الكفاءة اهم شروط الوظيفة العامة

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف: 55 ) في هذه الاية قدم سيدنا يوسف سيرته الذاتية" c.v. " فهو قد تربى في بيت عزيز مصر وعرف النظام الاداري للاقتصاد المصري بالاضافة إلى ما تعلمه في صباه الباكر عن بعض اصول الزراعة التي ورثها عن ابيه عن جده الذي عاش في "اور الكلدانية" وهي ارض زراعة ، فقدم نفسه للملك على اساس علمه وخبرته والتي تتطلبها هذه الوظيفة من الحفظ والعلم بمعنى الكفاءة ، وهذا هو الشرط لطلب الولاية وتوليها فلم يطلبها بما لديه من نبوة وتدين ولا نسب فهو نبي ابن نبي ابن نبي ،لكنه قدم خبرته وشهادته للحصول عليها. طلب سيدنا يوسف للولاية لا يحتاج إلى مبررات والا إلى ان الملك مكنه من قبل ان يطلبها، فطلبه لها واضحا وضوح الشمس والتبريرات واهية و"ما شرع لمن قبلنا فهو شرع لنا "على قول اهل العلم. وأما من منع طلب الولاية فقد استدل بحديث عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أُعطيتها من غير مسألة، أُعنت عليها. وما روي عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: ألا تستعملني؟ قال: "إنك ضعيف وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة لخزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" أخرجه مسلم. يقابلهم حديثا اخرا هو حديث عثمان بن أبي العاص حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اجلعني إمام قومي، قال: أنت إمامهم. والفرق واضح فمن كان ضعيفا بغير مؤهلاً ولا كفاءة فلا يطلب ولاية لقرابته ولا لحسن تدينه ولا لحسن تلاوته للقران، لكن ان كان مؤهلا كفؤا فليطلبها. ومتى يكون طلب الولاية مذموما عندما لا تتوفر الشروط اللازمة للولاية اصلا ،فانه يكون منهيا عنه ومذموما ويجب ان لا تعطى لطالبها في هذه الحالة، فالولاية لا تعطى لغير ذوي الكفاءات فهناك اناس ضعاف كابي ذر رضى الله عنه كما جاء في الحديث السابق ، وهو من وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بحديث اخر "يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده" فكيف يوليه وليس له ما يؤهله لها فقد كان رضي الله عنه رجل من غفار لم يتعلم وليس له حظا من العمل الاداري في ذلك العهد مع صدق ايمانه واخلاصه لدينه ، ولذا فان من كان بلا كفاءة فلا يولى طلب الولاية أو او لم يطلبها. وكل ذلك يدعونا كبناة حضارة ومدنية لكيفية الاستفادة من الكفاءات بعيدا عن اي مؤثرات اخرى في الوظائف العامة، فدين الشخص لا علاقة له بالوظيفة العامة بل قدرته وعلمه وحفظه وكفاءته ونزاهته.

وعليه فان الترشح للمناصب وتقديم السيرة الذاتية للحاكم اوللشعب لا غبار عليه ما دام ان الاختيار بحسب الكفاءة. كما ان الولاء للمؤسسة التي يعمل بها الشخص اساس في مسألة ان يولى هذا الشخص أو ذاك ولا مكان في العمل المؤسسي للولاءات الشخصية الضيقة ، وهذا شرط اساسي وهو موجود عند غيرنا ، في انتخابات الرئاسة الأمريكية الاخيرة وعلى مستوى الحزب الديمقراطي ترشح كلا من هيلاري كلنتون واوباما للرئاسة ،فاز اوباما على مستوى حزبه ومن ثم على مستوى الولايات المتحدة ،فلم تتنصل هيلاري عن حزبها ولم يعاملها اوباما بخصومة سابقة بل عينها وزيرة خارجيته وهذا يحسب لهما وهما في محل قدوة بشرية لمن اراد انجاح مؤسسته وحزبه وجماعته وامته ، فبناء الدولة بحاجة إلى متخصصين مجيدين لعملهم لا إلى طيبين في سلوكهم لا يفقهون في بناء الدولة شيئا.

واذا عدنا إلى من ولاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلافاء الراشدين فقد كانوا اهل علم وقراءة وكتابة وفصاحة ،وكانوا سفراء قومهم قبل الاسلام ، ورجال دولة بالمعنى الحديث ،وكان نصيب بني امية من المتعلمين اكثر من غيرهم لغناهم في الجاهلية وتعلمهم اصول القراءة والكتابة ،وهذا هو سبب تعدد الولاة منهم وليس كما يقول الجعفرية الذين حملوا عثمان رضى الله عنه كل ذلك وقالوا ولى اقاربه، بينما هو اقر ولايتهم لان من قبله قد ولاهم، وقد ذهب كثير من اهل السنة في مسالة الخلافة وقالوا انها من قريش ومنهم الشافعي وغيره مستدلين باحاديث منها :عن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذا الأمر في قريش، لا يُعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار على وجهه ما أقامُوا الدين)). أخرجه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)). متفق عليه .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تَبَعٌ لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم)). نحن لا نشكك بالاحاديث ولكن نؤلها بالقول ان قريش في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا بما لهم من مؤهلات رجال حكم ودولة لا لقرابتهم من رسول الله صلى الله عيه وسلم، وقد توالت خلافة قريش إلى ان انتهت بخلافة المماليك والعثمانيين من بعدهم، واليوم يعود هذا لامر إلى امة الاسلام بلا جنسيات ولا اعراق اليوم وتتغلب الكفاءة على الاثنية والعرقية ، لا كما فسر خلافة العثمانيين والمماليك بعض اهل السنة بقولهم انهم غلبوا على الامر فالناس تبعا لهم ،ولكن نقول فلتتغلب القيم ولتتغلب مصالح الامة والكفاءات على ما سواها . وفي عصرنا هذا القرشية لو قال بها احدا ما قبل الناس منه لامرين الاول :لم يعد اليوم لقريش وجود ولا يوجد حتى اثنان يقولان نحن قبيلة قريش، والثاني : لان العلم قد انتشر ولم يعد مخصوصا بقوم دون قوم فالخلافة لمن وفى شروطها ولا يهم نسبه ويهمنا فقط دينه ان يكون مسلما لا كما في الولايات القطرية فا اشتراط الدين ليس مطلوبا في ولاتها أو رؤوسائها كما يقول بع اهل العلم. خلاصة الكلام لكل المتطلعين لبناء الامة والحضارة عليكم بتاهيل انفسكم واحتراف الاعمال الهامة فقد ولى عهد القرابات والعصبيات واشرفنا على عصر الكفاءات ونسال الله الله ان يوفقنا لبناء حضارة امتنا وبناء دولتنا وان يوحد جهودنا جميعا لهذا الامر.