة معَ وملة ضد، أن اليمن بالفعل ليست تونس وليست مصر، وعموما فقد انتهت ثورة الخضار في تونس لأن البوعزيزي كان يبيع خضارا إلى انقلاب الجنرال رشيد عمار بدعم أميركي فرنسي وووصلت ثورة زملاء المصري وائل غنيم نجم ثورة الفيس بوك الذي تلقى هو وزملاؤه تعليمهم في المدارس الأجنبية وتخرجوا من الجامعة الأمريكية في القاهرة، انتهت ثورتهم إلى انقلاب عسكري بدعم أمريكي أطاح بمبارك وقلص حلم ثورة الشباب.

ولهذا السبب التظاهرات مستمرة في مصر وتونس لولا أن ليبيا أزاحت أخبارها، هكذا إذن، ثورة طلابية يُغلق ملفها أمريكياً وغربياً، بانقلاب عسكري في عاصمتين، ليبيا غادرت نموذج التظاهرات وبدأت من هجوم احتجاجي في مدينة بنغازي على مقرات الشرطة، تبع ثورة المحتجين انضمام قوى النظام من دبلوماسيين وقادة عسكريين وأمنيين وشيوخ قبائل إلى الثائرين على القذافي، ولن يُحل الوضع في ليبيا إلا باختفاء القذافي في الصحراء الكبرى نازحا من العاصمة أو بتطويقه بقوات أمريكية وغربية مُطعمة بقوات مصرية ومغربية وغيرها عربية إن لم يسقط في شهر.

ومثال ليبيا لنا إن انفلت الوضع في اليمن هو الأقرب لما سيحدث هذا في أحسن الأحوال وفي أسوأها سيُقاتل الكل في اليمن الكل، وليس الخوف من الرئيس ومؤيديه ولا من المعارضين ومناوئيه وتظاهراتهم الناعمة ببعض القسوة، فشدة فعل الخوف ستأتي عندما تُخرج السجون في صنعاء وعدن وتعز وعمران والحديدة أحمالها وأثقالها من المجرمين والقتلة لحظة انفلات الوضع، إن خرجت المظاهرات عن خطها السماوي الأبيض أو قام أحد بإخراجها ليتفرق بعدها كل متظاهر للبحث عن الأمان أو للقتال مع حزبه إن كان دمويا..

ولأن من يحرسون السجون سيلتحقون هم أيضا ببيوتهم لحماية أسرهم، فإنهم سيتركون يأجوج ومأجوج السجون، ينفرون ليقتلعوا برغائبهم الناس وما في أيدي الناس يعاونهم السوَقة وأصحاب الثار الطائفي والسياسي والشخصي.

واليقين أن اليمن سيشهد عنفا وقتلا وتدميرا لم يسمع به أحدا ًمن قبل أو من بعد، ولن يشهد اليمن نهبا شاملا وتكسيرا شاملا وتحطيما شاملا، خاصا وعاما، وخطفا وقتلا، بل وسيشهد العالم حالات فوضى وتدمير واغتصاب للنساء وحتى للمراهقين، بفظاعة لم تكن على قوم قد جرت مثلها، لأن التدين والعيب القبلي والمروءة لم تعد كلها في ذاكرة اليمانيين كما كانت..

وأجزم بحزم النيات الصادقات أنه لا الحراك والحوثية ولا حميد الأحمر وحسين ولا صعتر والحزمي ولادحابة ولا علي عبد الله صالح ومؤتمره ولا هذا السويدان ولا القرضاوي ولا الإصلاح ولا الاشتراكي سيستطيعون حماية الناس من الناس وإن شبه لهم ذلك، ولن يُوقف أحبارُ المشائخ، المساجينَ وهم يتسابقون لنهب البشر والمحلات والبيوت، وإذا كان العالم يتداعى الآن لإنقاذ نفط ليبيا تمهيدا لإنقاذ ناس ليبيا فلن يتداعى لإنقاذ اليمن إنس ولا جان، فاليمانون عند العرب وفي الخليج مكروهون وفي أوروبا متهمون بسبب القاعدة.. ترى هل أتاكم من المواقع الصحفية، نبأ يمانية قاصرة في الثانوية اختطفت واغتصبت وكتب على جسدها يوم السادس والعشرين من هذا الشهر الجاري عبارة (ارحل)...!، فإن أتاكم هذا فاعلموا أنه لم تظهر من الجمل إلا شعرة في سنامه...