السعودية حارس العروبة الأخير

بحكم شبكة المصالح والتواصل الدائب والمستمر بين قطرين عربيين جارين كالسعودية ومصر، فإن من الطبيعي أن تنشأ على عاتق هذه العلاقة، مظالم هنا أو هناك بين فترة وأخرى.. ولقد حدث أن توترت علاقات البلدين إلى مستويات خطرة مثلما كان في فترة من عهد الرئيس عبدالناصر والملك فيصل، لكن كل الإشكالات كان يتم التغلب عليها وحلها دون أن يصل الأمر إلى إغلاق سفارة واستدعاء سفير.

لن يحتاج المرؤ إلى جهد كبير ليدرك أن قرار الخارجية السعودية بتعليق أعمال سفارتها في القاهرة كان أمراً وجيهاً في ظل تظاهرات تحيط بها في بلد يشهد فترة انتقالية بين نظامين، وفلتانا سياسيا وأمنيا، وحمى انتخابات رئاسية وشيكة، وأعداء يتربصون من كل جانب بسبب موقف المملكة الشجاع الداعم لمطالب الشعب السوري في الحرية والحياة، وكذا موقفها المشرف من الاستفزازات الإيرانية الأخيرة في الجزر الإماراتية المحتلة.

وأياً كانت المبررات والمسببات التي أدت إلى خروج العشرات باتجاه السفارة السعودية في القاهرة، فإن الطريقة التي يدار بها ذلك الاحتجاج تؤكد بوضوح أن اللمسات الإيرانية حاضرة بقوة، وبالتالي فإن إثارة مثل هذه المواضيع وبهذه الطريقة الغوغائية لا يخدم إلا أعداء العروبة.. والتأكيد على هذا الأمر، لا يعني التقليل من أهمية الحل العادل والعاجل لقضية السجناء المصريين في السعودية، علما أن سجناء يمنيين، على ذمة الاشتباه، كانوا يعانون نفس المشكلة لكن العجلة تحركت منذ العام الماضي وخرج العديد منهم بانتظار الباقين، بعد جهود حقوقية غير حكومية بذلها ناشطون وأقارب سجناء وقاموا بالتواصل المستمر مع السفارة السعودية التي أوصلت شكاواهم إلى السلطات المعنية في داخل المملكة.

لسنا بصدد فرز القضايا، بقدر ما علينا الانتباه إلى الأولويات لنعرف ما الذي نحن بصدده لا أن ننجر لمشاعر وشعارات عمياء، ومن منا لا يذكر عندما كان النظام المصري السابق، بعد أن قزّم دور مصر وخذل قضاياها العربية، كان يحاول إفراغ الشحنة الوطنية للشعب المصري في مباراة كروية مع الجزائر، حتى أن جمال مبارك يومها لوّح باستخدام الجيش لاسترداد كرامة الشعب المصري التي "قضى عليها لاعب جزائري"!.. وهذا ليس إلا مثالاً لانجرار الناس وراء ما يشعرون بشكل آني أنه يستحق، ويسهم تجمهر المشاعر بعد ذاك في إحداث كارثة وطنية.. والمؤسف حقا أن التجربتين اليمنية والمصرية تثبتان بدرجات متفاوتة، إلى أي مدى صار التنسيق بين رموز في النظامين السابقين وإيران من أجل عرقلة العهد الجديد وتفشيله. والخاسر الأكبر من هكذا معارك في هكذا توقيت هو قضية الشعب السوري والمصالح الآنية لمصريين تضرروا من إغلاق السفارة إضافة ما يمكن اعتباره مشاعر عداء تجاه السعودية يراد لها أن تتكون في الهامش داخل أوساط شعبية في مصر. على أن إن الوعي العام المصري خصوصا والعربي عموما، الذي يدرك حجم التحديات المحيطة بأمتنا العربية ككل، يدرك جيداً أن الوقوف إلى جانب المملكة في هذه المرحلة واجب قومي وديني وإنساني، حتى تخرج الثورة السورية إلى بر الأمان، وحتى نضع خارطة طريق جديدة لاستعادة الحق العربي المستلب في فلسطين والروح العربية المستلبة في العراق..

ما يجب أن نتمثله اليوم كعرب، هو أن السعودية صارت بعد ضمور الدور المصري وسقوط البوابة العراقية وارتهان القرار السوري وارتباك الداخل اليمني وترنح الأسد الجزائري.. جديرٌ أن نتنبه أن السعودية بعد هذا كله، صارت اليوم هي الحارس الأبرز والأوحد للعروبة.. تماماً مثلما انها اليوم وأمس، المظلة الرمزية لمليار مسلم على امتداد رقعة الأرض.

ويقينا فإننا في اليمن صرنا ندرك أننا معنيون قبل غيرنا في الدفاع عن جارنا المملكة العربية السعودية، خصوصاً في ظل استراتيجية إيران التي تريد أن تتخذ من اليمن منطلقاً لإيذاء المملكة.. ويساعد إيران، للأسف، في هذا المسعى بعض أبناء اليمن، سواء أولئك الذين يتلقون الأوامر الإيرانية في صعدة أو زملاؤهم الذين نائب القنصل السعودي في عدن..

ختاما من اللائق جدا أن نتساءل اليوم كعرب هل نحن بحاجة إلى أزمة كهذه، وهل كانت مصر أو السعودية بحاجة إلى شيء من هذا؟.. هناك شعب يُباد وأرواح تزهق وأعراض تنهتك كل يوم في سوريا، وهنالك آليات متّبعة وناجعة لمعالجة أي خلاف بيني وإحقاق أية حقوق، دون أن نترك ثغرة يمكن من خلالها أن تضيع حقوق أولى وأعظم.