سمعت مقطعاً صوتياً منشوراً على النت لفضيلة الشيخ محمد الفراج يتحدث فيه عن الأحداث الواقعة هذه الأيام في اليمن، والشيخ الفاضل محمد الفراج من المشايخ الذين نحبهم ونقدرهم، فلقد عرفناه من الصادعين بالحق، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولحبي للشيخ وتقديري لجهوده وصدقه فيما يطرح، أهتميت بكلامه، لأن كلامه الذي أورده لم يُوفق فيه -في ظني -وسأذكر أسباب ذلك- ضمن تعليقي على بعض عبارته في هذه الوقفات العابرة.
الوقفة الأولى: الزاوية التي نظرالشيخ الفراج منها لأوضاع اليمن غير الزاوية التي ينظر منها أهل اليمن علماء وعامة.
أقول -يا شيخ محمد-الذي يسمع كلامكم يقيناً يجد أن فضيلتكم ينظر إلى وضع اليمن من زاوية ضيقة جداً، إنك-وفقك الله- تتحدث عن أوضاع اليمن وأنت تعيش أوضاعاً مختلفة عنها تماماً في الرياض، فكيف تتكلم على ظروف أهل اليمن وأنت تعيش ظروفاً مغايرة، فلتعلم أن الجو الذي حللت منه ومن ثم حكمت على ثورة أهل اليمن لا علاقة له البتة بواقع المواطن اليمني المكلوم، لا علاقة له بظروف المواطن اليمني الذي لا قيمة له ولا كرامة له لا في بلده ولا في بعض البلدان المجاورة وهذه وحدها ربما تكفي لينتفض أهل اليمن على من يعتقدون أنه السبب في هذا كله، ولهذا هبى أغلبية اليمنيين من السلفيين والإخوان والزيدية وأكثر الأحزاب السياسية...إلخ، -نعم- فهذه الوقفة الأولى لابد أن يُلحظ أن ظروفهم غير ظروفك...
بل أقول لك أن اليمني وصل إلى مرحلةٍ هو مخيرٌ بين هذا الخروج الذي قد يموت فيه وقد لا يموت وبين الموت الذي يموته في اليوم ربما مرات، الشعب اليمني –ياشيخ محمد-كان مواتاً واليوم قد يموت برصاص النظام، والموات والموت كلاهما موتٌ، إلا أن الفرق هو أن هذا الموت سمعت عنه أنت يا شيخنا والصورة الآخرى من الموت لم تسمع عنها أنت، مع أن بعض الحالات وقوعها أقرب إليك من هذا الموت الذي خفت على شعبنا منه.
يا فضيلة الشيخ محمد الفراج اليمني يشعر بما لا تشعر به، ويعاني مما لا تعاني منه أنت، لا قيمة لإنسان يعيش بلا كرامة في بلده ومن باب أولى في غيرها كما تعرف هذا أنت وقطعاً أنت تعرف لأنك تدري كيف يعامل اليمنيون في بلادكم وفي غيرها من دول الجوار، فلا يوجد شعبٌ مشرد في مشارق الأرض ومغاربها مثل اليمنيين، ولذا اجتمع أغلبيته في الداخل والخارج على هذه الثورة، الأكثرية من اليمنيين انضموا إلى هذه الثورة وفي مقدمتهم أهل الحل والعقد من العلماء والدعاة والمفكرين والسياسيين ومشايخ القبائل ،كلهم أجمعوا على أن الثورة خيارٌ لابد منه للتخلص من امتهان كرامة اليمني، ورفع الاستعباد والظلم ومصادرة الأموال العامة لحساب أسرة وحزب، لعل في هذا ما يخلصهم مما عانوا منه.
الوقفة الثانية: وجود بعض الأخطاء التي قد تحصل في المظاهرات والاعتصمات لا تسقط جوهر قضية الثورة الشرعية العادلة.
الشيخ الفاضل أورد بعض الجزئيات التي للرأي فيها مجالٌ، أوردها لُيشكل بها على خروج الناس في هذه الاعتصامات والمظاهرات التي أذل الله بها الظالمين، وأرغم بها أنوف الطغاة المتلسطين مصاصي دماء الشعوب ومنتهبي خيراتهم، والتي بها استردوا شيئا من كرامتهم وانتزعوا شيئا من حقوقهم بعد أن كانوا يعاملون كالعبيد...
