القضية الجنوبية.. المتاجرة بأحلام البسطاء!‏

إن المتاجرة بأحلام البسطاء من الناس واستغلال عواطفهم الجياشة وحاجتهم وفاقتهم وفقرهم ‏وتوقهم لصناعة مستقبل أفضل هي نازية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، نعم نازية بمساحيق ورتوش ‏تجميلية ووسيلة رخيصة للعبور بأجندات أنانية قميئة عبر المقايضة بأحلامهم .‏

من المؤسف حقا أن يتحول الإنسان في المحافظات الجنوبية في اليمن إلى مجرد حزمة قش ‏مفخخة قابلة للاشتعال وورقة للمقايضة والابتزاز ، ومن المؤسف أيضا أن يقع الكثير منهم في الفخ ‏غير مستفيدين من دروس وعبر الماضي القريب والسعي بخطى حثيثة إلى المربع الأول الذي اجتازوه ‏منقادين بخطاب عاطفي لا يتمتع بالكثير من الذكاء يلهب حماسهم ويرضي عاطفتهم ويهيئ لهم وطنا ‏من ورق ويصور لهم أن لا شيء يفصلهم عن أحلامهم سوى بضعة أقدام بسيطة وأن الخروج من كل ‏المآزق والكبوات يتطلب فقط المضي قدما نحو الانفصال ذاك الحصان الرابح الواقف خلف الأبواب ‏باسماً ملء شدقيه ينطلقون به إلى مصاف الدول الاسكندنافية المتقدمة بعيدا عن حكم القبيلة والعسكر ‏والجهل والظلم والفقر فتبدو لهم الصورة وردية ونسخة عن المدينة الفاضلة .‏

والحقيقة أن الكثير من العقلاء والسياسيين من أبناء الجنوب يدركون هذا الزيف ويرون جيدا ‏كيف تتقاسم قوى داخلية وقوى خارجية الشارع الجنوبي لممارسة الابتزاز والمتاجرة بقضاياهم ‏وحقوقهم وأحلامهم لكن هؤلاء العقلاء لا يجرؤن على المجاهرة بتلك الحقائق ومواجهة الشارع ‏المتحمس حتى لا يوصفون بالخيانة والعمالة لنظام صنعاء والتآمر على أحلامهم وحريتهم وحتى لا يتم ‏الانقضاض عليهم وإقصائهم بل وتهديد حياتهم فلا يوجد إلا القليل منهم فقط من يتحدثون على استحياء ‏بما يحاك خلف الكواليس .‏

الحقيقة التي لا يدركها البسطاء أن القضية الجنوبية لم تعد جنوبية بامتياز منذ أن غابت الوجوه ‏التي انطلقت بها من الشارع الجنوبي وأطلت مكانها الوجوه الكالحة المترهلة من بيروت والرياض ‏ودمشق وغيرها ، منذ أن انطلقت الأحزاب والجماعات لحشد ما تستطيعه من أنصار وبالتالي بات ‏الجنوب مقسما بين أشخاص ذات مرجعيات وأجندات خارجية وأحزاب وجماعات تحمل أجندات ‏خاصة تمارس بهم أبشع أنواع الابتزاز السياسي .‏

إن المتاجرة بأحلام البسطاء تقتضي أن تتشبث تلك الوجوه المحنطة بسقوف عليا أمام عدسات ‏الكاميرا فتبدو رابطة الجأش قوية واثقة من الغد الذي يسوقونه في حين أن مطالبها تختلف تماما بعيدا ‏عن عدسات الكاميرا ولذلك تجد تضاربا فيما يُنقل عنهم وبين ما يقولونه مباشرة .‏

من يظن أن الانفصال مجرد شعارات وأعلام انفصالية وتظاهرة هنا أوهناك فهو واهم يقبع تحت ‏تأثير ذاك الخطاب العاطفي المبتذل ومن يظن أن الانفصال مجرد ( برميلين ) في منطقة الشريجة فهو ‏سطحي بسيط التفكير تستغله فئة من الناس لتحقيق أهداف أخرى فالجنوب اليوم أصبح مفخخا قابلا ‏للانفجار إذا لم يعِ أبناء الجنوب ما يراد بهم فيفوتون فرصتهم التاريخية ويخرجون دون توافق على ‏مشروع واقعي قابل للتحقيق على الأرض وبأقل الخسائر ويفوتون علينا جميعا العبور إلى دولة مدنية ‏يتحقق فيها الحد الأدنى من قيم العدالة والمساواة وتطبيق القانون فمستقبلنا جميعا مرهون بمدى ‏استيعاب أبناء الجنوب لأهمية قضيتهم والأطراف اللاعبة التي سعت وتسعى لحرفها عن مسارها ‏الحقيقي .‏

إن الأحداث الأخيرة المتسارعة وما شاهدناه مؤخرا يجعل العقلاء والنخب يحملون على عاتقهم ‏مسؤولية التوعية والصدح بالحقائق وإزالة تلك الغشاوة وتأثير الخطاب العاطفي المهجن المريض على ‏عقلية البسطاء ، إنها مسؤولية وطنية وتاريخية تقتضي عدم المداهنة والسكوت في هذه المرحلة ‏المفصلية لأن تفويت الفرصة يعني بالضرورة الاندفاع نحو المجهول الذي سيبتلعهم أولا قبل أن يبتلعنا ‏‏.‏

أيها العقلاء أيها النخب لا تفوتوا الفرصة وقوموا بمسئوليتكم وأدوا الأمانة التي على عاتقكم تجاه ‏هذا الشعب ولا تجعلوا الساحة الجنوبية لقمة سائغة للابتزاز وإشعال الحرائق التي ستأكلنا جميعاً.‏