في يوم الثامن من أكتوبر الماضي جلس الرئيس السابق علي عبدالله صالح على إحدى منصات الخطابة وإلى جانبه نائبه في ذلك الوقت عبدربه منصور هادي، حيث استقبل الإثنان عدداً من أعضاء مجلسي النواب والشوى الذين قدموا لتهنئة الرئيس السابق بمناسبة عودته إلى اليمن بعد رحلته العلاجية في السعودية.
وفي ذلك اللقاء لفت انتباهي أن الرئيس السابق أعرب عن قناعته بأن كل رئيس يجب أن يأتي بطاقمه ليحكم من خلاله وليس من خلال طاقم رئيس آخر, وقال بالحرف الواحد تقريبا:
“أحيي زميلي وأخي ورفيق دربي الأخ عبدربه منصور هادي على ثباته رغم تخرصات المخادعين والكذابين. أعرف ما يقوله الكذابون: أنت عتحكم وإلا بتحكم.. هو ذاك هم بيحكموا من وراءك.. والغمزات واللمزات, ولكنه محصن وهو قائد عسكري مجرب يعرف هذا الكلام، وكل قائد يأتي إلى السلطة أياً كان مدنيًا أو عسكرياً, يأتي بطاقمه, يأتي برجاله, المهم تمشي السفينة وتقاد السفينة إلى بر الأمان”.
وفي العشرين من شهر نوفمبر الماضي زار الرئيس السابق علي عبدالله صالح معسكر اللواء الرابع حرس جمهوري حيث كان في استقباله نجله العميد أحمد قائد قوات الحرس، وألقى الرئيس السابق خطاباً حماسياً أمام ضباط وجنود المعسكر، أهم جملة وردت فيه قوله: «أنتم موجودون حتى لو تخلينا عن السلطة؛ فأنتم السلطة، أنتم السلطة».
الخطابان المشار إليهما لم يكونا مكتوبين بل ارتجلهما الرئيس السابق ارتجالاً، ولذلك فقد عكفت على تحليلهما كل في وقته، واستنتجت من الخطاب الثاني على وجه التحديد أن الرجل كان يلمح إلى أنه سوف يرضخ للضغوط الخارجية ويتخلى عن منصب الرئاسة، ولكنه لن يتخلى عن السلطة لأن السلطة في نظره ليست انتخابات وليست إرادة شعبية وإنما السلطة هي الحرس الجمهوري ولهذا فقد قالها صراحة لضباط الحرس “أنتم السلطة”.
وربما أنني شخصيا لست أقل ثقة من علي عبدالله صالح في اعتقاده بأن ضباط الحرس الجمهوري هم السلطة الحقيقية، ولذلك فإني أدعو الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي إلى أن يتبع نصيحة الرئيس السابق ويأتي بطاقمه لقيادة الحرس الجمهوري، وعندها يكون قد تسلم السلطة الفعلية لأنه حالياً تسلم الرئاسة ولم يتسلم السلطة بعد.
ضباط الحرس الجمهوري من جانبهم سوف يثبتون للرئيس السابق وأبنائه أن السلطة بيدهم لا بيد ضباط الديجتال، ولكنهم يحتاجون إلى شرعية عبدربه عن طريق تعيين قائد جديد للحرس الجمهوري قبل تعيين أي قادة جدد لألوية الحرس.
فبما أن الرئيس السابق يظن أن وجود نجله في أعلى الهرم القيادي بالحرس الجمهوري يعني أن السلطة مازالت في يده، فإن تغيير قائد الحرس بأقصى سرعة أمر في غاية الأهمية لإزالة الوهم من عقل الرئيس السابق بأنه مازال يحكم اليمن بما لديه من مال ومن سلطة عسكرية. وأعتقد أن السلطة الحقيقية هي في أيدي رجال وطنيين من ضباط الحرس يدركون تماماً أن ولاءهم الأول والأخير هو للجمهورية اليمنية وليس لابن فلان أو شقيق فلان.
ولهذا فإن الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي مدعوّ بإلحاح إلى أن يحسم الجدل الدائر حالياً بشأن الأقاويل والتخرصات التي تنبأ بها الرئيس السابق منذ شهور، ولن يتم ذلك إلا باتخاذ القرار التاريخي بقطع قول كل خطيب واختيار أحد الضباط المشهود لهم من طاقمه بالكفاءة لقيادة الحرس الجمهوري.
وعلى سبيل المثال فإن العقيد محمد فارخ قائد حرس المشير هادي يستحق الترقية إلى رتبة عميد ليقود الحرس الجمهوري أو القوات الخاصة، لأنه أكثر تأهيلاً وحنكة من العمداء طارق وأحمد وعمار اللذين عجزوا عن حماية مسجد النهدين من التفجير في قلب قلعة الرئاسة, فكيف سيحمي هؤلاء عبدربه منصور هادي من أنفسهم؟
وأنا هنا اتفق تماما مع ما طرحه الكاتب والمحلل السياسي الحبيب العزي بأن التحدي الأهم أمام الرئيس هادي هو الرئيس السابق نفسه، إذ إنه مصرّ – كما يبدو - على عدم قراءة وفهم كل الرسائل الموجهة له من الشعب !.. الشعب الذي قال له بكل وسائل التحضر والتمدن: “ارحل” !.. ارحل بفسادك فنحن لم نعد نطيقك !.. قالها طوال عام كامل في الساحات بشكل سلمي ، وكررها عبر الصناديق بوعي حضاري وسلوك مدني ، لكن الرئيس السابق – على الأرجح – لا يفهم ، أو أنه “يتعامس” وفقا لتعبير الحبيب العزي. فمن الواضح حسب رأي العزي وغيره من المحللين الواعين أن الرجل لا يريد لليمن أن تشهد بعده استقراراً سياسياً أو اقتصادياً ما دام فيه عرق ينبض بالحياة.
ولهذا السبب فلا بد من نزع السلطة من يد الرجل الجريح مثلما نزعت منه الرئاسة، ولن يتم ذلك إلا بقرار فوري صريح بنزع السيطرة العائلية على الحرس الجمهوري، وسحب قيادة الحرس ممن نزع الشعب منه الثقة إلى من منحه الشعب الثقة ، وإرادة الشعب المقهور هي جزء من إرادة الله.