الثورة.. وجنود طالوت

 أمين عيون

إن من يصنع التغيير هم قلة قليلون.. وقادة النصر أفراد يعدون على الأصابع ممن توافرت فيهم الشروط وعلت فيهم الهمم وصدقت فيهم النوايا وأخلصوا العمل لله ثم لأوطانهم ثم لشعوبهم التي سلمت لهم زمام القيادة.

إن الحماسة الجماعية قد تخدع القادة لو أخذوا بمظهرها. فيجب أن يضعوها على محك التجربة قبل أن يخوضوا بها المعركة الحاسمة .. هكذا الحال الذي عايشته معارضة اليمن بكل فئاتها فمنذ فترة كان يعاب على المعارضة عموما والمشترك خصوصا تواطؤهم مع النظام القائم بأنهم لم يصنعوا شيئا حتى الانتخابات كانت لمجرد اللعب والجري وراء السلطة.

جاء بعد ذلك اتفاق فبراير وما سبقه من أحداث كحروب صعدة ومظاهرات الحراك في الجنوب وكلهم يتهم المعارضة بأنها تغطي جرائم النظام بينما النظام يتهم المعارضة بأنها تصب الزيت على النار هنا وهناك .. لكن موقف المعارضة كان واضحا وجليا خاصة أنهم اتخذوا من النضال السلمي طريقة للتغيير من وقت مبكر والذي كان هو النواة الأولى للثورة السلمية الحالية.

اشتدت وتيرة الأزمة بعد تنصل نظام صالح من اتفاق فبراير وبدأ بالتهديد لقلع العداد والسير بالانتخابات منفردا .. وتتالت الأحداث مع اشتعال ربيع الثورات العربية في تونس ومصر .. ومازالت المعارضة في نظر البعض أنها متواطئة وجبانة فلماذا لا تنزل إلى الشارع ولماذا لا تخرج كما خرجت غيرها من الشعوب وفي كل مرة كان اللقاء المشترك يتخذ القرارات بتأني وروية لأنه يعرف بأن الخروج ليس مجرد كلمة تقال وأن من ينادون اليوم بالخروج هم سيكونون أول القاعدين أو المتخاذلين وأن النزول إلى الشارع إذا ما نزلوا لا يمكن معه العودة إلا بعد تحقيق أهدافهم .. في هذه الأثناء بدأ تدفق الشباب إلى الميادين وجاء انضمام اللقاء المشترك متأخرا عنهم وفي كل مرة نسمع الانتقاد الحاد وجلد هذه المعارضة بشتى الأوصاف والنعوت.

جاءت جمعة الكرامة وانضمام الجيش المؤيد للثورة والقبائل والشخصيات الوطنية من كل الفئات والمناطق وتتابعت الأحداث حتى جاءت حرب الحصبة وأرحب وأبين وحادثة النهدين وغيرها وفي كل مرة يُتهم اللقاء المشترك بالتخاذل والتقصير والتراجع و أنهم وراء تأخير الثورة بقبولهم للمفاوضات والمبادرات .. وظهر بقوة الإلحاح بتكوين مجلس انتقالي على غرار ما حصل في ليبيا وبعد فشل العمل السياسي وإصرار النظام على التمادي وعدم الاستجابة لمطالب الشعب حتى ظهر الإعلان عن تكوين المجلس الوطني والذي جاء كحاجة ملحة لتتويج نجاح الثورة وإدارتها خلال الفترة القادمة.

لنرى في اليوم التالي تباين وجهات النظر وخاصة في من كانوا ينادون بتكوينه وعلى رأسهم معارضة الخارج وحركة الحوثي وبعضا من الشخصيات التي كانت تطالب بالمجلس بل استبقوا الأحداث وقاموا بتشكيل مجلس انتقالي قبل ذلك ناهيك عن إقحام الشباب في مسيرات ارتجالية قتل فيها العشرات من الشباب.

كانوا هم أول من تحفظ بل وانسحب من المجلس بدعاوى غير مبررة أصلا .. فقائل نريد أن نتقاسم المجلس وقائل يريد الاعتراف بقضيته وجعلها في الصدارة وآخر يتهم هذا وذاك بأنه يريد الاستحواذ على الثورة مع أن المجلس ليس لإدارة الدولة وإنما لإنجاز أهداف الثورة .

ذكّرنا هذا المشهد بحال قوم طالوت الذين تمنوا الخروج لقتال جالوت فلما كتب عليهم القتال تولى جزء كبير منهم ... وبعث الله لهم طالوت ملكا لقيادتهم ... قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه (إنها ثقافة الفيد وحظوظ النفس الشخصية التي تريد أن تتقاسم كل شيء حتى ولو كان الوطن في لحظته العصيبة ) ثم لما تولى هذا الجمع خضع آخرون لابتلاء آخر وهو قصة النهر والشرب منه فشربوا منه إلا قليلا منهم .. وتبقت القلة المخلصة المؤمنة التي هي مفتاح النصر دائما وهي التي تقود التغيير وتحقق النصر لأنهم لا هم لهم إلا أن يموتوا ليعش الحق ويسقط الباطل حتى لو كان الثمن أرواحهم.

