
أتوقع أن نسمع بأن أصحاب محلات خياطة الازياء العسكرية المنتشرين بالعشرات في شارع القيادة بصنعاء خرجوا للتظاهر ضد قرار عبد ربه بتوحيد الزي العسكري لقوات الجيش المختلفة في اليمن باتجاه الهيكلة المفروضة..
طبعا القرار ذكي وموضوعي ليس من ناحيته الفنية فقط وإنما نحو التهيئة الذهنية من اجل استعادة الجيش لهوية الوطن بدلاً عن هوية الشخوص الذين حولوه إلى كانتونات تابعة لهم، وبالتالي فإنه خطوة محترمة لوضع حد لمراكز القوى العسكرية خصوصاً أن الذي صار مكرساً بسبب تعدد زي الجيش هو ولاء كل فصيل لقائده وارتباطه به وبمزاجه لا بالبلد حتى ان صورة الجيش لدى الشعب صارت تتلخص في ان الزيتي المموه للحرس مثلا لابد يحيلك بالضرورة إلى احمد علي كما ان الاصفر المموه للفرقة مثلا لابد يحيلك بالضرورة إلى علي محسن ..
كذلك من خلال تعدد هذه الازياء يمكننا استشعار التمييز الذي كرس بين وحدات الجيش المختلفة اصلا .. فيما كان ولاء الجنود منقسما بين الشخوص كما نعرف لكأن تعدد الزي كان يهدف جوهريا إلى ان يكون عنوانا لتعدد الولاءات ..وعليه : لا اظننا نتجاهل ما خلفه هذا التعدد الولائي من تشاحن وتباغض وصولا إلى نوع من الكراهية والحقد بين فصائل الجيش البري كمثال إذ صار هو الاكثر عرضة لتعدد الازياء مقارنة والجيشين الجوي أو البحري الاقل تعددا كما نعرف كما ليكاد تعدد الازياء فيهما شبه منعدم إذ لا تضاهي فصائل الجيش البري سوى فصائل الامن المختلفة في هذا التعدد العجيب..
وفي السياق: اعرف اخوين احدهما في الفرقة والاخر في الحرس تطور بينهما الخلاف-على خلفية وطأة الاثر النفسي والسياسي والفكري لقائديهما على كل منهما - إلى عراك بالايدي سرعان ماتطور بعد فترة بسيطة إلى اصابة احدهما من قبل الاخر بالرصاص. على ان الاخ المصاب حين استعاد عافيته ثأر لنفسه فورا وبشكل شرس ما تسبب باعاقة تامة لاخيه بالمقابل .. نتج عن كل ذلك قيام والدهما الموجع الغضبان الذي لم يصدق ماحصل لفلذتي كبده باعلان تبرؤه منهما مالم يقررا العودة لحالة الرشاد الاخوية مشترطا عليهما التصالح الحقيقي .ولقد كان انقطاع صلتهما نهائيا عن الاسرة هو النتيجة الوحيدة للاسف ..
ما اريد قوله على ضوء هذا هو السؤال التالي : إذا كانت مثل هذه الولاءات لاتتيح بناء اسرة طبيعية فكيف لها ان تتيح بناء دولة مثالية ؟
فضلا عن ماسبق ارى في توحيد زي الجيش خطوة مباركة للحفاظ على وحدة الجيش نفسه وتعميق شعور الشعب بأن الجنود جنوداً للبلد لا جنوداً لاشخاص. بل لعل هذا ايضا مايريده في قرارة انفسهم قطاع واسع من الجنود ولو انهم لم يستطيعوا التعبير المرتفع عنه ..
كذلك يهدف هذا القرار- ومن بعده الهيكلة - إلى الغاء التمايز الذي كان مكرسا بين فصائل الجيش من ناحيتي الاجور والتاهيلات بالذات تكريسا للمساواة فقط ..غير ان الاهم بالتأكيد في ظل صدور القرار إياه : ضرورة العمل الجاد من اجل تجريم ومحاسبة كل من لايمتلك تصريحا رسميا من اصحاب محلات بيع الملابس العسكرية المنتشرين بالعشرات خصوصا ان الضوابط غير صارمة حسب المصادر إذ لاتوجد رقابة حقيقية كما ان معظمهم يعملون لحساب ضباط يسربون لهم وبشكل لاشرعي من مخازن القوات المسلحة والامن مختلف الازياء وتوابعها ايضا بينما هناك مخالفات كثيرة حتى ان من يبيعون لمن هب ودب لايهمهم اي شيء .. وليس من جدال طبعا بأن للامر خطورته البالغة بالتأكيد على اكثر من مستوى..




