المأزق الروسي في سوريا

أثبتت القيادة الروسية منذ تفجر أحداث الربيع أنها تعاني مشاكل معقدة ومركبة في سياستها الخارجية، وبدا أن المخضرم سيرجي لافروف غير قاد على إدراك حقيقة ما يجري في العالم العربي من تطورات، وبالتالي فقد بدت السياسة الخارجية الروسية، مترددة ومتذبذبة وغير واضحة المعالم تماماً كالذي يسير على غير هدى .

فشل الخارجية الروسية في قراءة الأحداث والتطورات في العالم ناتج عن فشلها الاستخباراتي، وفقرها الشديد إلى مصادر معلومات قادرة على قراءة الواقع بشكل دقيق، لذلك لاحظنا ان السياسة الروسية كما لو كانت تسير على ما لديها من مخزون معلوماتي قديم وعتيق عن المنطقة .

لست في حاجة إلى التذكير بالموقف الروسي المعيب مما جرى في ليبيا وكيف تخلت عن حليف قوي وفشلت عن حماية مليارات الاستثمارات الروسية في ذلك البلد، ولست في حاجة للتذكير بالموقف الروسي غير المفهوم من مصر، فقبيل يومين فقط من رحيل مبارك كان مبعوث رئيسي روسي يؤازر مبارك في القاهرة .

اليوم تجد روسيا نفسها في مأزق عميق في سوريا، فدعمها اللامحدود لبشار الاسد لم يجد نفعاً وهي الآن تشاهد أن نظام حليفها القوي ينهار، وان هناك معركة فاصلة تدور حالياً في سوريا باعتراف وزير الخارجية العجوز سيرجي لافوروف.

روسيا تبدو كمن تورط في موقف وغير قادر على التراجع عنه، فالتراجع عنه يعني انهيار مصداقيتها على المستوى العالمي، والاستمرار فيه يعني أنها تدعم نظاماً يعيش سكرات الموت، وفي كلا الحالتين فإن مصالحها الاستراتيجية في سوريا وبالتالي في المنطقة أصبحت مهددة بشكل لم يسبق له مثيل.

استخدمت روسيا الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن في سابقة غير مسبوقة في التاريخ إذ لم يسبق لموسكو أن استخدمت الفيتو ثلاث مرات متتالية في قضية واحدة منذ إنشاء مجلس الأمن، ومع ذلك فإن ذلك الموقف لم يزد المعارضة السورية إلا إصراراً على إنجاز ثورتها وهى على وشك الانتهاء من ذلك .

وبالتالي فإن قاعدة طرطوس أصبحت على المحك خصوصاً إذا ما صحت الأنباء التي تحدثت عن وجود ضحايا روس بين قتلى خلية الازمة السورية التي شكلت بداية النهاية الفعلية لنظام الأسد .

لم يعد بيد موسكو من خيار عملي فالاستمرار في لعبة السياسة في مجلس الأمن أصبح غير مجدٍ وغير مؤثر على مجرى الأحداث على أرض الواقع، والتدخل العسكري لدعم نظام الأسد يبدو احتمالاً فاشلاً فرغم وجود القاعدة الروسية في طرطوس ورغم تحريك موسكو لـ11 سفينة حربية إلى المنطقة،إلا أن إمكانيات الدخول في حرب غير ممكنة نظراً لغياب طرق الامداد الآمنة التي يمكن معها خوض حرب دون الخوف من الحصار.

باختصار شديد موسكو في مأزق شديد في سوريا وهي في موقف لا تحسد عليه، ولعل أسوأ ما يمكن أن يعيشه بلد بحجم روسيا أن يجد نفسه غير قادر على الحركة في أي اتجاه رغم امكانياته الهائلة للتحرك لكنها تظل إمكانيات لا يمكن الاستفادة منها، فقد أفسدت السياسة الخارجية كل خيارات موسكو وأحرقت كل اوراقها .

أعتقد أن موسكو على وشك أن تفقد آخر قواعدها في المنطقة وأنها إذا لم تتدارك الموقف وتبحث عن طريق مناسب للتكفير عن أخطائها الاستراتيجية القاتلة تجاه الشعب السوري فإنها ستجد نفسها خارج المنطقة وستواجه صعوبة بالغة في إعادة بناء ما تهدم من علاقاتها مع العالم العربي خصوصاً وقد ضربت موسكو عرض الحائط بكل المناشدات والوساطات العربية والاسلامية التي سعت لثنيها عن موقفها غير السليم في دعم نظام قتل أكثر 16 ألفاً من شعبه في نحو 16 شهراً .