وهكذا حالنا طلبنا الثورة فثرنا فتخلف كثير بدعاوى وأعذار .. أردنا مجلسا وطنيا فلما تشكل ظهرت أمراض وعقد الماضي ومطامع التقاسم المبكر وما هكذا تكون الثورات ياقوم.

لأن الثورات لها أهدافها السامية التي تقوم من أجلها وهي إسقاط المستبد فإذا ما تم إسقاطه ونجحت الثورة يتم بعد ذلك رسم ملامح النظام القادم بما في ذلك رد الحقوق وحل المشاكل كالقضية الجنوبية والحوثيين بل كل قضايا اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أوجدها النظام الهالك طوال فترة حكمه.

أما أن نختلف ونحن على أبواب حسم الثورة والتي تعتبر النقطة الفاصلة في مسيرة هذه الثورة فهذا يعني أننا لسنا أهل للمسئولية التي نتكلم فيها باسم الشعب ، بل لا يقول به عاقل أن تختلف مع شركاء الكفاح وأنت في معركة الحسم ضد العدو الأول لأنك بذلك تكون قد خدمت عدوك من حيث لا تشعر، كما يعني أيضا استهانة بدماء الشباب الأطهار الذين ناضلوا لإسقاط هذا النظام المستبد سواء كانوا من الشباب الذين سقطوا في الحراك السلمي الجنوبي أو الذين سقطوا بسبب الحروب العبثية في صعدة وغيرها وكذلك الشباب الذين سقطوا منذ بدء هذه الثورة السلمية في كل الساحات والمحافظات اليمنية.

أليس حريا بمن يتحدث اليوم عن القضية الجنوبية أن ينظر ما ذا يحدث في أبين ويحاول أن يحشد جهوده ومحبيه لمقاومة هوس السلطة التي تقتل الناس هناك بالطائرات وتمد المليشيات المسلحة لتبرر بقائها في السلطة ، أو أقل القليل دعوة فاعلي الخير والتجار المغتربين من أبناء الجنوب وهم كثير لدعم النازحين من تلك البقاع لسد رمق الأطفال والنساء المشردين ماذا قدمتم لهؤلاء الضعفاء الذين تتكلمون باسمهم.

ألم يكن من المنطق والعقل بأن يقوم الحوثيون بادخار جهودهم لإسقاط نظام صالح الذي شن عليهم ستة حروب متتالية خير لهم من أن يدخلوا حربا غير مبررة مع قبائل الجوف الموالية للثورة ليخسروا مئات المقاتلين في وقت يشن النظام حربه الجنونية على كل من يناصر الثورة.

ننحن نناشد كل العقلاء والشرفاء في هذا الوطن أن تكون المصلحة العليا للشعب والوطن في فوق كل اعتبار ولنبدأ أولا بتوحيد الجهود ورص الصفوف لإسقاط ما تبقى من فلول هذا النظام الذي يحشد اليوم كل قواته من أجل خوض معركته الأخيرة ولنكن يدا واحدة فإذا ما أنجزنا هذا الهدف نكون بذلك قد حققنا أكبر الأحلام الذي ظل يراودنا طوال 33 عاما بعد ذلك يأتي التخطيط والبناء ورد الحقوق ورفع المظالم وبناء الدولة اليمنية الحديثة والمواطنة المتساوية على أساس قاعدة لا ضرر ولا ضرار وتحت مظلة الوطن الواحد.

أما نقتل الثورة في مراحلها الأخيرة .. ونفشل بعد أن قدمنا نموذجا رائعا للعالم بحضارة الشعب اليمني محفوفا بقوافل الشهداء التي تنادينا كل يوم ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) فنحن نكون بذلك كأرباب النظام السابق ما الجديد الذي قدمناه للملايين التي تهتف لنا صباح مساء سوى الدعوة إلى التمزق والمناطقية والطائفية والاقتسام والمحاصصة للوطن والسلطة والعودة إلى السلطنات ودولة المشائخ والحقد والكراهية وزرع بذور الشقاق المناطقي والمذهبي.

من أنا لا يهم شمالي جنوبي تهامي حضرمي زيدي شافعي اشتراكي إصلاحي مؤتمري ناصري بعثي قبلي أنا في النهاية يمني واليمن للجميع عزها للجميع وخرابها على الكل.

فنأمل من قيادات اليمن التاريخية سواء في معارضة الداخل والخارج أو القبائل أو قيادات الجيش أو الوطنيين من الحزب الحاكم أن يتحملوا مسئوليتهم التاريخية وأن يتحرروا من ثارات الماضي وأحقاده وحساباته وأن يتجردوا من المصالح الضيقة القائمة على أساس المناطق أو القبائل أو الحزبية أو المذهبية ، وأن يدركوا أن جيل الشباب اليوم لم يعد معنيا بموروثاتهم السابقة وصراعاتهم القديمة نحن أمام جيل يطمح لحياة مدنية يسودها الرخاء والنهضة والتلاحم وتغليب مصلحة الوطن فوق كل اعتبار (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).