تعز لا تسقط!

تلقيت اليوم عددا من المكالمات الهاتفية , جميعها تسأل عن موضوع واحد: "صحيح تعز سقطت بالكامل"؟. قالوا ان وكالة عالمية نشرت الخبر , وأن فضائيات نقلت , والخبر قد عُمم في كل موقع. ذهبت لأتأكد من الخبر في الفضائيات فوجدته كذلك؛ "تعز تسقط في يد مسلحين قبليين".

كنت أعرف ان الفضائيات تبالغ . هذه مهنتها .يخوض الشعوب معارك بقا...ء مع حكامهم الطغاة , وتخوض الفضائيات معارك حضور للأقوى , حسب احراز السبق.

لم تسقط تعز , ولا نريد لها هذا . وإن سقطت , فنحن نريد لها السقوط إلى أعلى , وهو ما سيحدث.

كيف يُسقط أبناء تعز مدينتهم ؟ أو كيف تسقط المدينة في يد سكانها ؟ لم أفهم .هم منها , وفيها. لم يقدموا اليها من خارج الحدود كي يسقطوها , ولا يتجولون في شوارعها بدبابات.

أبناء تعز هم من يسقطون فيها , شهداء , جرحى , دفاعاً عن حرية مدينة وكرامة شبابها.

الحاصل في تعز ليس سقوطا , بل حماية من السقوط . خطط النظام لنهب المؤسسات , وتكفّل أنصار الثورة بحراسة المنشأت والمرافق والمواطنين فيها من رصاص حي لا يفرق بين صغير وكبير.

أنصار الثورة , وهم بالمناسبة مجموعة من الضباط الذين انخرطوا إلى صفوف الثورة في اليمن في بداية انطلاقتها وليس قبليون فقط , يعملون حاليا على حماية المرافق من النهب , وحماية شباب الثورة والمتظاهرين من الاعتداءت المستمرة التي كان يقوم بها جنود عبدالله قيران.

استسهل مدير امن تعز القتل في هذه المدينة . قتل وقتل , بقلب ميت .شعر أنه حقق نصر باحراق ساحة الحرية ,بما فيها , فبدأ يحتقرهم في كل الاماكن , ويوجه الشتائم كما قال كثيرون في ادارته.كان جنوده في بداية الاحداث يستخدمون قنابل الغاز ومدافع المياة , ورموا بها , ليتحولون إلى الرصاص الحي ومضادات الطيران.

القتل المجاني , هو الذي جعل البنادق تقفز إلى الأكتاف, كما قال الصحفي فوزي بشرى .حمل أبناء تعز بنادقهم , لكنهم مازالوا متمسكين بسلمية ثورتهم .لم يقتحموا مكتب حكومي, ولم يعتدوا على دورية .لم يحملوا الأسلحة جميعهم أيضاً ضده.

بعد تشكيل ما يسمى " صقور الحالمة " من أنصار الثورة , سحب قيران قواته , وقام بتشكيل فرق موت , مهمتها النهب , واطلاق الرصاص العشوائي في الاحياء لترويع الناس ,و يشرف عليها مشائخ , أغلبهم وكلاء للمحافظة , ومدراء مديريات.

نهب البلاطجة مؤسسات وجهات حكومية , قاموا بالاعتداء على دوريات حتى يتوفر المبرر لقصف المدينة , وتراجعت دبابات الحرس إلى حوش مستشفى الثورة العام لتقصف من هناك مناطق عصيفرة , حيث سكن الشيخ حمود سعيد المخلافي , وساحة الحرية.

حاليا , قطع الحرس الجمهوري الطرقات المؤدية إلى المستشفى , وحوله إلى ثكنة عسكرية . الأطباء ممنوعون من الدوام , والمستشفى الأول في المحافظة , بات لا يستقبل مرضى , بل مؤن.

قام الثوار بتأمين اكثر من ثلثي المدينة , وقامت السلطة المحلية بمعاقبة السكان , الذين انخرطوا في الجيش الشعبي وقاموا بالتعاون مع شباب الثورة , بعدم اخراج سيارات القمامة . جعلوها تتكدس لثلاث أيام , من اجل خلق كارثة صحية.

تعز قصفت أمس بوحشية . النازحون من صنعاء هرباً من حرب الحصبة , وجدوا هنا الرعب الأشد . واليوم يخطط قيران لقصف مماثل , دعا سكان حارات الشماسي وعصيفرة إلى اخلاء منازلهم.

العمل الدنيء الذي يقوم به قيران , لا يفوقه الا المصدر المحلي اليمني الذي يخرج لنا كل ليلة ليبرر جرائم مدير الامن , بدل من أن يتحمل مسئولياته ويطالب بنقل قيران كونه من أشعل عدن سابقا , وحاليا يكرر السيناريو في تعز.

في عدن , كان يوهم النظام أنه عدن كلها "انفصاليين" , وانه يضبط الامن فيها . جعل من الناس يحملون السلاح , وينخرطون في صفوف الحراك , ولم نسمع شيئا فيها بعد نقله . والأن , المشهد يتكرر في تعز.

المصدر المحلي في تعز , لن يجرؤ على ردع قيران , ولن يتجرأ على دعوته إلى اخلاء المستشفى من الدبابات ليمارس وظيفته التي وجد من أجلها , لا أن يكون معسكر للقصف.

المصدر المحلي لتعز , يبدو أنه شاعر في نفيه لسقوط تعز . فكيف سيواجه سفاح بحجم قيران. قال : الأوضاع الأمنية تحت السيطرة والأجهزة الأمنية تتعقب كل من يقوم بفعل إجرامي يستهدف الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي , فيما الحاصل أن ادارة الامن قد احضرت من المتارس ما لا يعد امام بوابتها , وقطعت الطريق خوفا من عملية انتحارية.

وفي لغة شاعرية استعراضية , دعا المصدر المحلي , وسائل الإعلام إلى تحري المصداقية والالتزام بالمهنية خصوصا قناة الجزيرة التي "تستنشق باروداً "و"تتنفس رصاصاً "و|تلعق دماً "و"تأكل لحماً متعفناً "من شوارع المدن العربية التي تسهل بها طرائق الفتن والتناحر بين أبناء الوطن الواحد لتنفيذ مخططات وأجندة قديمة جديدة.

لأن قيادات المحافظة عاطفية حد الذوبان , كان من الطبيعي أن يتحول قيران إلى حاكم عسكري , وكان من الطبيعي ايضا أن يقف له رجال تعز وشبابها , ويدافعون عن مدينتهم حتى لا تسقط في يد سفاح سيذبحها من الخلف.