تأريخنا المعاصر مليء بالاحداث الدرامية والمأساوية ويصعب قراءته في الوقت الحاضر بموضوعية وبصيرة. إذ أن حبر صفحاته ما زال حيا داميا ، وما زالت أصابع مدونيه تسترسل حتى هذه اللحظة في تحرير صفحاته وكتابة عناوينه وحواشيه سواء كانت تلك الأصابع المركبة على أيدٍ أنانية فاجرة ملطخة بالدماء أو تلك المسكونة بروح وطنية مثالية حالمة.
وكمحصلة لذلك فإن الحقائق والرؤى الحاكمة صائبة كانت أو خاطئة كثيرا ما ضاعت في الزحام وأحاط الضباب بما بقى منها وفيما له صلة بموضوع أخراج اليمن ذلك البلد الذي طالما غدر به التأريخ السياسي وخانته الظروف ودفع به السياسيون إلى منحدارت الهاوية. واليوم تتكرر نفس اللعبة مع نفس الوجوه في المشهد الوطني العام. حيث نجد رتلا من السياسيين ممن يقفون على طرفي نقيض ويتدثرون بعبايات وشعارات ايدولوجية متناقضة من يمين اليمين إلى يسار اليسار ، من اليساري القومي المتعصب المتطرف والمتشدق بالكلمات الطنانة الخادعة إلى القبلي - العسكري والمتأسلم المتمنطق بالجنبية والبارود. لكنهما يلتقيان عند غاية واحدة هي تمزيق اليمن إلى إجزاء وكيانات حتى يظفر كل واحد بجز من اجزءاه الممزقة.
وثمة مشكلة اكثر مدعاة للقلق والخوف ان قطاعا واسعا من المجتمع اليمني الذي جرب حكم تلك الذئاب السياسية وقاسى منها الأمرين يقف تائها مرتبكا ، بل أن بعضه يتم تضليله وجرجرته بوسائل مختلفة إلى مراعي تلك الذئاب وتعبئتها لتعينها على تحقيق مشارعيها تلك والفتك بها لاحقا.
وتقف القلة من الرواد الوطنيين والفاعليين الاجتماعيين في مواجهة تلك المشاريع البائسة وهم يجاهدون لتجنيب اليمن ويلات الحروب والتشتت والتمزق فيما هم يستعدون للابحار بسفينة " نوح" في بحر هائج متلاطم الامواج نحو شاطئ الأمان. ولعل الحوار الوطني الشامل الذي تستعد اليمن لاطلاقة مطلع عام 2013 هو بمثابة تلك السفينة التي سوف تجمع "أفضل وأصدق وأقدر واحرص" ما لدي اليمن من نخب وقيادات تتمتع بالحكمة والعزيمة والصلابة وصدق النوايا فيما همها هو اليمن و قلبها على وطنها وشعبها. لقد أثلجت صدري وصدر الكثيرين القرارات الأخيرة التي أصدرها رئيس الجمهورية الهادفة لاعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومؤسسته على قواعد علمية حديثة وتلك من دون شك خطوة إيجابية فعالة في الطريق الطويل كما أثلجت صدرته عبارته القائلة أنه مستعد لدفع حياته ثمنا لعزة هذا الوطن وكرامته ونهضته ووحدته وإستقراره.
ولكن هل هذا يكفي؟ أم أنه يتعين على الجميع الذي يحلمون بوطن يسود فيه السلام والعدل والمساواة والحرية والكرامة والرخاء أن يقفوا صفا واحدا ليشكلوا سياجا مانعا يصدون به تلك الذئاب السياسية التي ما زالت أشداقها تقطر دماء من أجسادنا الممزقة. كما ان عليهم أن يدركوا أنهم ليس وحدهم في مثل هذا المعترك حيث تقف إلى جانبهم قوى أقليمية ودولية يقلقها ويقض مضجها رؤية يمن ممزق وغير مستقر، مثلما هناك دول إقليمية ودولية تتحين الفرصة للانقضاض على "فريسة محتضرة".
بيت من الشعر:
الخير في الناس مصنوع إذا جبروا
والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا
فأكثر الناس آلات تحركها
أصابع الدهر يوما ثم تندثرُ