وهذه الصُّور التي ذكرها الشيخ ينتقد بها الثورة، بعضها نوافقه عليها، ولكن نتفق كما أعتقد نحن والشيخ أنها مما للاجتهاد فيها مجال وكان على الشيخ أن يراعي هذا خصوصاً أنه عرف أن هناك من العلماء كما أشار من لا يرى في بعضها حرج، وما نوافق الشيخ عليه منها فإنه أيضاً لا يصلح أن يورد في هذا السياق لتُسقط بها هذه الثورة والتي في أصل جوهرها تطالب بمبدأ العدل الرباني، والقيام على الظلم والتسلط والاستعباد، فليس من العدل والانصاف أن نتحدث عن بعض السلوكيات، ولا نذكر أساس المشكلة كلها والتي لولا هي لما حدث كل هذا.
الوقفة الثالثة: دفع الاعتراضات التي أوردها الشيخ محمد الفراج على الثورة اليمنية.
1-قال الشيخ الفاضل بنص العبارة"أن الخلاف بين فرقاء.. " أه. أقول: هذا غير صحيح البتة، الخلاف اليوم بين شعب بكل طوائفه وتوجهاته، وبين حكومة ظالمة بزبانيتها وأعوانها سخرت المال العام واستعملت نفوذها لمواجهة غالبية الشعب.
الخلاف يا فضيلة الشيخ اليوم بين سلطة علي عبدالله صالح من جهة وبين شعب خرج عن بكرة أبيه بمافيه نساؤه وأطفاله وصغاره وكباره، بل خرج معهم حتى من أقارب الرئيس وانضم مجموعة كبيرة من أفراد نظامه اليوم إلى الثورة.
2-قال الشيخ "توقعوا دماء وقتل" أه. يا شيخ وددت أن تذكر من الذي يقوم بالقتل .. ، بالنسبة اليمني فقد ضرب أروع مثال في الوعي والانضباط والتحضر، وما أظنها إلا الحكمة اليمانية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً يا شيخنا الفاضل – القتل في اليمن دائما بسبب الفوضى التي يختلقها النظام، وبسبب تحريش النظام بين القبائل بعضها بعضاً ، لأن هذا التحريش والتفريق هي السياسة التي أبقته طوال هذه السنين...فهذه الثورة يعتقد غالبية اليمنيين أنها عبارة عن إنقاذ للشعب من عملية القتل الممنهج والمتواصلة.
إن أكثرية الشعب اليمني يعتقد أن النظام حقيقة هو الذي يقتل ويسفك الدم فزواله هو انهاء للقتل والدم -إن شاء الله-هذا ما يعتقده غالبية اليمنيين، وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقولون.
بل –هل علمت-أنه في بعض الحالات يستعين النظام بالأمريكان ويقول لهم اقتلوا شعبي وأنا سأقول أننا نحن من قتلنا وقصفنا، هكذا وصل به الاستخفاف إلى أن يتبنى جرائم غيره في حق شعبه، كما فعل مع الأمريكيين في جنوب اليمن.
اليمني دمه في بلده وفي خارج بلده أرخص من دم القط، كله بسبب هذا النظام...
4- قال الشيخ بنص العبارة"وخروج الغوغاء..." أقول عفى الله عنك إن كنت تعتبر هؤلاء الملايين غوغاء،و كما ذكرت سابقاً أنهم صفوة أهل البلد من العلماء وطلبة العلم والتجارو..، إن كنت تعتبر هؤلاء غوغاء فلا أقول أكثر من سامحك الله وعفا عنك وغفر لك.
وعلى افتراض أنهم غوغاء-مع تحفظي على هذه العبارة- فأقول نعم الغوغاء هؤلاء كما يُذكر عن الإمام الشعبي-رحمه الله- ذكره الذهبي في"السير" قال الشعبي:" نعم الشيء الغوغاء يسدون السبل ويطفئون الحريق ويشغبون على ولاة السوء "فهؤلاء خرجوا يشغبون على الظلمة الذين استعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا...
