في البداية يجب أن يعرف الجميع أني لا أحمل للمؤسسة العسكرية اليمنية إلا كل الحب والإعجاب والتقدير بل أفتخر بأني أساهم ومن خلال عملي وتخصصي في تأهيل بعض أفرادها والارتقاء بمستواهم الثقافي والعلمي والمهني إيماناً مني بأن المقاتل الجيد هو فارس السيف والقلم تيمناً بأبي الطيب المتنبي القائل ( الخيل والليل والبيداء تعرفني .. والسيف والرمح والقرطاس والقلم ) ولكن ذلك لن يمنعني من قول الحقيقة وإن كانت مرة وقاسية ولكن مصلحة اليمن فوق الجميع.
طالما وصف الرئيس صالح الجيش بأنه صمام أمان البلد والمؤسسة الوطنية الكبرى والصخرة التي تتحطم عليها كل الدسائس والمؤامرات. ولكنه وصفه أيضاً في مقابلة تلفزيونية بأنه بدون مهام ويستخدم للعروض العسكرية وقمع التمرد الداخلي من أجل البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة. ويبدو لي أن الرئيس كان محقاً وصادقاً في مقابلته التلفزيونية والشواهد تؤيد ذلك فالجيش اليمني لم يستخدم إلا ضد أبناء اليمن وفي سبيل الحفاظ على كرسي السلطة بل أن القيادات العليا للمناطق والقطاعات العسكرية تنتمي لأسرة الرئيس وقريته وكأن نساء اليمن عقمن عن إنجاب قادة عسكريين يحملون أمانة حماية الوطن والغرض من ذلك هو ضمان ولاءهم الشخصي للرئيس ومن خلالهم ولاء مناطقهم وقطاعاتهم العسكرية وكل قائد منهم استخدم نفس الأسلوب وأصبح لدينا جيوش متعددة بولاءات شخصية وليس جيشاً وطنياً موحداً.
وبما أن ذلك كان خطاً فادحاً فقد دفع الرئيس ثمن الفشل في بناء جيش وطني وظهر ذلك جلياً عندما انشق عنه بعض قيادات الجيش والمناطق العسكرية وأيدوا مطالب المتظاهرين برحيل الرئيس وهنا يصدق عليه المثل العربي (جنت على نفسها براقش) وأصبحت الوحدات العسكرية ترى المصلحة الوطنية من خلال توجه ورؤية قياداتها فمثلاً كانت كلمة (ارحل) محرمة في الوحدات العسكرية التي أيدت قيادتها مطالب المعتصمين قبل الحادي والعشرين من مارس ولكن بعد ذلك التأريخ أصبحت عادية بل يقال ما هو أكثر من ذلك. وأعتقد جازماً لو عادت تلك القيادات لتأييد الرئيس ضد المعتصمين لهتفت تلك الوحدات عن بكرة أبيها (الشعب يريد علي عبدالله صالح) وعلى الجانب الآخر فإن وحدات الحرس تدين بالولاء الشخصي لقائدها نجل الرئيس ربما أكثر من الرئيس نفسه بل شاهدت بعيني وحدة عسكرية تابعة للحرس مرت من أمامي وهم يجوبون بعض الشوارع ويهتفون (قوتك يا أحمد علي ما تنحني) يعني كل واحد يبني جيشه وقوته وليس جيش اليمن هذا للأسف ما يجري. وهنا يجب أن نعترف بأن أحد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وهو بناء جيش وطني قوي لم يتحقق بعد.
ونتيجة لهذا الفشل في بناء جيش وطني فإن الجيش اليمني المنقسم أصبح اليوم جزءاً من المشكلة وكان المفروض أن يكون رمانة الميزان وأن يكون عامل الحسم الأساسي فيحفظ للرئيس كرامته ومنزلته ويلبي للشعب طموحاته وتطلعاته كما فعل الجيشان التونسي والمصري.
ما نخشاه جميعاً أن يستخدم الجيش الذي صرفت عليه المليارات التي اقتطعت من قوت الشعب اليمني الفقير كمعول هدم بيد الرئيس وأسرته فيصفون حساباتهم الشخصية وأحقادهم الدفينة تحت مسمى الشرعية وتحت مسمى حماية الثورة الشعبية الشبابية وأكبر الخاسرين هو الشعب سواءاً كان مؤيداً للرئيس أو مؤيداً للشباب والمعارضة أو صامتاً مترقباً لما هو قادم. أتمنى أن يكون أبناء القوات المسلحة على مستوى المسؤولية الوطنية والدينية والإنسانية وأن لا يوجهوا البندقية ضد زملائهم ولا ضد شعبهم وينحازوا لمصلحة الوطن.
أما شلة الفساد فيجب أن يرحلوا جميعاً ويتركونا نعيد بناء وطننا ومستقبل أطفالنا على أسس صحيحة ويجب أن يكون إصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة هيكلتها وصياغة عقيدتها العسكرية القتالية على أسس وطنية صرفة من أولويات المرحلة المقبلة.
وحفظ الله اليمن.