
تعد اليمن من أكثر بلدان العالم فقراً ، رغم أن الإنسان اليمني من أكثر شعوب العالم كدحاً وفي أرضنا وبحارنا ما يكفينا للتخلص من تلك الحالة ومايغنينا عن تسول المساعدات الدولية والاقليمية .
ورغم أننا من أكثر بلدان العالم أمية وتردياً في الأوضاع الصحية إلا أن تعداد المعسكرات في مدننا يكاد يوازي تعداد المدارس والمستشفيات إن لم يفقها في بعض المدن .
هذا الوضع غير السوي بحاجة إلى تصحيح وإصلاح هيكلي بنيوي يعيد التركيز والاعتبار لما هو أولوي بنيوي في حياتنا إن أردنا الخروج من هذا الواقع المزري الذي نعيشه.
الإنفجار الذي وقع أمس الأول في مقر الفرقة الأولى مدرع داخل العاصمة صنعاء والصواريخ التي تطايرت منه في اتجاهات مختلفة ووصلت إلى مسافات بعيدة ءثار حالة من الرعب والقلق لدى سكان العاصمة وينبغي ألا يمر مرور الكرام.. ترى ماالذي سيحدث لو أن انفجاراً مشابهاً وقع في أحد المعسكرات المطلة على صنعاء، والتي تحاصرها من مختلف الجهات ، إلى أين يمكن أن تتطاير الصواريخ وكم من الضحايا ستخلف؟
وبعيداَ عن أسباب ماجرى في الفرقة أو كيف جرى ولماذا ومن يقف وراءه و بقية الأسئلة التي ننتظر لجنة التحقيق في الحادث لتجيب عليها ، أقول بعيداَ عن كل ذلك فإن الحادث يقتضي من قياة البلد موقفاً حازماً وحاسماً باتجاه إخلاء مدننا من المعسكرات أو بالأصح اخلاء معسكراتنا من المدن – كما صحح لي أحد الزملاء الأعزاء معلقاً على التفجير– فكثرة المعسكرات في مدننا تجعل من السهل إخلاء تلك المعسكرات من المدن وليس العكس .
هل يستطيع أي منا حصر عدد المعسكرات داخل صنعاء مثلاً؟!.. كم في صنعاء من معسكرات للجيش وكم من معسكرات للحرس الجمهوري وكم من معسكرات للأمن المركزي والنجدة والداخلية وكم من معسكرات لعلي عبدالله صالح وكم من معسكرات للحوثيين وكم من معسكرات لأولاد الشيخ الأحمر وآل الشايف وغيرهم من المشايخ ، هذا ناهيك عن المعسكرات التابعة للأحزاب والجماعات المختلفة ..
أعتقد أننا لو قررنا إخلاء معسكرات صنعاء من صنعاء نفسها لانتهينا من العملية قبل أن ننتهي من حصر المعسكرات نفسها .مرعب هو حال مدننا اليمنية وكيف تحولت إلى مجرد معسكرات وثكنات يقطن حولها مجموعات من البشر تمحورت حياتهم حولها وتوقفت طموحاتهم وصدت أحلامهم بأسوار ها، وكم من مريض فقد حياته وهو يعبر حوش معسكر ليصل إلى المستشفى ؟!
مرعب حقاً أن يكون تعداد المعسكرات في مدينة ما أكثر من تعداد المدارس والمستشفيات ومفزع حقاً أن يضع الانسان رأسه على المخدة وهو مسكون بما قد يحدث في المعسكر الذي يحيط به أو الثكنة التي تطل عليه.. قبل بداية الثورة كان الحديث السائد عالمياً يؤكد أن هناك 60 مليون قطعة سلاح في اليمن، أما اليوم فأعتقد أن هذا الرقم لم يعد صحيحاً واننا لو أجرينا تقييماً صحيحاً للمسألة لوجدنا العدد قد تضاعف على أقل تقدير ، بالنظر إلى تضاعف أعداد المعسكرات وبالنظر إلى حجم التجنيد الذي تم من قبل بعض الوحدات العسكرية والأمنية ومن قبل بعض الجمعيات والمليشيات ومن قبل بعض المشايخ والأحزاب .. هناك معادلة مزعجة لكنها صحيحة وهي أنه كلما تفاقمت حدة الفقر والجهل في بلد ما ، ازداد عدد قطع السلاح المنشرة فيه .. هذا الأمر مجرب في افغانستان وفي باكستان وفي عدد كبير من البلدان الفقيرة والمتخلفة حول العالم .
هذه المعادلة تنطبق علينا حالياً في اليمن وأعتقد أن أول أولوياتنا ينبغي أن توجه نحو معالجة هذه المعضلة وحل هذه المعادلة بالعمل على إحلال المعامل وورش العمل والمدارس والمستشفيات مكان المعسكرات والثكنات وبما يجعل في يد كل يمني قلماً وآلة عمل بدلاً من بندقية وحزمة قات .
أدرك أن العملية ليست يسيرة وأن العقبات كثيرة ولكن المهم توافر الإرادة الحقيقية والصادقة والبدء بالسير في هذا الاتجاه وسنصل لا محالة ، فذاك ينبغي أن يكون قدرنا الذي نرسمه بعقولنا ونمضي فيه بقلوبنا وسواعدنا إن كنا جادين فعلاً في بناء يمن جديد .