5- أما كلامك على خروج النساء، فالنساء في اليمن يخرجنَّ ولكن خروج النساء في اليمن الذي رأيته بحشمة وحياء والغالبية الساحقة كما رأيت بحجابهنَّ ولله الحمد، بل سمعت من يقول من إخواننا العرب إن خروج نساء اليمن عرفنا حشمة المرأة اليمنية وحفاظها على حجابها، بل قال بعضهم المرأة اليمنية أصبحت مثالاً للمرأة المسلمة الواعية المحافظة، وقد يوجد بعض السلوك الفردي الخاطئ هنا وهناك ولكن اعتقد أنك بالغت كثيراً في هذه المسألة.
وأما اعتراضك بأنهن يرفعن أصواتهنَّ فلو علمت ما بهنَّ لعذرتهنَ، لهنَّ ظروفهنَّ التي لا تدري بها أنت لأنك تعيش غير ظروفهنَّ.
إنهنّ ظلمن في أقواتهنَّ، وضيق عليهنَّ في أرزاقهنَّ، وربما دفع الظلمُ والفقرُ بعضهنّ إلى ما لا يقال في هذا المقام، فهؤلاء النسوة ظُلمن فخرجنا يجهرنَّ بدفع هذا الظلم، وهذا حقٌ لهن" لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا".
6- وأما قولك عنهنَّ " ليس من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خروج النساء"، فيا شيخ تخرج هؤلاء النسوة لماذا؟ وفيماذا؟ - تخرج تقول للظلم هذا الظلم، تخرج لتقول للظالم ارحل ليزول عنا ظلمك، تخرج ناهية عن المنكر فكيف يقال أن هذا منكر، وكتاب الله يقضي بهذا، مادام أنه أمرٌ بمعروف ونهيٌ عن منكر هكذا يعتقدنه هنَّ بناء على فتاوى علماء، والحاجة تقتضي هذا ، وهنَّ يقدرن على ذلك، فلهنَّ ذلك، يقول الله تعالى" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
7- قال الشيخ: "تطالب المرأة بعزل الرئيس، ما للنساء وهذه الأمور"، "
يا شيخ محمد من أين أتيت أن المرأة لا علاقة لها مطلقاً بمثل هذه الأمور، نعم-مسألة الولاية العامة هذه مسألة آخرى، ولكن أن تبدي المرأةُ رأيها في أمر من أمور السياسة كأن تعارض رئيساً بقول، أو تخرج في مظاهرات نسوية خالصة كما رأيناه في غالب مظاهرات النساء اليمنيات، هذا اجتهادك ولكن لا تلزم الآخرين به.
ثم أيضاً ألم تعلم أن عائشة –رضي الله عنها-عارضت علياً رضي الله عنه، في قضية سياسية مشهورة، وهي الموقف من قلت عثمان، ومن أفضل من عائشة المُعارِضة، أو أفضل من علي الحاكم الشرعي المُعَارض، لقد عارضته وهي في المدينة بل وخرجت-رضي الله عنها- إلى البصرة لتدعو إلى تكتل تعارض به علياً في هذه القضية، ولم ينكر عليها أحدٌ من الصحابة معارضتها لعليٍ لأنها مرأة مالها ولهذه الأمور كما ذكرت يا شيخ محمد.
إن تاريخ الإسلام يبطل ما قلته، فقد كان للمرأة المسلمة مشاركات فاعلة في الحياة العلمية والعملية والثقافية والأدبية والاجتماعية، بل حتى العسكرية الحربية أيضاً، كما كان يحدث في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-كنَّ يخرجنَّ غزوات الرسول، حيث كانت المرأة تقوم بدورها وفقاً لما تقدر عليه•، وبالطبع هذا ضمن ضوابط تحفظ للمرأة دينها وحيائها وعفافها.
خلاصة هذه الوقفات العابرة أقول فيها لمشايخنا الفضلاء جملة: أن أهل اليمن لهم علماء ومفكرون وسياسيون، وعلمائهم ومشايخهم أعرف بواقع الحال في البلد، وأعلم بظروف اليمن، فنرجو أن يراعي المشايخ من خارج اليمن ظروف اليمنيين، وأن لا يقفزوا على علماء اليمن ، فيستغل مقالاتهم النظام كما يستغل النظام الليبي بعض مقالات المشايخ لتسويغ ذبحه وقتله لشعبه، وعلى كل الأحوال فليس علمائنا في خارج اليمن بأحرص على مصلحة البلد من علمائه في الداخل الذين يعيشون فيه.