لماذا عليك أن ترحل..؟!

 أمين مانع العواضي

عاش علي صالح عمره لهدف واحد وصب كل جهده وحنكته وأمكاناته وحيله نحوه، وتمكن بطريقة أو بأخرى ولفترة غير وجيزة من السيطرة على زمامه..

لكنه ابتعد كثيراً عن الواقع في اليمن ولم يعر المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أي اهتمام.. مما نأى به عنه ونقله إلى عالم آخر من الأنا العليا والعظمة المتفردة،حيث دعاه ذلك إلى محاولة تطويع الواقع وفقاً لمعطياته هو..وتغيير كل شيء ليتناسب مع خطواته هو.. وتسخير كل شيء ليتماشى مع رغباته هو... وهو لا غير.. ما أفقده المقدرة على فهم الواقع أو التعامل معه ناهيك عن مستجداته..

وبدأ التعامل معه بمنظور غيره ومفهوم من هم في الدائرة الإستشارية الضيقة أو حتى الأوسع..والذين ينقلون الصورة كما يرونها، لا كما يمكن أن يراها... أو كما تكون.. ويصنعون لها الملامح التي تتناسب وأهوائهم أو مصالحهم الشخصية....

دعى مراراً وتكرارً إلى نزع النظارات السوداء، وكان صادقاً، لأنه لا يعرف الحقيقة، ولا يحاول في ذات الوقت الإقتراب منها..كونه لم يعد بحاجة لها أو لمعرفتها ولا حتى سماعها..إنما تجيئه أيضاً كما يشاء هؤلاء أو كما يطلبها هو منهم !!..لا كما هي عليه....

وعاش الرجل مراحل الإبتعاد والتباعد ومن ثم الإبعاد عن الواقع اليمني الذي نفذ صبره وضاق ذرعاً مما تؤول إليه أحواله يوماً فيوم..ويبقى صااااالح...ذلك الكائن بقبضته العسكرية..مكانه حتى أنه لم يكلف نفسه النظر من أي نافذة تطل على الشعب مباشرة ليرى الواقع بعينه وبدون نظاراته..ليشهد تهالك شعبه الصابر المصابر ..شعب المعاناة الأول والكفاح من أجل الوجبة الواحدة..تاركاً التالية لكرم الأقدار ولا يجرؤ أن يحلم بأكثر منها أو حتى بها.....سُرق منه الحلم بحقه في الحياة فيئس من أن يطمع بأي شيئ آخر...

ابتعد صالح ورحل إلى عالم آخر..بأجنحة المديح والتعظيم والشكر والتبجيل..ربما لأنه ترك لهذا الشعب منة الشهيق ونعمة الزفير..ومنحه حرية التنفس ولم يفرض عليها رسوماً أو يعتبرها ملكية عائلية تمنح للعائلة والمقربين فقط..

ساعده في التحليق جهله وتلك الأغاني والصور والفرقعات الإعلامية والألقاب الجوفاء التي استغلت جهل البعض وصادرت حريتهم في التفكير بعد أن امتصت دمائهم لتلون بها صورته وترشها على بساطه الممتد قي شوارع الجمهورية المؤدية إلى الكرسي القاتل لشعب بأكمله..

نعم اعتزل علي عن شعبه ولا يعرفه ولم يزل يتعامل معه بتلك العقلية التي صعد بها على غفلة ولم يدرك بعد أن ذلك الجيل قد انقرض ومات غالبيته بفعل الأمراض الفتاكة والسموم المستوردة والاغتيالات المجانية ونقص التغذية وانعدامها والجهل الموزع والثارات المفتعلة وأسباب كثيرة أخرى..

عمد بها صالح أركان حكمه.. نعم لم يدرك بعد أن الزمن قد تغير وأن هناك جيل جديد آخر يتطلع للمستقبل ولا يقبل أن يؤكل يوم أكل الجيل الذي قبل..ولم يدرك بعد صالح أن العالم أصبح قرية واحدة وأنه -صالح- أصبح يركب السيارات الفارهة مواكباً أحدثها وأكثرها تقنية ورفاهية وفخامة..ولم يعد يتجول بسيارة الحبة القاسية على عموده الفقري..!!!

تغير كل شيئ يا صالح وانت لم تزل أنت....!!

تغيرت سيارتك وبيتك ورفاقك ومحبيك ومبغضيك وتغير حتى (الطريق) المؤدي إلى الكرسي...نعم..وأنت أنت لم تتغير.. تلك العقلية هي هي لم تتغير وإن اكتسبت بعض الألفاظ التي ربما لا تدرك مبتغاها وإنما استهوتك إيقاعاتها..

اخرج إلى ساحات الحرية وميادين التغيير لترى وجوهاً غير التي ترى.. وعيوناً غير التي تراااك...وقلوباً غير التي تبغضك وهي لصيقةُ بك ولم تجرعك سوى البغض والنقمة والحقد وكفى..

اخرج لترى من يحبون هذا البلد ولا ينتظرون سوى أن يكون وطناً يتسع للجميع.. تغير كل شيئ يا صالح وأنت أنت لم تتغير